الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهل الخارج

خالد صبيح

2019 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


ا
غضب وسخط واشمئزاز كان رد الفعل العام على توصيف النائبة الشيوعية هيفاء الامين لجنوب العراق بالمتخلف. لن اتوقف عند الاستثمار السياسي لحزب الفضيلة وتجييشه لاتباعه للاعتداء على الحزب الشيوعي وتهديداته للنائبة، ولن اناقش ما اذا كان التوصيف صحيحا ام خاطئا، وما اذا كان يستوجب ردة الفعل هذه ام لا، لكني ساتوقف عند سبب محدد، ارى انه الاكثر من بين الاسباب التي استدعت ردة الفعل التهويلية تلك، واظنه يرتبط بمسالة اوسع واعمق من الواقعة وتبعاتها.

يهيأ لي ان العلة في ردة الفعل وحدتها تكمن في مايمكن ان اسميه بعقدة نشأت وأخذت تنمو في المجتمع اسمها: اهل الخارج. وفي هذا تكمن علة هذا الهجوم الحاد والمنفعل على تصريح السيدة الامين وليس لانها امراة وشيوعية كما فسر بعض من ناقش ردة الفعل على تصريحها. ان كونها امراة وشيوعية اضافا لمقدار السخط وحجم الغضب واندمجا بالسبب الاساسي وكثفا خشونته لكنهما ليسا سببا تاما لردة الفعل تلك. بينما كان انتمائها لأهل الخارج، كما ارى، قد استفز كثيرين، فأهل الخارج اصبحوا مثار امتعاض وضيق وكراهية في بعض الاحيان. وأسباب ذلك عديدة، منها أن من حكموا العراق بعد 2003، بكل الفشل والخراب الذي حملوه للوطن، هم في اغلبهم من المنفيين ( اهل الخارج) ما أورث الناس شعورا بالامتعاض منهم امتد ليشمل، بلا تمييز، كل أهل الخارج.

لقد اعتبر عراقيو الداخل، بسبب الحروب والحصار والدكتاتورية، ولاحقا الارهاب والفساد، أن عراقيي الخارج (انانيون) سعوا بهروبهم خارج البلد ليخلصوا انفسهم من المكاره والمخاطر التي عاشوها هم في ظروف شاذة واستثنائية طوال عقدين ونصف، رغم أن أكثرية هؤلاء، إن لم يكن جميعهم، كانوا يرغبون، لو خيروا، في نفس الحل، إذ لا حل غيره.

وغالب الظن أن أهل الداخل قد أمِلوا في أن يحمل اليهم أهل الخارج، بعد تحطم الستار الحديدي الذي عزلتهم به دكتاتورية البعث عن العالم عند سقوط النظام في 2003، شكلا جديدا للحياة وخلاصا يحّول جحيمهم الذي عانوه بالحصار والدكتاتورية الى أمل في تحول نوعي في كل جوانب حياتهم. لكن ذلك الأمل تحول، ولعوامل مختلفة، الى خيبة وصدمة كبيرين في سلوك ونوعية الذين اتوا ( بالاحرى اتى بهم الاحتلال) ممثلين لأهل الخارج وحكموهم.

كم مغيضة وثقيلة على أسماع العراقيين مفردة (اوكي) ولهجة (صفية السهيل) غير العراقية.

لم يكن اتهام اهل الخارج بالانانية (وهو توصيف متأخر بالمناسبة) والنظر اليهم بتلك النظرة الملتبسة يخلوان من بعض (الحسد)، فقد كان أهل الخارج يحيون، بغض النظر عن المبالغات والتشويهات التي رافقت هذا التصور، في ظروف مادية مريحة؛ أمان واستقرار، وبعضها سعيد وبرفاهية محسوسة؛ حفلات وسفر وغنى وغيره.( من امثلته ان ينشر أحدهم صورته وبحضنه كلب، وآخر بجانب سيارته الفاخرة، وثالث يتناول هو او أطفاله فطورهم في السرير ) وغيرها من الحالات. وهذه المظاهر تعكس تفاوتا في نمط العيش وأشكال ومستويات الرفاه. والتفاوت يخلق عادة شعورا نفسيا عميقا بالغبن، يتحول بسهولة الى غضب من الاخر وكراهية له. وسيكلوجيا، يشعر المحرومون في المجتمع المتفاوت بكراهية عامة للمجتمع وخاصة لمن يتفوقون عليهم (ماديا ومعنويا). ولهذا نجد أن أحزاب الاشتراكية الديمقراطية واليسار في اوربا تحذر من التفاوتات المجتمعية وتكافح لخلق مجتمع معافى خال من الضغائن والكراهية وبالتالي الجريمة والصراعات العنيفة.

وما يعزز هذا الشعور بالغبن الذي يتحول الى ضيق ونفور لدى عراقيي الداخل أن كثير من أهل الخارج يتشاوفون ويتعالون عليهم، ويشنّعون على مستوى وعيهم وظروفهم وسلوكهم ويفاخرونهم بما يحيون هم فيه من تقدم ورفاه وحضارة (وكأنهم هم من صنعه)، وهذا يستفز بطبيعة الحال أهل الداخل ويثير حساسيتهم، وهم محقون في ذلك، لانه ينتقص من قيمهم ومفاهيمهم وفي حالات متطرفة حتى من انسانيتهم.

وموضوع انقسام العراقيين الى أهل خارج وداخل واسع ويتطلب معالجة مستقلة، أعمق وأشمل، لكن تجدر الاشارة الى انه انقسام شامل تغلغل في كل تفاصيل وثنايا الحياة العراقية (من أمثلته الحية أن الشيوعيين منقسمون بذات الكيفية) وهو قديم ومتعدد الاشكال. دائما كان هناك انقسام في العراق، والانقسام امر طبيعي وظاهرة صحية لكنه يبلغ أحيانا، لاسيما حين يوظف لأغراض سلطوية او مصلحية، حدا مؤذيا وهذا ما هو عليه الحال الان. وماجعل هذا الانقسام مؤذيا الان، أو قل سهّل احتدامه، هو طول المدة الزمنية (عدة عقود) التي عاشها من سميوا باهل الخارج في المنفى، وهذا ترك اثرا واضحا في شخصياتهم وعقلياتهم هم وأسرهم وأبنائهم ماجعلهم يبدون بالنسبة لبيئتهم الاولى وكأنهم اجانب وليسوا عراقيين.

فيما مضى كانت المنافي لا تأخذ وقتا طويلا في حياة المنفيين، بضع سنوات لايشكل فيها المنفى سمات جديدة لشخصية المنفي تجعله مختلفا عن اهل بلده، لكن الان الامر تغير وهذه هي ثماره. (عراقيون اجناب).

لكن قد يعترض من يقول أن بعض من ردود الفعل الغاضبة كانت قد جاءت من بعض أهل الخارج. وهذا يمكن ان نجد تفسيره في انه، عدا كونه رد فعل وجد في التصريح امتهانا له كجنوبي او كعراقي، في أن أهل الخارج، كما هم اهل الداخل، منقسمون ومتعددون هم أيضا، وينعكس هذا أو يتجسد بشكل تباغض واستنكاف ونفور فيما بينهم. فمعروف أن أهل الخارج هم أكثر من فئة وينقسمون حسب فترات نفيهم أو (هروبهم) وظروفه.

وهنا تصوري لمراحل وعناوين هذا الانقسام والتمايز:

مناضلون هربوا من بطش النظام( اواخر السبعينات)، هاربون من الحرب ومخاطرها ( الثمانينات) هاربون من الجوع والحصار،( بعد غزو الكويت)، هاربون من السفينة قبل الغرق (قبيل 2003)، وهذه التقسيمات حددت بصورة عريضة طبيعة وشرعية المنفي، وحددت بالتالي موقفه من الاخرين وموقف الاخرين منه. وقد وسمت هذه التباينات ردود الفعل، الناقدة والمؤيدة للتصريح، بين اهل الخارج، بالاضافة طبعا الى الاعتبارات الاخرى، الأيدلوجية والسياسية و... النفسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا