الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عند فضاءات الغربة والوداع

محمد سليم سواري

2019 / 5 / 9
الادب والفن


عند فضاءات الغربة والوداع !
في رثاء أحد أصدقاء الغربة والكفاءة الهندسية الوطنية الأُستاذ يوسف كَلو


قد يتصور البعض بأن الكتابة عملية سهلة وممتعة وكأنها نزهة سياحة للترفيه عن النفس ..لا أبداً لا .. فالكاتب يعاني معاناة حقيقية في الكتابة والتعبير عن الذات بكلمات قد لا تستوعب كل آلامه وآهاته وكأنها عنده عملية مخاض عسيرة غير معروفة النتائج والعواقب.
وقد يتبادر إلى ذهن الكثيرين أكثر من سؤال : متى نكتب ؟ ولماذا نكتب ؟
بصراحة أنا بخيل في الكتابة وكريم وسخي في وصف مشاعري والتعبير عن ذاتٍ يَكل مَتنه وينصهر فكره عند الكتابة ! وخاصة عندما تواجهني مواقف أليمة وتهزني صدمات غير متوقعة .. وهنا وعند هذا الموقف أشعر بأنني بحاجة إلى الكتابة لكي أُعبر عن مكامن نفسي وخلجات قلبي ولكن هل تأتيني تلك الكلمات والجمل بالسهولة التي تكون بمستوى هذا المشهد وإن لم يكن فهو إنتحار بل وأد لهذا الذات .
الكتابة في موضوع شخصي ليست مثلباً ولا إمتحاناً سهلاً في مسيرة تكون صولاتها مع المعاناة وفرسانها الكلمات وساحتها أنا وأنا ودموعي الصامتة والآهات .. ولكن عندما يكون هذا الطرح الشخصي يشمل أشخاصاَ آخرين ومن نعرفعهم عديدين لتصبح ظاهرة واضحة للعيان ومشهداَ درامياً يومياً على مر الأيام والأعوام وفي وطن ليس له حول ولا قوة بين مخالب سياسية لعينة وأنيابِ مقيتة لحكام نرجسين في الصميم ومختلي الضمائر والعقول ودون كل الاصول حيث جًيروا الوطن بما به ومَن فيه أنا وأنت وهم من أجل الذات والعوائل وأحزابهم وعشائرهم أولاً وثانياً وثالثاً وعاشراً !
خلال إسبوعين فُجعت كما فُجع الكثيرون من أبناء الجالية في ديترويت بشخصين هم بحق كانوا الأصدقاء في الغربة والعماد في بعدنا عن الجذور والموطن حيث عشنا معاً الكثير من الأيام لها عبقها وعطرها خلال الست سنوات الماضية من مسيرة غربتنا الشائكة وقطوفها النائية.
الأول كان المرحوم نافع عبدالنور الذي كان خبرة وعلامة مميزة في عالم العوينات في مدينة الموصل وبغداد ولأكثر من ستين عاماً في عوينات عبدالنور والمعروف بتعامله الحسن واللطيف مع زبائنه وشعاره مساعدة الآخرين ونيل رضاهم وثقتهم.
واليوم الراحل الثاني الأستاذ " يوسف كَلو " وهو الخبير والكفاءة الهندسية المميزة على مستوى الوطن وأحد أعمدة المركز الوطني للمختبرات الإنشائية في وزارة الإسكان والتعمير والمعروف أكثر من نار على علم في هذا المجال ونجم بازغ في الليالي الحالكات ولا يمكن أن تتكرر مثل هذه الكفاءات التي قدمت عصارة حياتها ومعدن شبايها في الوطن وللوطن لتهاجر في ظل أيام عصيبة وتناحرات بغيضة أكلت وأحرقت الأخضر واليابس من الوطن حيث المنافي وأيام الغربة والوداع وإحتضان تراب وطن غريب لِجَثامينهم وهيهات هيهات .
هنا في مشيغن يعيش الآلاف من الكفاءات العراقية وفي مختلف العلوم والمهن والإختصاصات لتحتضنهم رحمة الغربة وسخائها بعد أن غدرت بهم أيام المحن خارجين من رحم الوطن في عملية قيصرية وكما هو حال في معظم قارات المعمورة .. ومنهم على سبيل المثال لا الحصر .. هنا الدكتور أزهر كساب الإخصائي المشهور في عمليات الجراحة وفتح القلب .. هنا الدكتور أثير كساب العالم البيطري والخبير في إدارة وتنمة الثروة الحيوانية .. هنا الدكتور رياض قس ميخا اليد الحنونة مع الإنسان في صحته .. هنا حسو إخوان الماركة التجارية المعروفة في عالم الموديلات والملابس في الموصل وبغداد وهنا ساده الريكاني الذي لم ولن يدانيه أحد في حبه للوطن وما قدمه من تضحيات سخية من أجل الوطن وفي أحلك الظروف هنا وهناك على مدى البلدان والقارات والأمصار والآفاق الآلاف من الكفاءات الوطنية المغِيبة والمغَيبة عن الوطن وهي تطوي الثرى بكل آلامها وآمالها في منافي الغربة وأديمها.
أيا وطني .. أنا أعشقك مع كل شروق وغروب ولا أعاتبك ولن ألومك بل أرثي لحالك لٍما أنت عليه.
أيا وطني .. أنت قطعة من كياني بل قطعة من الأرض حيث يزرعها الفلاح الماهر بالكروم والأشجار لتتحول إلى الجنائن .
أيا وطني .. في غياب الأيدي الأمينة تحولتَ إلى أحراش الشوك ليعيش فيها الذئاب وبنات آوى ليكون عصرك أسوء كل العصور والدهور.
وأنت يا صديق غربتي يوسف كَلو وأنت في رحلتك الأبدية نم قرير العين فوالله في دنياك لم ينافسك الكثيرون ممن نعرفهم في طيبة خلقك ولطفك وهدوئك .
وأنت يا أبا سامر الطيب فقدناك في وقت كان ينتظرك أقربائك لتزورهم حيث كريمتك سوسن في كندا وولدك سامر في بريطانيا ولن تَكل أُم سامر الغالية إبتسام عفاص من الإنتظار.
وعذراً يا سيدي في رحيلكم كل القلوب فجعت وسفن لمتنا الأخوية تاهت بعد رحيلكم وكنتم البوصلة .
وعذراً يا سيدي أبا سامر وكنتم الشخصية المحورية والبطل في روايتي الأخيرة " الدولة والقلب " وها كل شخصيات الرواية في كل صفحاتها وأسطرها وكلماتها قد نصبوا خيامَ التعزية والرثاء في رحيلكم .. فكل الكلمات في مقامكم ليست لها وجع الآهات ولا صدى الأمنيات .
الوداع أيها الإنسان الإنسان ورحلة موفقة إلى عالم الآخرة ورحمة رب العباد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: تكريمي من الرئيس السيسي عن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: نفسي ألعب دور فتاة




.. كل يوم - دوري في جمال الحريم تعب أعصابي .. والمخرجة قعدتلي ع


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بنتي اتعرض عليها ب




.. كل يوم-دينا فؤاد لخالد أبو بكر: أنا ست مصرية عندي بنت-ومش تح