الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عم نتكلم .. حين نتحدث عن الحب ؟

أحمد الخميسي

2019 / 5 / 8
الادب والفن


في مجموعته الأشهر:"عم نتكلم حين نتحدث عن الحب؟" يطرح الكاتب الأمريكي الشهير ريموند كارفر السؤال العجيب، السهل، الصعب: ما الذي نقصده بالحب حين نتكلم عن الحب؟ ما هو هذا الحب؟ نحن جميعا مولعون بالحديث عن تلك العاطفة، نكتب عنها وفيها الشعر، والروايات، والمسرحيات، ونرسم من وحيها اللوحات، وننام ونصحو على نور ذلك الشعور، ومع ذلك ما الذي نعنيه حقا بالحب؟ ماذا نقصد به على وجه الدقة؟. تجدد سؤال كارفر في ذهني بعد حديث هاتفي مع الصديق، الأديب الليبي عمر الككلي، قال لي خلاله إنه ترجم قصة اسمها " المهمة" من قصص ريموند كارفر. طلبت منه أن أقرأها لأني من عشاق كارفر 1938-1988 الذي يعد أحد أساتذة القص الأمريكي الحديث، كما أنه عاش حياة غريبة شاقة عمل خلالها ساعياً بالبريد وحارسا ليليا وعاملاً بمحطة وقود وممرضا في مستشفى، وقادته حياته إلي إدمان الكحول، ثم أقلع عنه بقوة إرادته، وانعكست حياته تلك في ابداعه فجسد في قصصه الفقر وانسحاق البشر الصغار والآمال المحطمة والسكارى الضائعين واحباط العاطلين عن العمل. نشر كارفر عدة مجموعات شعرية لم تلق اهتماما إلي أن تجلت موهبته في في القصة القصيرة بدءا من مجموعته " ضع نفسك مكاني" 1974، ومجموعته الثانية " هلا هدأت من فضلك" 1976، إلي أن صدرت مجموعته " عمّ نتكلم حين نتحدث عن الحب؟ " في عام 1981 فجلبت عليه الشهرة ورسخت مكانته الأدبية كأحد ألمع كتاب القصة في العالم. كارفر كان قد أبدى في أكثر من مناسبة انبهاره بالكاتب الروسي أنطون تشيخوف، وقال انه يشعر بالقرابة الروحية معه ووصفه بقوله :" تشيخوف هو أعظم كاتب قصة قصيرةعلى مدى التاريخ". في قصة"المهمة " التي ترجمها الصديق عمر الككلي يحاول كارفر أن يستحضر اللحظات الأخيرة من حياة أنطون تشيخوف حين ودع الحياة داخل مستشفى بألمانيا، وهي لحظة خاصة، بينما تعتمد قصص كارفر بشكل عام على كل ما هو اعتيادي ويومي في الحياة، كالخلافات بين الأزواج، أو فصل شخص من وظيفته، أو حفل عرس، أو رجل يهجر عشيقته، أو حادث سيارة، لكنه ينفذ من سطح ما هو يومي واعتيادي ومكرور إلي الأسئلة التي تؤرق الانسان في كل مكان، وتتوهج قصصه بحيوية المشاهد التي لا تتوقف فيها الحركة، فهناك دائما حدث ما، وشخصيات تتحرك، وأناس يتشاجرون بسبب نقاش أو مشكلة أو موقف ما. ومع أن لغة كارفر موجزة وبرقية إلا أنه يمنح كل لحظة وكل شخصية حقها من الوصف حتى تكاد الصور أن تنطق أمام القاريء. أيضا فإن ذلك القاص الكبير لا يلجأ لأي غرائبيات، أو إدهاش، مما يعشقه ويلهث وراءه الكتاب الشباب، ربما لأنه مثل كل كاتب حقيقي يعلم أن لا شيء أكثر إدهاشا من الحياة نفسها، وأن دور الكاتب هو اكتشاف المدهش في الحياة، وليس اختراع الغرائبيات. يقول كارفر عن قصصه :" في القصة أحب أن يكون هناك خطر ما غير ملموس، يطوف حولنا.. لا بد أن يكون هناك توتر في الهواء". هناك هذا التوتر، والأرق الذي يصاحب حياة شاقة وموهبة كبيرة. في قصته البديعة "عم نتكلم حين نتحدث عن الحب؟"، يطرح كارفر السؤال السهل، الصعب: ما الذي نقصده بالحب؟ من خلال عشاء يجمع رجلين وامرأتين يقودهم الحديث إلي محاولة تعريف تلك العاطفة، فيقول أحدهم إن الحب ليس سوى الحب الروحاني، وتقول امرأة إن زوجها السابق أحبها إلي درجة أنه أراد قتلها، وتعقب على ذلك بأنه مهما كانت غرابة الموقف فقد كان زوجها ذلك يحبها بطريقته الخاصة! ويعدد أحدهم للجميع أنواع الحب حسب اعتقاده: البدني، والعاطفي، وحب الانسان لذاته متجسدا في حبه الآخر، وحب الاعتياد والألفة، ثم يضرب مثالا بزوجين عجوزين في مستشفى، وكان الزوج راقدا في جبس من أعلاه إلي أسفله، ويضيف: وحين اقتربت من الرجل العجوز لأسمع ما يقوله من خلال ثقب في الجبس قال لي إن سبب تعاسته ليس المرض لكن أنه لا يستطيع أن يرى زوجته الراقدة بجواره من خلال ثقوب الجبس. ويترك رايموند كارفر السؤال " ما هو الحب؟ " بدون اجابة كعادته في قصصه ذات النهايات المفتوحة، ويترك لنا التفكير في الاجابة لعلنا نفهم في النهاية أن الحب حالة تقع دائما بشكل مختلف، وأن ذلك الشعور المسمى الحب يتبدل ويتغير كل مرة يظهر فيها مهما كانت ملايين المرات التي يحدث فيها ذلك الشعور الرائع الغامض.

***
د. أحمد الخميسي. كاتب وقاص مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان بانكسي يفاجىء جمهور فرقة موسيقية بإلقاء قارب مطاطي عل


.. كاظم الساهر: الجمهور المصرى راق وحفلى كان بمثابة -عرس




.. العراق. أيام التراث الموصلي مهرجان لنشر تقاليد وثقافة الموصل


.. إليكم ما كشفته الممثلة برناديت حديب عن النسخة السابعة لمهرجا




.. المخرج عادل عوض يكشف فى حوار خاص أسرار والده الفنان محمد عوض