الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اخلاقيات الصحافة في عصر ما بعد الحقيقة

محمد وهاب عبود

2019 / 5 / 9
الصحافة والاعلام


واحدة من أخطر واحدث الأزمات العالمية في عصرنا والتي تشمل المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية ، فضلاً عن مجال الاتصال الجماهيري ، أطلق عليها اسم "ما بعد الحقيقة" 2016-2017 تم تخصيص العشرات من المنتديات العلمية والعملية ، ومئات المقالات ذات الطابع البحثي والإعلامي للنظر في هذه الظاهرة. في الغرب أطلق محررو قاموس أوكسفورد الإنجليزي في عام 2016 على مصطلح ما بعد الحقيقة ب "كلمة العام" [1]. هكذا اهتمام بهذا المصطلح الجديد شكل دافعا لتأطير ظاهرة ما بعد الحقيقة علميا والكشف عن ما يعنيه هذا المفهوم من معنى محدد في سياقه اللغوي والاصطلاحي.
يعرّف قاموس أوكسفورد الإنجليزي مصطلح ما بعد الحقيقة "بأنه تعيين الموقف أوالحالة التي يكون فيها تأثير الحقائق الواقعية أقل من تأثير المشاعر والقناعات الشخصية في صناعة وتكوين الرأي العام.
اكتسب المصطلح الجديد في الصحافة الغربية (وخاصة الأمريكية والبريطانية) شعبية خاصة ، والتي لوحظت في عام 2016 ، عندما تم تشخيص تناقضا واضحا , من قبل العديد من الصحفيين في تلك البلدان ، مع المنطق السليم والوقائع الحقيقية والأدلة الدامغة ، بفضل حدثين عالميين بارزين واستخداما للتصريحات الشعوبية والضغط العاطفي والتضليل الخاطئ ويتمثل هذان الحدثان بفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية وقرار البريطانيون القاضي بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي حيث أفاد كبار المراقبين من اضخم وسائل الإعلام في كلا البلدين عن بداية "عصر ما بعد الحقيقة".
ان الصحافة بمفهومها التقليدي لم يعد لها مكان في عالم ما بعد الحقيقة, وظائفها المتعارف عليها من تنوير وتثقيف ونشر للمعلومات اضحت غير مطلوبة او غير مستساغة اذ سيؤدي التغيير الوظيفي للصحافة إلى اختفاء الصحافة كظاهرة ومؤسسة اجتماعية ، وتحولها إلى أشكال أخرى من أنشطة الاتصال.
عند طرح سؤال عما إذا كان هناك مخرج من حقبة ما بعد الحقيقة رد الباحثون بإيجابية في رأيهم ان هذه الأزمة لها نهاية لأنها تؤثر على المؤسسات والعمليات الاجتماعية الكبرى والأساسية والتي بدونها لا يمكن أن تنتج حضارة. يشير الباحثون الى تفاصيل مهمة: على الرغم من عمق عملية ما بعد الحقيقة ، فإن المجتمع لم يفقد الاهتمام بمعرفة وبكيفية "حدوث شيء ما بصورة فعلية". يتحدث رالف عن "التعطش للحقيقة" بالنسبة للإنسان والذي بدوره لن يسمح بالتخلي عن هذا المفهوم تمامًا.

وبحسب رأي باكيني يجب على الإنسانية "إعادة تصور الواقع: "لاستعادة الثقة في قوة وقيمة الحقيقة مضيفا " يجب علينا ألا نخجل من تعقيدها" فقد تكون الحقيقة في أغلب الأحيان صعبة الفهم والدراسة والتوضيح والتحقق لكن ,بنفس الوقت, من السهل أيضًا إخفاءها أو تشويهها أو سوء استخدامها وحرفها عن مسارها. في كثير من الأحيان لا نستطيع أن نقول على وجه اليقين أننا نعرف الحقيقة اذ نحن بحاجة إلى إجراء تقييم نقدي لأنواع مختلفة من الحقائق الواقعية والمتجلية وفهم كيفية التحقق من صحتها [2]
من المهم أن تتزايد مقاومة ما بعد الحقيقة في المجال العملي - في مجال الصحافة والعمل الاجتماعي. حتى الآن ، هناك بالفعل عشرات الجمعيات التي تعمل على تتبع الأخبار ورصدها والتحقق من صحتها والكشف عن معلومات مضللة والإبلاغ عن الانباء المزيفة.
تبحث شركات ومؤسسات الرصد الاعلامي الموثوق بنشاطها على الصعيد الدولي في صناعة تكنولوجيا المعلومات عن طرق أتمتة الفحص الآلي لصحة المعلومة كما تنظم منظمات حكومية وغير حكومية دورات تدريبية لرفع الوعي العام بخصوص دور ونشاط وسائل الإعلام المختلفة.
المعايير الدولية لأخلاقيات الصحافة
كما هو الحال في أي مجال مهني آخرللصحافة معايير أخلاقية خاصة بها لكنها ذات طبيعة استشارية غير الزامية وتضع المعايير الأساسية المتعلقة بعمليات جمع المعلومات ومعالجتها ونشرها [ٌ3]
تستند القواعد المعايير من هذا النوع ، المنعكسة في الوثائق ، الوطنية والمحلية ، إلى مدونات الأخلاقيات المهنية لصحفيين وخبرة عملية في المجال المهني وتعكس أفكارًا ذاتية حول هذه القواعد.
المعايير تعني قواعد خاصة بالنشر ومعاييراخلاقية اساسية يجب على الصحفي الالتزام بها. في الغرب ونظرًا لخطورة المشكلات المتمثلة بتعدد الثقافات واستنادا الى الخصائص الاجتماعية والسياسية , فإن المعايير الأخلاقية المهنية للصحافة ذات أهمية خاصة سيما
في مجتمعات متعددة الثقافات والحدود شبه مختفية وتفوق في تكنولوجيا المعلومات يجعل من الضروري المبالغة في تقدير مفهوم تدفق المعلومات الدولية والأجنبية.
كما توجد مدونات أخلاقية وطنية في جميع البلدان تقريبًا وتختلف في مدى وخصائص تفسير معايير معينة [4]. تُظهر تجربة العالم الغربي في تشكيل القوانين العامة في مجال المعلومات وفقًا للقواعد الدولية رغبة جادة بتوحيد المعايير الأخلاقية.
وهكذا ، تم اعتماد الوثائق الدولية التي تنظم الأخلاقيات المهنية للصحفيين في القرن الماضي ولم يتم تنقيحها منذ ذلك الحين. أنها تحتوي فقط على المجالات الرئيسية ، والمبادئ التي ينبغي أن توجه الصحفي ، مع نسخة مختصرة. لا تحتوي على إرشادات دقيقة حول كيفية الالتزام بهذه المبادئ في مواقف محددة (غالباً ما تكون معقدة للغاية ومثيرة للجدل). يتم التصدي لهذه المشكلة بتفسيرات وقناعات مختلفة من قبل الصحفيين بشكل منفصل أو من قبل هيئات التحرير بطريقة مستقلة. لذلك ، فإن تفسير مبادئ وقواعد اخلاقيات الصحافة يسهم في تجاوز حالات التعاطي الذاتي مع مبادئ وقواعد المهنة.
يمكننا استخراج المبادئ الأساسية التالية للأخلاقيات الدولية للصحفيين
السعي إلى الموضوعية والحياد
الحاجة إلى الدحض والتراجع والاعتذار في حالة نشر معلومات غير صحيحة
احترام سرية المصادر والموارد
المسؤولية الاجتماعية للصحفيين
الإنسانية كقيمة رئيسية للصحفي
إدانة الحرب والعنف والتمييز
طرق مشروعة للحصول على المعلومات
ولطالما كانت مبادئ الأخلاقيات الصحفية مهمة لعمل المجتمع الصحفي وعمل المجتمع ككل ، وفي عصر ما بعد الحقيقة ، أصبحت قضية الأخلاقيات المهنية أكثر أهمية. تم تبني المبادئ الدولية لأخلاقيات الصحافة في القرن الماضي ، في عصر ما قبل الرقمي. تظل هذه المبادئ في حد ذاتها ذات صلة في الرغبة بتحقيق (الموضوعية والحياد ، وما إلى ذلك) ، ولكن هناك حاجة ملحة لتفسير هذه المبادئ في مواقف محددة. تفرض الفترة الحالية الجديدة متطلبات أخرى للصحافة. لقد أصبح من الصعب أكثر فأكثر على الصحفي تحديد ما هو مناسب وما هو غير مناسب. المناقشة في هذا الصدد بين ممثلي المجتمع الصحفي ضرورية. سيتم ضمان حقيقة هذا الحوار من خلال اجتماعات المائدة المستديرة والمؤتمرات وغيرها من الأحداث في المجتمع المهني. من المهم عقد اجتماعات دولية ، لأن ظاهرة ما بعد الحقيقة غالبا ما تتعلق بقضايا السياسة الخارجية.
كما هناك طريقة أخرى لتنظيم مثل هذا الحوار ، وهي مناقشة المشكلات في المنشورات والموارد المتخصصة. من المهم جدًا أن تتضمن هذه المناقشة ، أينما أجريت ، أمثلة ملموسة مستقاة من الواقع. المبادئ العامة واضحة للعديد من أعضاء المجتمع الصحفي ، وعادة ما تنشأ المشاكل بالتحديد مع استخدام أخلاقيات الصحافة اثناء الممارسة.
عصر ما بعد الحقيقة يؤثر حتما على الصحافة ، ووفقا لتوقعات الباحثين ، سوف تستمر في التأثير أكثر. بعض وسائل الإعلام في أعقاب مجتمع ما بعد الحقيقة ، تخبر الجمهور بما يريده ، وليس ما يحدث بالفعل فيما تواجه وسائل الإعلام الأخرى التي تلتزم بالحقيقة "التقليدية" - استنادًا إلى دراسة موضوعية للواقع وتدعمها أدلة حقيقية - انخفاضًا في اهتمام الجمهور
من المهم أيضًا ملاحظة أنه ليس فقط الجمهور ولكن أيضًا الصحفيون أنفسهم يقعون تحت تأثير ما بعد الحقيقة من خلال قناعاتهم وتصوراتهم بأنهم يتعاطون اعلاميا مع الواقع بشكل موضوعي وعادل فلا يلاحظون خشيتهم او تجنبهم تغطية هذا الحدث او ذاك ، ولا يولون الاهتمام الى العتمة التي القوا فيها جزء من الواقع. على سبيل المثال ، السعي لاثبات/اظهار -دون ادلة- أن دولة معينة هي المعتدي أو أن ظاهرة معينة سلبية ، فثمة غياب لجهد التحقق من المعلومات والتعرف على وجهة نظر الطرف الآخر. ونتيجة لذلك ، فإنهم يمنحون الجمهور صورة منحازة للواقع. ما ورد أعلاه لا ينطبق فقط على الصحفيين الأفراد ولكن أيضًا على هيئات التحرير بأكملها.
1 «Постправда» стала словом года по версии Оксфордского словаря // URL: https://www.bbc.com/russian/news-37995176 (дата обращения: 20.11.2018).
2 Мирошниченко, А. Мир постправды. Как привыкнуть к новой реальности / А. Мирошниченко // URL: https://republic.ru/posts/76454 (дата обращения: 15.10.2018).
3 Лазутина, Г.В. Профессиональная этика журналиста / Г.В. Лазутина // URL: http://evartist.narod.ru/text10/09.htm (дата обращения: 27.10.2018).
4 Профессиональная этика журналиста – международные и российские акты // URL: http://www.mediasprut.ru/info/pravo/moral.shtml (дата обращения: 17.10.2018).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE