الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
من حكايا المهجر
عذري مازغ
2019 / 5 / 4الادب والفن
في بلباو لم أعاشر الحاناة كما كنت أفعل في ألميريا، وبسبب بسيط، قررت أن أخرج من عزلتي بالبيت وتكسير هذه النمطية من العيش بين الجدران من باب خلق علاقات اجتماعية من خلال الإندماج في المجتمع البلباويمع اني أعرف مسبقا ان الإندماج ليس فقط ولوج الفضاء الإجتماعي من خلال الحانات بما هي تكسر حواجز نفسية في الجراة والنقاش، في ألميريا مثلا كنت مندمجا من خلال تفاعلي مع المجتمع المدني، من خلال جمعيات، نقابات، أحزاب وغير ذلك من النشاط المدني، لكن هذا النشاط الحيوي كان ناقصا إلى حد كبير، كان نخبويا بمعنى آخر بشكل جنبني التصادمات العنصرية في ألميريا، في إلخيدو مثلا وحتى حدود 2008 كان من الصعب أن تدخل أي مقهى أو أي حانة دون تواجه باللامبالاة في أحسن الحالات ، الطرد في أسوئها ، وكانت الممارسات العنصرية متفاوتة من مقهى إلى آخر ومن حي إلى آخر ، وفي بعض الأحيان كنا نتلقاها من مهاجرين مثلنا ..
في سنة 2006 مثلا، تلقينا دعوة من حزب اليسار الموحد بمناسبة إحياء ذكرى الجمهورية الإسبانية الثالثة على ما اعتقد، وطبعا يجب أداء واجب إحياء الحفلة ويتم ذلك في حانة خاصة تكترى لأجل ذلك، امضينا وقتا ممتعا في الحفلة حتى حدود منتصف الليل حيث يلزم ان نغير المكان بسبب قانوني خاص بالحانة المطعم، لها ترخيص بالعمل من الصباح حتى منتصف الليل، وبسبب دفء النقاشات اقترح صديقي المغربي أن نذهب إلى ملهى ليلي لأحد رفاق اليسار الموحد، ملهى كان صديقي المغربي هذا نادلا فيه وله صداقة مميزة مع صاحبه، امتعنت في البداية أن أصاحبهم لاني الوحيد الذي يملك سحنات مغربية وكرامتي تمنعني من ان يهينني احد وهذا ما كنت اتجنبه طوال حياتي بألميريا وهو عود على مبدأ اتخذته قبل سنة 2006: في سنة 2003 عدت من مادريد لأعيش بألميريا في براري صحراوية بلاستيكية تسمى تييرا دي ألميريا، في مساء ما أردت ان اشتري علبة سجائر في مقهى أو مطعم تابع لصاحب مشتلات بلاستيكية عائمة باقتراح من صديقي الدكتور الفيزيائي الحسين ناصري، عندما دخلنا إلى المقهى اخبرني الدكتور بأنه علي شراء علبة السجائر دون تناول ولو كأس بن، ولما تساءلت عن المانع أخبرني بأنهم لا يقبلون المغاربة فيه بشكل تركبت عندي عقدة استفزاز مفادها ان نتناول شيئا ما باعتبار المقهى مكان عمومي، وافقني الدكتور برغم انه يعلم جيدا أنهم لن يخدمونا وأنا اخبرته أيضا بانه في هذا الخلاء الشاسع، يجب ان نملأ بعض مقاعد البار لمدة اطول لنرى ردة فعل النادلة التي هي أيضا مهاجرة من بلغاريا، وبالفعل جلسنا وطال جلوسنا دون تناول اي شيء حتى بدا القوم يتدفق على المقهى، حينها اقتربت منا لتطلب منا ماذا نريد أن نتناول، نظرت إلى ساعتي اليدوية فقلت لها لقد أبطأت كثير والآن حان وقت انصرافنا ثم أضفنا استفزازا آخر بأن ضحكنا امامها من الامر ..، تكررت التجربة في اليوم الثاني أما في اليوم الثالث فكان العكس بمجرد ما دخلنا لم تتركنا حتى نتمم ابتساماتنا المستفزة: طلبت منا ماذا نشرب..!
قبل 2006 كان يعجبني أن ادخل أي مقهى له مواقع عنصرية تجاه المغاربة واحتضن مقعدا لمدة طويلة معاندة لموقف رفض طلباتي مما يتناول، وان ذلك في احيان كثيرة يتسبب لي في خصومات تصل إلى تبادل الضرب وتدخل البوليس، والكارثة هو أني لست في العمق ممن يستطيع جرح دجاجة، كانت خصوماتي تعود إلى بالندم ، فاتخذت موقف أن لا اقع بعد في مثل هذه الخصومات التي انا في غنى عنها. وعليه كان علي على الأقل أن أتجنب المواقف التي يمكن ان تضعني في موق تلقي إهانة مادمت امسكت عن الخصام والعنف، لكن صديقي المغربي ألح أن أحضر واستشهد بمعرفته لصاحب الملهى واذكى أكثر من ذلك في وصف مكارمه، ذهبنا إلى ذلك الملهى وكانت تديره نادلة روسية، كنا أكثر من ثلاثين شخصا، خدمتهم جميعا إلا انا وصديقي المغربي ولما سألناها لماذا، لم ترد ثم فجاتها بالسؤال: هل لأننا مهاجرون
قالت نعم، فقلت لها أنت أيضا مهاجرة!!
قالت: "هذه اوامر صاحب الملهى.."، الذي هو صديق صديقي المغربي ، أردت الإنسحاب لكن صديقي لم يرد ان نعكر الجو على رفاق اليسار الموحد، أخبرته بانه اوقعني في موقف إهانة وهذا مارفضته منذ البداية، تنبه غلى خصامنا مخنث من الحزب الإشتراكي العمالي كنت ابدو له عريس ليته ذلك المساء بشكل حتى إذا ذهبت إلى المرحاض كان يتبعني لدرجة كان يريد حتى قياس عضوي الذكري.. انتبهت أيضا للامر منسقة الحزب لتطلب الصمت من الجميع ، ثم بدات تسال الروسية ماذا حصل، الروسية كانت في أسوا أيام إحراجها، تؤكد بأنها ليست عنصرية وأنها تنفذ اوامر صاحب الملهى، المنسقة تأخذ الهاتف وتنادي صاحب الملهى الذي كان نائما وينكر كل ما قالته الروسية
شخصيا وثقت بما قالته الروسية اكثر من وثوقي بما نكره صاحب الملهى.. في الأخير جاء مصحوبا بابنه الأكبر ليرتكب نفس الخطأ، اعتذر لأعضاء الحزب ولم يعتذر لي، وانا سجلت الموقف في حينه لنعيد نفس الجلبة ويقسم بأنه لم يتعمد الأمر، أخذوني إلى الداخل ليقنعاني هو وابنه آمرا النادلة بان تعطيني ماشئت دون أخذ مقابله، رفضت الامر انا وصديقي المغربي وطلبنا ان نعامل بشرف بفقط...
في إلخيدو بالميريا كنت الامس اندماجا سحريا آخر خارج تعبئة النقابات والجمعيات المدنية ، في كثير من الاحيان لا تهمني القضايا الاكاديمية والنخبوية، ما يهمني كثيرا في الإندماج هو معرفة حياة الناس العاديين، كان بيبي صاحب مقهى بيبي مورينو نموذجا نادرا في إلخيدو، لم يكن عنصريا مع المغاربة ربما بسبب معاشرته لهم في سبتة او مليلية، لا اتذكر جيدا، كان إلى جانب سحر ملامحه ، ساحرا ايضا يتقن الألعاب السحرية، كانت حانته تقليدية، عتيقة بمعنى آخر تنتمي إلى الزمن السحيق من خلال ديكوراتها العجيبة، محراث خشبي قديم، قرعة يابسة، مناجل صديئة تؤرخ للقرن 19 معاول وأشياء تعبر عن سنحة بدوية قديمة وعتيقة، وكانت حانته مليئة بالغاشي (بالتعبير المغربي) وكانت أيضا الأثمنة مناسبة جدا ويقدم اكلات البلانشا (مشوية) من سمك وسردين وغامبا وشحم خنزير ، نمطيا كان شخصية مغربية بامتياز، انا مثلا كنت أسميه السوسي نسبة إلى حركاته البهلوانية الساحرة، وكانت حانته يأمها كل البشر بدء من البوليس السري والبوليس العادي مرورا بالفاشيين الفرنكويين ، والبؤساء المعدمين وانتهاء بالنخبويين من محاماة وقضاة مجاورين في عملهم للحانة ، كانت الحانة مشهدا في حد ذاته تعكس تناقضات كل إلخيدو (سبق أن كتبت الكثير عن هذه الحانة في حكايا من المهجر سابقا).
ذات يوم بنفس الحانة كنت منزعجا لأن احدهم يدخن كثيرا، وفي كل مرة يريد إشعال سيجارته يطلب مني الولاعة، وحين انتبهت إلى أن لدي وللاعتين، قدمت له واحدة على أساس أن يعفيني ، لكن كان رده سلبيا للغاية، اخبرني باني مهاجر هاجر إلى هنا لكي يخدمنا، قلت له بانه متخلف ولا يعرف مايقوله، هنا الكثير من المغاربة أحسن حال منه مثلي واني أدفع في المواطنة للدولة اكثر مما يدفعه هو واني مدني إسباني برغم قحيته الإسبانية وأنه فاشي لا يعرف ما يقول وتطور الأمر إلى ان تدخلت زوجة صاحب الحانة لتطرده أو ان تنادي البوليس إذا رفض فانسحب ككلب مشؤوم.
أمس في بلباو وقع لي شيء من حدث إلخيدو، لكنه حسم بعقلية البلباويين ، كنت قد أمضيت وقتا رائعا بحانة البورغيسا، تناولت ما شئت، كان بالحانة نادلان، وعندما قررت الإنسحاب ناديت النادل الأول الذي خدمني، لكنه لم يستجب فأديت كل ما تناولته إلى النادل الثاني الذي كان ب"البارة"، عندما عدت في اليوم الثاني ، امتنع النادل الأول أن يناولني ما طلبت بدعوى اني امس ذهبت دون ان أؤدي له ثمن ما اخذت، اخبرته بأني ناديته عندما كان في غرفة الطهي ولم يستجب ولاني كنت مضطرا للخروج ورفيقه كان ب"البارة" فقد اديت واجبي لرفيقه، ثم طلبت أن يسأل رفيقه، خرجت إلى الشارع لتدخين سيجارة بسبب ما سسببه الأمر لي من ضغط ولما عدت إلى "البارة" قدم لي النادل الأول جعة هدية، اعتذارا على سلوكه بالشكل الذي نلمس فرقا شاسعا بين الجنوب والشمال الإسبانيين...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن
.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •
.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر
.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا
.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى