الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العري في فن العالم القديم

عضيد جواد الخميسي

2019 / 5 / 12
الادب والفن


الأجساد العارية ، هو موضوع ذو رؤية شاملة متجذرة في تاريخ الفن العالمي نشاهده في كل مكان تقريباً من الحضارات القديمة ، فقد وجد في الشرق الأدنى ، الشرق الأوسط ، وأوروبا ، وحتى الجانب الآخر من العالم.
افتتح متحف انتيكا موسيوم Antikenmuseum مؤخراً معرضاً جديداً ــ تحت عنوان " فن العري " ــ في مدينة بازل السويسرية ، والذي عرض بعناية فائقة جميع جوانب فن العري في العالم القديم ، وكان مغزى العرض ، هو استيعاب معنى التعرّي وتراثه في المفاهيم الغربية للجمال والأخلاق .
تحدث الدكتور" توماس لوخمان " ، مدير المعرض لمتحف أنتيكا موسيوم في مقابلة مع ممثل مؤسسة AHE للبحوث التاريخية المرتبطة بمنظمة اليونسكو العالمية ، زميلنا الباحث والمؤرخ " جيمس بليك وينر " ، عن كيفية رؤية العالم القديم في مناطق البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأدنى الى مسألة التعرّي .
وينر: النقاشات الجارية الآن حول المشاكل التي تعاني منها النساء في المجتمع الذي يهيمن عليه الرجال ، ودراسات مستفيضة حول النوعية الاجتماعية ، ومؤخرا " انا ايضا MeToo ". كثير من الناس يثيرون أسئلة حول التماثيل والمجسّمات والألواح الفنية للأجساد العارية في متاحفنا . هل كان معرضكم " فن العري " جاء كرّد فعل على مجمل الخلافات التي تحصل بين التيارات الاجتماعية والثقافية المتعددة ؟ إذا كان الأمر كذلك ، ما هي التساؤلات أو القضايا التي يحاول المعرض معالجتها ؟ ولماذا؟
لوخمان : في البداية ، خططنّا لهذا المعرض ، بهدف التركيز على ظاهرة مركزية في فن الثقافات القديمة ، إذ كان العري موجود في كل مكان ، وله دلالات وأهمية قصوى . منحنا هذا الموضوع الكبير فرصة لإعادة تنسيق وتجديد خططنا الدائمة بشكل يتلائم مع أهدافنا . إن اختيار أدوات المعرض الممكنة غير مقيّدة تقريباً ، ومن ثم فهو مناسب جداً لمعرض خاص دون مواجهة تكاليف باهظة والتي عادةً ما تحدث عندما نلجأ الى طلب قروض محددة من المتاحف الدولية .
إلى جانب هذه الزاوية الفنية ، هناك أيضاً فكرة متكاملة لعرض "العراة" ، وهذا هو الموضوع الرئيسي والمهم حول التحيز الجنسي في الفن ، الذي يمنح معرضنا لمسة من الإرتباط والأهمية . دفعتنا جملة من الأسباب في الابتعاد عن التعرّي الصريح في الفن المعاصر ، وهذا بدوره يقودنا إلى سؤال بسيط للغاية : " لماذا يوجد العديد من العراة في الفن القديم "؟
وينر: في الشرق ، من بلاد الرافدين وحتى بلاد النيل ، تم العثور على نماذج كثيرة من التماثيل الحجرية والألواح الطينية لنساء عاريات . هل يمكنك القول بأن هناك قاسم مشترك بين هذه التماثيل النسائية العارية ؟ .. دكتور لوخمان ؛ إذا كان الأمر كذلك ، فما هو الهدف في مسألة العري؟
لوخمان : من الواضح أن جميع هذه التماثيل ما قبل التاريخ في الشرق (وليس فقط من الشرق ، ولكن أيضا في أماكن أخرى) يظهر جسد المرأة ليس عارياً فقط ، بل بروز أنوثتها الجنسية ايضاً . من الواضح أن الثديين ، والحوض ، وكذلك الأعضاء التناسلية يتم التركيز عليهما ، في حين يتم اقتطاع الرأس والذراعين والقدمين من العمل الفني . القاسم المشترك في رأيي هو ، أن الهدف من ذلك هو التركيز على انوثة الجنس ، وما يعني ، هي الخصوبة بحد ذاتها .
وينر : أن المصريين القدماء كانوا يصوّرون الآلهة والأطفال عراة كما هو معروف . . بأية وسيلة جسّد المصريون القدماء التعرّي والإثارة الجنسية في الفن ؟ وما مدى تأثير ذلك على المجتمع ؟
لوخمان: في التقاليد المصرية القديمة ، يتم تحديد المستوى أو المرتبة الاجتماعية من خلال الملابس التي يرتديها الأفراد ؛ لذلك ، فإن العري يدلّ في المقام الأول على عدم وجود انتماء طبقي أو مركز اجتماعي للفرد .
نعم ؛ صحيح أن المصريين القدماء يصورون الأطفال عراة ، لأن ليس لديهم أي مركز اجتماعي بعد ، لذا فإن الأردية تتناقض مع الأهداف المقصودة في العري لدى الفن المصري القديم . وبطبيعة الحال ، لعب العري دورا هامّاً في الإثارة الجنسية ومقياس الجمال والجاذبية لدى النساء الشّابات ، وذلك عندما نجد منحوتات الفتيات العاريات على مقابض أدوات التجميل ، وكذلك سطوح صناديق الحليّ والمجوهرات ، كما عُثر على بعض التماثيل الحجرية لنساء عاريات والمتسميات (الخليلات السّريات) ، اللّائي دُفنَّ في قبور الرجال المتوفين ، لصحبتهم ومآنستهم !.
وينر: دكتور لوخمان .. أثناء تجوالي في المعرض ، كنت مبهوراً بالعمل التي تم فيه تمثيل العري بإطار الفن اليوناني القديم ، ولربما كان ذلك أكثر من أيّة حضارة أو ثقافة غربية أخرى ، فإننا عادة ما نقرن الإغريق القدماء بالجسد العاري . هل يمكنك أن تعلّق لي على هذا الأمر ؟
لوخمان: في الواقع.، إن العري هو الظاهرة الغالبة في الفن اليوناني القديم ، ووجودها أكبر من الثقافات الأخرى ، ولكن الأهم من العري ، في الحقيقة ، ان جسم الإنسان بشكل عام هو الموضوع الشبه حصري في الفنون اليونانية . ومع ذلك ، فمعظم الشخصيات البشرية في الفن اليوناني القديم لا تمثل البشر من الموتى فقط ، بل هي الآلهة وبعض المحاربين والرياضيين المتميزين . وهذا أمر استثنائي لموقع الإنسان اليوناني في المجتمع ، والذي يتمثل بشخصيات استعاريّة تجسّد الأماكن الطبوغرافية ، بالإضافة إلى أشياء وشروط مجرّدة .
لذلك ، فإن جسم الإنسان هو وسيلة هامة للقيم أو المعاني المختلفة والتي توفر تفسيراً كافيا للنماذج المنحوتة ، على أن تظهر بشكل أفضل من الطبيعي الى حد "الكمال". يمكن أيضاً للإنسان أن يقترب الى المستوى المقدّس للآلهة من خلال بعض الممارسات أو الألعاب الرياضية ، ويكون بذلك محارباً أو رياضياً مشهوراً على سبيل المثال (بالطبع ، كان عليه أيضاً أن يريّض عقله وروحه وليس بدنه فقط !) . إن مشاركة الرياضيين والمحاربين في المهرجانات الرياضية وهم عراة تماماً في الفن اليوناني ، جعل النموذج اليوناني القديم من الرجال الأبطال العراة " نمطاً " من أنماط الفن . هذا هو السبب في العري ، والذي هو شكل من أشكال التمثيل السائد داخل الفن اليوناني القديم.
وينر : د. لوخمان ، بدا أن الأتروريين ( وهم شعب حضارة قديمة تأسست قبل روما في إيطاليا ) يختلفون تماماً عن الرومان الذين كانوا حريصين على إمتلاك التماثيل العارية للمحاربين المتميزين والآلهة وحتى النقوش والمنحوتات المثيرة في منازلهم الخاصة رغم تحفظهم على التعرّي في الأماكن العامة . كيف نظر الأتروريون إلى العري والتعبير عنه في تقاليدهم الفنية ؟
لوخمان : إحدى الاختلافات المهمة بين الأتروسكان والإغريق والرومان ، هو حقيقة المرأة الأترورية التي كانت تتمتع بالحرية الزائدة في الحياة الاجتماعية أكثر من النساء اليونانيات والرومانيات ، في حين كانت الألعاب الإغريقية مخصصة للرجال فقط ، ولكن كان بمقدور الفتيات الأتروريات أن يمارسن الرياضة مع الأولاد وهنّ عاريات تماماً ! وبالتالي ، لم يكن العري الكامل في الهواء الطلق لكلا الجنسين شيئ غير عادي ، ولم يكن له أي احتمال للفضيحة أيضاً . هذا ما يفسر لماذا كان الأتروسكان أيضا لديهم تحفظ أقل ضد الأعمال المثيرة في الفنون المختلفة .
وينر: احتوى المعرض على مجسّمات صنعت في حضارات بلاد مابين النهرين وبلاد النيل، وحضارات اليونان والإتروسكان وروما . من تلك الأشياء المعروضة ، من منها برأيك التي خطفت "الأضواء " ؟ بالإضافة إلى ذلك ، هل لديك ما تفضله شخصياً من بين تلك المعروضات ؟
لوخمان : حتى لو سيطرت على المعرض الأعمال الفنية اليونانية ، رغماً من حقيقة أنني متخصص في اليونانية و النحت الروماني ، ولكن في تقديري هناك عملان فنيّان خطفا الأضواء والمفضَّلين عندي ، وهما ليسا من روما أو اليونان ، بل من سوريا ومصر . الأول هي معبودة سورية - أقدم قطعة في المعرض ، والتي تعود بتاريخها إلى حوالي 5000 سنة قبل الميلاد ، إذ تمثل الخصوبة بهيئة امرأة جميلة في وضع جنسي . والثاني هو تمثال مصري يعود لسيدة من البلاط الفرعوني حوالي عام 1300 قبل الميلاد خلال عصر الدولة الحديثة ( 1550 ق.م - 1077 ق. م). وهي ترتدي ملابسها ، لكنّ ملابسها أشبه بستارة خفيفة غير معتمة ، لتظهر تفاصيل جسدها كما لو كانت عارية .
لم يكن هذا النوع من التداخل بين المكشوف والمخفي تخصصاً يونانياً صرفاً في نهاية القرن الخامس قبل الميلاد ، لكنه كان قد أُتقن من قبل فنانين مصريين قبل تسعة قرون! ، وهذا ما يجعل الإغريق في ذيل القائمة !.
عمل فني روماني آخر أثار اهتمامي ، لابد من الإشارة إليه ، وهو جذع رخامي من عمل النحات اليوناني بوليكليتوس ، وأطلق على تلك التحفة (Polykleitian Diadumenos ) . حتى لو كانت هذه النسخة رومانية من الفترة المتأخرة ، فإنها عمل دقيق للغاية ، لدرجة يمكن اعتبارها الأفضل من بين جميع النسخ الرومانية المتشابهة بعد العمل الفني المفقود لبوليكليتوس والذي أنجزه خلال القرن الخامس قبل الميلاد .
وينر: بالنسبة إلى الفنانين في العصور القديمة ، كان تجسيد العري يتعلق بمفاهيم مختلفة عبر المكان والزمان ؛ على سبيل المثال ، الخلود، والقداسة، وظواهر الطبيعة الأولى ، بالإضافة إلى مفاهيم الحضارة . دكتور لوخمان ،هل يمكننا القول ، أننا قد انحرفنا كثيراً عن أسلافنا القدماء عندما يتعلق الأمر بالعري في موضوع التعرّي في الفن؟
لوخمان : العري موجود في كل مكان ليس فقط في الفنون القديمة ، ولكن أيضاً في الفن الحديث حيث تمّ قبوله الى حد ما . المشكلة الوحيدة التي قد نواجهها مع العري في الفن ، تحدث عندما لا يُفهم العري أو لربما يُعتبر غير مبرّر.
في العصور القديمة ، كان العري موجود لأسباب شتى . يمكننا التمييز بين العري الطقوسي ، والعري الرمزّي ، والعري المتحضّر ، والعري غير المتحضّر ، والعري المُشرَّع ،والعريّ المثير.
من الغريب أن نشاهد الأعمال الفنية القديمة الفاضحة ، مثل تلك التي تظهر على المزهريات كجزء من الديكور في مكان ما لمحاضرة أو ندوة ، وحتى لإجتماع جماهيري ، هي بالنسبة للعديد من المشاهدين أقل استفزازاً ، ولكن هيئة امرأة عارية في العمل الفنّي الحديث هو استفزاز مرفوض وغير مقبول عند الكثير من المشاهدين ، لأن أسباب التعرّي غير معروفة بشكل واضح (أو لم تعد تُفهم بعد) . هذا هو رأيي .
وينر : الدكتور لوخمان ، بالنيابة عن مؤسسة AHE ، أشكركم جزيل الشكر على مشاركة معلوماتكم القيّمة معنا لتقديمها الى قرّائنا عن هذا المعرض المتخصص . أتمنى لك النجاح في نشاطات أخرى .

جيمس بليك وينر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في