الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمة بوش وبلير

خالد عبدالله

2003 / 3 / 29
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



                                                        
كاتب عربي يقيم في وارسو


لم يا ترى يعقد الرئيس الأمريكي بوش ورئيس الوزراء البريطاني بلير قمتهما بعد أسبوع على بداية حربهما ضد العراق؟ تراوحت التفسيرات التي أوحت بها المصادر الغربية، ورددها البعض في القنوات الفضائية العربية كالببغاوات، ما بين خلافات على الغنائم و قضية إشراك الأمم المتحدة بعد سقوط النظام، بل زعم البعض لها أهدافا إنسانية تتعلق بتوفير الغذاء والدواء للسكان المدنيين. ولم أجد أكثر وقاحة من الزعم الأخير. فلو تركنا الحرب نفسها التي هي نقيض الوجود الإنساني التي هرول إليها الاثنان دون دوافع مشروعة أخلاقيا أو قانونيا، فإن ممارسة البلدين خلال فترة الحصار الاقتصادي على مدى أكثر من عقد كانت قتلا بطيئا للمدنيين. ثم إن البلدين نفسيهما طلبا من الأمين العام للأمم المتحدة أن يسحب موظفيه الذين كانوا يشرفون على تنفيذ البرنامج في العراق. فما جد بين طلبهما وقف البرنامج ثم البحث بعد أسبوع في إعادة تنفيذه؟

لقد حدث خلال أسبوع واحد أحداث ضخام حقا. وهي فضائح أنجبت إحداها الأخرى. فقد كانت الفضيحة الأولى عسكرية تكونت في رحم المؤسسة العسكرية الأمريكية التي أعدت أذهاننا جميعا، حيثما كنا في بقاع الأرض، أن منظر الجندي الأمريكي المثقل بالمعدات سيودي بالمدن العراقية واحدة بعد الأخرى، وسيطيح بالفرق العسكرية العراقية فرقة بعد أخرى. ويبدو أن صانع القرار الأمريكي السياسي والعسكري كان أكثر الناس إيمانا بهذه الخرافة، فكان تبددها صاعقة ذهبت بما تبقى لديه من رشاد في التفكير.

ويبدو أن تكون جنين الفضيحة الثانية قد حدث في ساعات الذهول. فقد قذفت الإدارة الأمريكية إلينا فضيحتها الثانية الإعلامية. وقد تندر الكثير على الهذيان الإعلامي الأمريكي، حتى حلفائهم الإسرائيليين بدءوا يكتبون عن الإعلام الأمريكي في " بيت طاعة الجنرالات ".

أما الفضيحة السياسية فكانت لازمة منطقية للفضيحتين. فقد شيد الأمريكان على حلم السقوط العسكري السريع لبغداد أحلاما كثيرة، أحدها أن بلدان العالم ستقبل على بيعة الأمريكان في حربهم هذه، بل قد تكون البيعة مطلقة لكل الحروب المطلقة. وقد كانت مراهنة خطيرة، كما سماها بوش لعبة البوكر، فكما أن النجاح فيها سيجلب أرباحا كثيرة على مائدة القمار، فلا يمكن للإخفاق إلا أن يلحق خسائر واضحة. وقد شهدنا خلال اليومين الماضيين جرأة الكثير من البلدان على انتقاد الولايات المتحدة لانتهاكها للشرعية الدولية.

هذه هي الصورة القائمة. فأين منها دعوى التنازع على الغنائم؟ بل هذا الزعم يكذبه الحاضر، ويدحضه الماضي. ففي الحاضر هناك ورطة عسكرية وسياسية لكلا الجانبين، ليس هناك وقت لبحث غيرها. كما أن تجربة بريطانيا مع أمريكا بعد تحرير الكويت تظهر أن بريطانيا خرجت منها بما تفضلت عليها أمريكا، فهل تتوقع أن تحصل على شيء أفضل من دولة قال لها وزير دفاعها مشاركتك في الحرب ليست مهمة كثيرا. ثم هل من المعقول أن لا يكون الزعيمان قد ناقشا في لقاءاتهما الكثيرة قبل بدء الحرب حصة بريطانيا من الغنائم ؟ ومما يؤكد ذلك أن بلير ذهب إلى الحرب ضد إرادة غالبية الشعب البريطاني. ولم يكن ليجرؤ أن يفعل ذلك لو أن النخبة كان مزاجها من مزاج الناس. فتأييد النخبة البريطانية له في حربه ليس إلا برهانا على أن لها مصالح فيها. وبلير كأي مسؤول في أي بلد رأسمالي يعرف الناخبين الحقيقيين في بلده.

أما موضوع حكم العراق بعد انتهاء الحرب فهو أكذوبة أخرى سمجة لا تنطلي إلا على من يلتذون بسادية التغرير. ويعجب المرء كيف يمكن أن يساق مثل هذا التفسير، وكيف يمكن للبعض أن يأخذه مأخذ الجد فيجعله موضع نظر؟ ألم تتعبنا وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية على مدى شهور وحتى ليلة الحرب بخطط حكم العراق كما يراها المنظرون الأمريكيون وصانعو القرار في أمريكا. فإذا قتلت بحثا حتى توفر منها بدائل كثيرة، فلا يمكن أن يكون ذلك بمعزل عن رئيس وزراء بريطانيا. فحكم العراق ليست مسألة موضع حقيقي لأن خطتها أعدت وأقرت. وهل أقدمت أمريكا على حربها وهي لا تعرف ماذا ستفعل بغنيمتها؟

فلم إذن عقدت القمة؟

عقدت من أجل بحث أبعاد الورطة وطرق الخروج منها سياسيا إن استمرت. وقد أدرك بلير أن العنجهية الأمريكية التي سادت حتى الآن ما عادت تنفع في مواجهة الأحداث المستجدة، وأن هؤلاء الهواة الذين تقودهم غطرستهم يحتاجون إلى إيقاظ على أن عوامل مستجدة لم تكن متوقعة تحتاج إلى تدبير ونظر سياسي عميق. وقد بدا ذلك من الحديث عن خريطة الطريق وقيام الدولة الفلسطينية. وهي تظهر خبث بلير وغبائه في آن. فهو حين يسعى لإقناع الرئيس الأمريكي بالحديث عنهما يتصور أنه يخدع العرب عن جرائمه في العراق. كما أن الظن أن أحدا من العرب، خارج نطاق المتورطين فيها، ستحدث عنده رنينا ليس إلا وهما كأوهامهم عن العراقيين المصطفين على الطرقات بباقات الورود.

وأكبر الظن أن الأمم المتحدة هي إحدى وسائل التخلص من الورطة التي بحثها الاثنان. وهي يمكن أن تكون وسيلة في المدى القصير من خلال الالتفاف عليها في موضوع المساعدات الإنسانية للحصول على إقرار ضمني بشرعية حربهما. ولا أظن أن ذلك ممكنا، إذ أنهما أخفقا في الحصول على الموافقة قبل أن يظهر ضعف حربهما فكيف يمكن أن يحصلا عليها بعد أن بانت عورتهما. ولا يمكن أن يحصل ذلك إلا ضمن صفقة لم يكن من قبل يقبلان بها. كما أن الأمم المتحدة قد تكون وسيلتهما في الأجل البعيد. فإذا تبين لهما بعد أسابيع أن حربهما لا تبدو حينذاك أكثر تفاؤلا مما تبدو عليه في أسبوعها الأول، عندئذ قد تكون الأمم المتحدة حبل خلاص سياسي لهما.

لكن بدا من الواضح أن الإدارة الأمريكية التي لم تفطم بعد عن عادة  كره الأمم المتحدة صعب عليها أن تتخلى عن مشروع الهيمنة من الأسبوع الأول لإخفاقها. فكل مشروعها يقوم على إنهاء مرجعية الأمم المتحدة، وصياغتها على نحو يجعلها معبرة مطلقا عن إرادة الولايات المتحدة. ولذا من الصعب الحديث الآن عن مخرج من خلال الأمم المتحدة. لكن الأمريكان سيسعون جديا للحصول على إقرار متأخر بشرعية حربهم. غير أنه أصبح واضحا لكثير من البلدان أن مسار الحرب على العراق قد أفصح من أسبوعه الأول عن أن التصور الأمريكي لصورة العالم قد تلقى ضربة قوية مها كانت نتائج الحرب. وقد تكون الضربة قاضية إن سارت الحرب على نحو نأمله ويرجوه العالم.

*************

كنعان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟