الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعبة خطرة ومكشوفة يمارسها العسكريون في السودان

كاظم حبيب
(Kadhim Habib)

2019 / 5 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


إنها اللعبة القديمة الجديدة المكشوفة التي يمارسها المجلس العسكري الانتقالي في السودان، هذا المجلس الذي انقلب على حكم البشير وأطاح به وتسلم قيادة الحكم بالبلاد، لعبة كسب الوقت بأمل نشوب خلافات واختلافات وصراعات بين وجهات نظر القوى التي شكلت تحالفا سياسياً باسم "الحرية والتغيير"، التحالف الذي انتفض بعزم وصرامة وعبأ الشعب خلفه وتصدى بقوى الشعب لنظام الحكم العسكري في البلاد، ضد نظام حكم الدكتاتور المشير عمر حسن البشير ورهطه، وليس ضد البشير وحده. فالمجلس العسكري الانتقالي، كما يبدو حتى الآن، يأمل أن يستمر في حكم السودان وفرض رؤيته ونهجه العسكري على تحالف الحرية والتغيير، الذي لا يزال موحداً حتى الآن، حيث يشكل "تجمع المهنيين" نواته الصلبة والأساسية. فهل ستنطلي هذه اللعبة على الشعب؟
يعول المجلس العسكري الانتقالي بوضوح لا يقبل الشك على القوى الانتهازية التقليدية الموجودة قطعاً في صفوف المعارضة السياسية، علها تبدأ بالتشكيك بقوى الشعب وقوى "الحرية والتغيير" من جهة، وإعلان ثقتها بهذا المجلس العسكر الانتقالي من جهة أخرى، إذ كثيراً ما لعبت هذه القوى الانتهازية دوراً سلبياً مماثلاً في مواجهة القوى الانقلابية العسكرية في العقود المنصرمة، وكانت سبباً وراء فشل الشعب في فرض إرادته ومصالحه ونجاح الانقلابيين في السيطرة على السلطة في البلاد.
إن متابعة الأحداث السياسية الجارية في السودان يجد ان السياسي المخضرم الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي (1935م)، رئيس حزب الأمة، الذي رفض الانخراط بالحركة الشعبية المناهضة لحكم البشير والعسكر والتي استطاعت تحريك العسكر لإسقاط البشير، باعتبارها حركة شباب غير منظم وفوضى، بدأ اليوم يتحرك بسرعة ويتحدث عن ضرورة دعم المجلس العسكري الانتقالي والثقة به وعدم وضع العراقيل في طريقه، وأن قوى الحرية والتغيير غير موحدة ومفككة. انه الدور السلبي والانتهازي الذي يمارسه الصادق المهدي ليشجع العسكر على السير في طريق آخر غير الطريق الذي يسعى إليه الشعب من جهة، وليحظى بتأييد العسكر والاتفاق مع المجلس العسكر على تشكيل الحكومة من جهة أخرى، رغم انه يدرك بأن الشعب السوداني مصمم على رفض النظام العسكري، بغض النظر عن طبيعة رموزه، ويناضل بعناد وحزم ومسؤولية من أجل تغييره وإقامة نظام ديمقراطي - دستوري - علماني، وبناء مجتمع مدني ديمقراطي حديث. ان هذا الرجل هو ذاته من ضيع على الشعب فرصا سابقة مستعينا بموقعه الديني الطائفي المضر بوحدة الشعب وقضية الديمقراطية والمجتمع المدني في البلاد.
إن المهمة المركزية الراهنة والمستقبلية التي تواجه قوى الحرية والتغيير تتركز في وحدتها وتضامنها ورفضها الاختلاف في مواجهة المسألة الأرأس، مسالة رفض الحكم العسكري، أو قيادة المجلس العسكري للفترة الانتقالية ورفض رؤيته ونهجه العسكري على البلاد، والاستمرار بتعبئة الشعب لمواجهة أي لعبة للالتفاف على مطلب الشعب الأساسي: إقامة دولة ديمقراطية علمانية ومجتمع مدني ديمقراطي حديث، وأن دور العسكر يتلخص في حماية البلاد من أي تدخل عسكري خارجي أو محاولات انقلابية ضد إرادة الشعب ومصالحه وحقوقه، وليس العمل السياسي وحكم البلاد. لقد كان الانتهازيون ومازالوا وكل الصائدين في الماء العكر ينتظرون اتساع شقة الاختلاف بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير لينفذوا من خلالها للقفز، من خلال دعم قوى معينة في المجلس العسكر الانتقالي، على السلطة السياسية وتشديد حكم العسكر من جديد، وهو الخطر الذي يحيق بثورة السودان. ويبدو لي إن هناك قوى في المجلس العسكري الانتقالي قد ساندت الانقلاب على البشير لتنقذ النظام العسكري والإسلامي السياسي المتخلف والمستبد من انتفاضة الشعب المقدامة، وهي لا تزال فاعلة ومؤثرة ومستفيدة من المواقع التي يحتلها قادة وكوادر حزب المؤتمر الوطني الإسلامي السياسي، الذي حكم البلاد طوال 30 عاماً بالحديد والنار، في سلطات الدولة الثلاث وأجهزتها الواسعة، وبها تحاول المراوغة وكسب الوقت لتحقيق ما تشاء. وقد بدا هذا واضحاً في تصريحات واحداً من أبرز الشخصيات التي ساندت حكم البشير وكانت أداته العسكرية الطيعة في ضرب حركة بنات وأبناء دارفور وقتل عشرات الآلاف منهم دون أن يرمش له جفن، إنه قائد الدعم السريع الذي يحتل موقع نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، إنه الفريق محمد حمدان دقلو الملقب بـ "حميدتي"، وتاجر الأبل المعروف في الخرطوم، حيث يشير إلى الحركة الشعبية بالفوضى أو الدعوة لفتح الطرق في محاولة غير موفقة حتى الآن لتأمين فض الحراك الشعبي الهائل. وهذه القوى المناهضة للانتفاضة الشعبية تجد التأييد والدعم من ثلاث دول عربية هي السعودية والإمارات العربية ومصر، إضافة إلى تركيا وسلطانها الدكتاتور الجديد.
إن الشعب السوداني، كما يبدو حتى الآن، يواجه الآن خيارين وهما: 1) الإصرار على الأهداف التي أعلنها تحالف الحرية والتغيير وعدم التراجع أمام إرادة ورغبات المجلس العسكري الانتقالي، وفرض إرادته بالطرق السلمية، التي هي العامل المميز لهذه الانتفاضة، وفرض تراجع المجلس العسكري عن إصراره بكسب الوقت لنشر الخلافات في صفوف المعارضة وفي صفوف قوى الحرية والتغيير بشكل خاص، و2) إعلان العصيان المدني السلمي لفرض إرادة الشعب على من لا يريد الإصغاء والالتزام بما يريده الشعب، أي قيام دولة ديمقراطية دستورية علمانية، وحكم ديمقراطي ومجتمع مدني ديمقراطي.
يتمنى أصدقاء الشعب السوداني في أن يحتكم المجلس العسكري الانتقالي إلى العقل ويتخذ موقفاً عقلانياً بالموافقة على ما طرحه تحالف "الحرية والتغيير" وتسليم الحكم لسلطة ديمقراطية مدنية لفترة انتقالية قوامها أربع سنوات لتأمين أوضاع البلاد واتخاذ كل ما هو ضروري لانتقال سلمي وآمن إلى حكم مدني ديمقراطي دستوري حديث بعد حكم دام أكثر من ثلاثين عاماً تحت هيمنة مجموعة من العسكر بقيادة الدكتاتور المشير عمر حسن البشير الذي أذل الشعب بخسة ودناءة وقتل وسجن الكثير والكثير جداً من أبنائه وبناته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات إيران الرئاسية: خامنئي يحث الناخبين على التصويت في


.. الحكومة الجديدة في مصر تؤدي اليمين الدستورية • فرانس 24




.. الانتخابات النيابية الفرنسية: نتائج الجولة الأولى في ميزان ا


.. مقتل قيادي بارز في حزب الله بغارة إسرائيلية استهدفت سيارته ب




.. #مصر.. إغلاق مبكر للمحال التجارية عند العاشرة مساء #سوشال_سك