الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاسن التقوى،الورع والزكاة..وفوائد الصوم في شهر العبادات:رمضان العظيم

محمد المحسن
كاتب

2019 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


-لا يكون الرجل تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه-

الإهداء:إلى الحاج خليفة بنصر رجل الأعمال والإبن البار لجهة تطاوين بالجنوب الشرقي التونسي الذي ألهمني المعنى الحقيقي للتقوى في تجلياتها الخلاقة

الحمد لله الذي خصنا بشهر الطاعات، وأجزل لنا فيه المثوبة ورفع الدرجات، وَعَدَ من صامه إيمانا واحتسابا بتكفير الذنوب والسيئات، وشرّف أوقاته على سائر الأوقات، والصلاة والسلام على نبينا محمد خير البريات، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والمكرمات، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المعاد،
من آثار الصيام ونتائجه وأجل معانيه وأنفعها وأعظمها تحقيق التقوى، كما بين سبحانه وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، هذا تعليل لكتابة الصيام ببيان فائدته الكبرى وحكمته العليا، وهو أنه يعد نفس الصائم لتقوى الله تعالى بترك شهواته الطبيعية المباحة الميسورة امتثالا لأمره واحتسابا للأجر عنده، فتتربى بذلك إرادته على ملكة ترك الشهوات المحرمة والصبر عنها فيكون اجتنابها أيسر عليه، وتقوى على النهوض بالطاعات والمصالح والاصطبار عليها فيكون الثبات عليها أهون عليه.[1] لتكون التقوى لكم صفة راسخة فتكونوا ممن جعلت الكتاب هدى لهم.[2]
قال عمر بن عبد العزيز: لَيْسَ تَقْوَى اللَّهِ بِصِيَامِ النِّهَارِ وَلا بِقَيَامِ اللَّيْلِ، وَالتَّخْلِيطِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ تَقْوَى اللَّهِ تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَأَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ، فَمَنْ رُزِقَ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ إِلَى خَيْرٍ [3]. فمن دفعه الصيام إلى العمل بطاعة الله، وأداء ما افترض وترك ما حرم، فقد حقق الثمرة المرجوة من الصيام. قال ميمون بن مهران: لا يكون الرجل تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، وحتى يعلم من أين ملبسه ومطعمه ومشربه [4]. قِيلَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَأَلَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنِ التَّقْوَى، فَقَالَ لَهُ: أَمَا سَلَكْتَ طَرِيقًا ذَا شَوْكٍ؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: شَمَّرْتُ وَاجْتَهَدْتُ، قَالَ: فَذَلِكَ التَّقْوَى[5]. وَقَدْ أَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ الْمُعْتَزِّ فَقَالَ: خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا *** وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ *** أَرْضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً *** إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى التقوى أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية وحاجزا وحجابا، يمنعك من الوقوع في الخطايا والمحرمات، وينجيك من النار.
"شهر رمضان هو منحة ربانية للأمة الإسلامية، ومحطة من محطات مراجعة النفس والخلوة مع كتاب الله عز وجل، وحسن الالتجاء لله سبحانه وصدق التضرع، فشتان بين من يصوم عن الطعام والشراب فحسب، ومن يحقق تقوى الله ويبذل وسعه وجهده ويستغل وقته ويجتهد في طاعة الله
بعيدا عن الملهيات ومضيعة الأوقات، فلا تجعل من رمضان شهر نوم وكسل وخمول. لو اجتهد المسلم لتحصيل فائدة واحدة هي تحقيق التقوى، في شهر رمضان وبذل جهدا كبيرا لذلك لكفته فضلا وشرفا وثمرة! لأنه من لم يتق الله في رمضان ويتعاهد قلبه ويوطن نفسه، فمتى يفعل؟!!" 6
وعن فوائد الصيام يقول الشيخ منصور الرفاعي عبيد -وكيل وزارة الأوقاف سابقاً-: الصيام رياضة روحية نفسية صحية بدنية تهذب الروح والنفس، لأن المسلم- وهو صائم- يتشبه بالملائكة الكرام الذين لا يأكلون ولا يشربون، فهو يستقبل شهر رمضان دائماً وقد استعدَّ له بالتوبة الصادقة واخلاص النية لله رب العالمين، فالصوم يمد الانسان بالعزيمة المتجردة والارادة الحرة، لانه قربة الى الله تعالى·
ويضيف: الصيام ينمي في الانسان دوافع الخير، لهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: الصيام جُنة ، لانه تربية للنفس وتهذيب للوجدان وترقيق للمشاعر، وينمي في الانسان عاطفة الرحمة والاخوة، ويجعل الغني رحيماً بالفقراء، فيسعى لتدعيم صلة الحب بالآخرين والمساهمة في القضاء على غائلة الفقر والجوع والمرض، فتقوى الروابط الاجتماعية، ويتعاون الكل في إنهاض وتقوية المجتمع فيتحقق التكافل الاجتماعي·
ويقول الدكتور احمد شوقي إبراهيم -رئيس المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة-: الصوم فريضة قديمة على المؤمنين بالله في كل دين، والغاية الاولى منه إعداد قلوبهم للتقوى والشفافية والحساسية والخشية من الله·
فمن ترك الطعام الحلال لله في نهار رمضان، ‏تعلَّم التقوى، فلم يأكل أموال الناس بالباطل بالرشوة عطاءً أو أخذًا، ‏فهذا رمضان شهر معالجة أدواء النفوس، وجمع القلوب، ووحدة الصفِّ وهجران ‏المعاصي ولزوم الطاعات، فليتق الله دعاة الباطل والشرِّ، ولتنظر نفس ما قدمت لغد‏‏، فالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول حاكيًا عن جبريل قوله: ((بَعُد من أدرك‏ رمضان ولم يُغفر له))؛ ذلك لواسع فضل الله - سبحانه - وعظيم عطائه ومغفرته في هذا ‏الشهر الكريم.
فاللهم نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب ‏إليها من قول وعمل.
والله من وراء القصد.‏
على سبيل الخاتمة:
إن حكمة الله عزوجل اقتضت أن يجعل هذه الدنيا مزرعة الآخرة وميدانا للتنافس وكان من فضله جلا وعلا علي عباده وكرمه ان يجزي علي القليل كثيرا ويضاعف الحسنات ويجعل لعباده مواسم تعظم فيها هذه المضاعفة
فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات قال الحسن رحمة الله في قوله عز وجل(وهوالذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا)
من عجز بالليل كان له أول النهار مستعتب ومن عجز بالنهار كان له من الليل مستعتب ومن أعظم هذه المواسم المباركة وأجلها شهر رمضان ألذي أنزل فيه القران المجيد ولذا كان حريا بالمؤمن ان يحسن الاستعداد لهذا القادم الكريم ويتفقه في شروط ومستحبات وآداب العبادات المرتبطة بهذا الموسم الحافل لئلا يفوته الخير العظيم حيث إن الصائم يكتسب من صيامه فوائد كثيرة وحكم عظيمة منها تطهير النفس وتهذبيها وتزكيتها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة كالأشر والبطر والبجل وتعويدها علي الأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه.
وأشار الله سبحانه وتعالي إلي هذا التغيير في سلوك وأخلاق المرء حال صيامه في قوله:( ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
ختاما في هذا الشهر العظيم (رمضان) نجد شتي ألوان العبادات الروحية أو المدنية فيه فالعبادات الروحية كقيام الليل وصيام النهار والصلوات الخمس والذكر وقراءة القرآن أما العبادات المدنية مثل الجهاد في سبيل الله والعمل وإدخال السرور علي الناس وقضاء حوائجهم وإطعام الطعام فالعباد يتسابقون في هذه الأيام ويطبقون قوله تعالي فاستبقوا الخيرات وبذلك يكون شهر رمضان هو شهر العبادة بشقيها الروحي والمدني
ورمضان هو شهر التقوي لأن معني التقوي هي الإحسان وهو أن تعبد الله كانك تراه فإن لن تكن تراه فهو يراك وهذا مايعرف عند علماء التربية بالمراقبة وهي الثمرة الرجوة من الصيام فالصبام يولد المراقبة والمراقبة تثمر الإحسان والإحسان يثمر التقوي ولذلك وضع النبي صلي الله عليه وسلم هذا الشرط فقال إذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسب فإن سابه أحد فليقل إني صائم.

الهوامش

1-تفسير المنار
2-تفسير البقاعي
3-تاريخ دمشق
4-سير أعلام النبلاء
5-تفسير إبن كثير
6-أيمن الشعبان-المصدر :فريق عمل طريق الإسلام









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م