الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفرنسية دعامة الاستعمار الناعم

هشام شنتوفي

2019 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


عندماصرح الوزير الايطالي, لويجي دي مايو، أن فرنسا تتحمل كامل المسؤولية عن "إفقار إفريقيا" ،محملا إياها ما تعانيه دول اوروبا من الهجرة الغير الشرعية التي تعزى الى السطو على مقدرات العديد من الدول الافريقية ودفع عدد كبير من أبناء القارة الى الهجرة للخروج من الاوضاع الاقتصادية المزرية؛ فهو لم يخترع البارود . و إنما ذكرها بما قاله زعماءها في مراحل مختلفة من تاريخها الاستعماري الذي لازال ضاربا بأطنابه الى يومنا هذا. فالرئيس ميتران صرح سنة 1957 بأنه من دون إفريقيا لن يكون لفرنسا أي تاريخ في القرن 21. نفس الكلام سيتكرر بعد مرور سنوات على نهاية الحقبة الاستعمارية الشبه فعلية وآستمرار الاستعمار الناعم ، وانتخاب جاك شيراك الذي يصفه البعض بصديق العرب.فهذا الصديق بدوره كرر نفس الكلام مع تحوير بسيط لا يخفي الحقيقة .في سنة 2008 صرح شيراك بأن من دون إفريقيا ستنحدر فرنسا الى مستوى قوة من دول العالم الثالث .
أما الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند فقد آستعمل خطابا مغايرا فيه شئ من التعاطف المبطن عندما قال بان "فرنسا بمعية أوروبا تريد أن تكون عنصرا فاعلا في القدر الإفريقي"!
أما ماكرون أو" دمية الرأسمال القابلة للنفخ" على حد تعبير المفكر ميشال أونفري فقد كان تصريحه حول إفريقيا ينطبق عليه قول الشاعر العباسي عبد القدوس "يعطيك من طرف اللسان حلاوة ؛ويروغ منك مثلما يروغ الثعلب" . فهذا الثعلب الذي سقط بالمظلة على الإليزيه قال:"أنا أنتمي لجيل لا يمكنه أن يملي على الأفارقة ما يجب فعله"! نعم لا يمكن أن نملي على شعوب ما تفعله عندما تصبح لغة المستعمر متغلغلة بعروق أبنائها وتحولهم إلى هنود حمر ؛ فرنسيو اللسان ،زنجيو السحنة والهوية.
تصريح ماكرون يذكرنا بتصريح قديم للكاتب الامريكي مارك توين الذي كان لا يحمل ودا كبيرا آتجاه الشعوب المغايرة خاصة العربية منها. وتبيانا لما أعنيه أسوق كلام مارك توين كما ذكره المفكر الفلسطيني منير العكش في كتابه القيم "أمريكا والابادات الثقافية : لعنة كنعان الانجليزية"
يقول مارك توين :
"وقفت بجانب وزير الحرب و قلت له عليه أن يجمع كل الهنود في مكان مناسب و يذبحهم مرة و إلى الأبد. و قلت له : إذا لم توافق على هذه الخطة فإن البديل الناجع هو الصابون و التعليم .الصابون و التعليم أنجح من المذبحة المباشرة، و أدوم و أعظم فتكًا. إن الهنود قد يتعافون بعد مجزرة أو شبه مجزرة، لكنك حين تعلم الهندي و تغسله فإنك ستقضي عليه حتمًا، عاجلًا أم آجلًا. التعليم و الصابون سينسفان كيانه و يدمران قواعد وجوده. و قلت له: سيدي اقصف كل هندي من هنود السهول بالصابون و التعليم، و دعه يموت."
يكفي أن نستبدل كلمة "هنود" بكلمة "أفارقة" ليتضج جليا أن ما فعله الاباء الاولون في الهنود الحمر بأمريكا لازالت فرنسا تكرس له كل طاقتها إلى يومنا هذا، سواء عن طريق بعثات التعليم أو مؤسسات مهمتها إعادة ما يصطلح عليه "بالاشعاع الفرنسي" كما تكرر أكثر من أربعون مرة في تقرير التعليم الفرنسي بالخارج الذي أعدته سمانثا كازبون وقدمته لوزيرا التعليم والخارجية الفرنسيين. فهذا التقرير الذي يدخل في إطار مشروع فرنسي متوسط المدى حدده ماكرون في أفق 2030 والذي يهدف إلى مضاعفة عدد الاطفال المتمدرسين في شبكة المدارس الفرنسية بالخارج حافل بالمعطيات والحقائق التي تثبت أن فرنسا عازمة على آستعادة "مجد" آستعماري مفقود وبريق لغتها الذي بدأ يخبو يوما على صدر يوم.حسبنا في هذا المقام أن نذكر أن فرنسا تدير 495 مؤسسة تعليمية بالخارج حيث اللغة الفرنسية هي لغة التدريس الأساسية لأزيد من 320.000 تلميذ جلهم من إفريقيا ودول المغرب.

نسوق هذه المعطيات من باب التذكير فقط لعل الذكرى تنفع خريجي المدارس الفرنسية ومن سار على دربهم من الفرونكوفونيين الذي لا يألون جهدا لتمكين فرنسا ولغتها وثقافتها ضدا على مصالح شعوبهم واوطانهم سواء كانوا مدركين لذلك ام لا. هم في الغالب غير مدركين لذلك لأن من يتربى في مدارس تشكل ذهنيته ونظرته للعالم و تعرضه للتعرية الثقافية والحضارية منذ الصغر فإنه سينشأ كارها لقومه ،محتقرا لتاريخ وثقافة وشعب بلده الاصلي. في المقابل يكون له آحترام غير مشروط لرموز وقيم وثقافة الغازي الذي آستبد به وبوجدانه وحوله إلى أدات تخدم أجندات آستعمارية بعيدة المدى وإن لبست لبوس الثقافة ،والحضارة ،وقيم التعايش والسلام.يكفي أن نطلع على كتابات وخرجات بعض أبناء الفرنكوفونية بالتبني مثل كمال داوود،والصيفاوي،وليلى سليماني وطاهر بنجلون ،والطايع لكي نفهم أننا إزاء هنود حمر وإن آختلفت السياقات التاريخية.
بالرغم من تجذر اللغة والثقافة الفرنسية في الكثير من الدول الإفريقية والمغاربية فإننا نلاحظ تنامي الفكر المقاوم لهذا الاستعمار الغير المباشر بالعديد من الدول مثل الجزائر ،والمغرب،والسينغال. الكثير من شباب الجزائر الذي خرج في مظاهرات تطالب برحيل بوتفليقة لم ينس أن يذكر بوجوب رحيل فرنسا ولو بشكل رمزي.أما في السينغال فان آستقالة وزير الطاقة السابق ، تيرنو ألاسان صال، من منصبه تأتي على خلفية رفضه توقيع وثيقة تحابي الشركة الفرنسية طوطال ووضعها في المرتبة الأولى وليست الخامسة كما ذكرت عدت وكالات أنباء إفريقية.
أما قضية اللغة الفرنسية بالمغرب فيمتزج فيها أبعادا تاريخية، وسياسية،وثقافية وإيديولوجية،لكن فكرة مقاومة الهيمنة الفرنسية تتجلى في المعارضة المتنامية لتمرير قانون تدريس العلوم بالثانوية العامة بالفرنسية بدل اللغة العربية.
في الختام نذكر أن مسألة اللغة ،خاصة عندما يتعلق الامر بالفرنسية، فإنه يتعدى الارتباط الثقافي والوجداني وتشكيل رؤية الفرد لذاته ولغيره ،لأن الهدف الأسمى هو تسهيل وتدعيم الارتباط الاقتصادي وهذا هو بيت القصيد من حكاية الفرنكوفونية. فحسب عالم المستقبليات المهدي المجرة فان فرنسا تبذل الاموال الطائلة لتدعيم الفرنكوفونية وضمان آستمرارها لأن كل فرنك تخسره فرنسا من أجل الفرنكوفونية تتلقى مقابله عشرات الفرنكات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا