الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية بين الخيال و الواقع

قصي حسن

2006 / 5 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


لقد وضع حمو رابي حسب المعطيات الأثرية و الوثائق التاريخية أول قانون مكتوب ينظم العلاقات بين البشر و لأن كانت هذه القوانين بدائية تعبر عن بداية تطلع البشرية للعيش المشترك و لفهم البشر لضرورة هذه القوانين فإن هذه القوانين كانت أول بادرة إنسانية (أول مسمار يدق في نعش الحرية الشخصية) ويقوض كل المبادرات الإنسانية اللاحقة في البحث عن الحرية و الديمقراطية (إذا ما فهمنا الديمقراطية كحرية مطلقة في التعبير و العمل و التصرفات الشخصية) حيث أن الإنسان لا يستطيع أن يكون حرا حرية مطلقة و هو يعيش ضمن الجماعة سواء أكانت مجموعة صغيرة أو حزب أو قبيلة أو دولة و بالتالي عليه الخضوع و كبت حريته و ديمقراطيته مقابل حرية و ديمقراطية الجماعة التي ينتمي إليها فكلنا قرأ أو سمع عن مثل السفينة المشهور و بالتالي فمن الواضح أن الإنسان ليس حرا على الإطلاق بل هو مقيد بعشرات القوانين و العادات و التقاليد و الأعراف التي إن تجاوزها غرقت السفينة أو غرق هو.
إذا لماذا كل هذه الأحاديث و المقالات و غيرها عن الديمقراطية و الحرية لطالما أنها لا يمكن أن تتحقق على المستوى الإنساني؟
إن كل كلام سياسي أو غير سياسي عن الديمقراطية أو غيرها إنما هو مرتبط بهذا الشكل أو ذاك بمصالح المتكلم الخاصة (و أؤكد على الخاصة)سواء كان هذا المتكلم يعبر عن نفسه أو عن قبيلته أو عن حزبه ...الخ فإذا ما قررنا أن نبحث عن خلفية القوانين الإنسانية الموضوعة من قبل الأفراد أو الجماعات فعلينا أن ندقق في سيرة هؤلاء الأفراد و الجماعات و نبحث عن حياتهم و تاريخهم و مصالحهم فعندما يقول الإقطاعي للمزارعين أنا ديمقراطي و يتعامل معهم على هذا الأساس فعلينا أن نبحث عن مصلحة هذا الإقطاعي في هذا التعامل و ليس عن المبادىء التي يحملها فالمباديء إنما هي كذبة تاريخية وضعتها أفراد وجماعات لكي تبرر نهجها في الحياة و لكي تبرر مصالحها أمام الآخرين فمثلا أين تكمن الديمقراطية الفرنسية في قانون منع الحجاب في المدارس؟ و أين تكمن الديمقراطية الأمريكية في الحرب التي شنها بوش على العراق و أين؟..وأين؟ ..
و ليس من قبيل الصدفة التاريخية أن توضع قوانين حمو رابي بل من قبيل الصدفة أن يكون حمو رابي هو من وضع هذه القوانين فالقوانين ليست مرتبطة بالأسماء بل بالمصلحة و بالتالي فالقوانين و تقييد الحريات هي القاعدة و الحرية و الديمقراطية هي استثناء و إلا لماذا يسنون القوانين لمنع التدخين في الأماكن العامة ؟ ولماذا قوانين السير؟ و لماذا قانون الانتخابات وغيرها من القوانين التي تحد من حرية الإنسان ؟ إذا ما الفرق بين هذه القوانين أو تلك ؟ طالما أنها كلها وضعت للحد من حرية الإنسان؟ مما لا شك فيه أن القوانين الموضوعة من قبل البشر إنما وضعت للحد من حرية الإنسان و انفلاته في كل شيء فالقانون متقدم على الحرية و ليس العكس و بالتالي القيد متقدم على الانفلات و الحرية أي أن القيود هي خطوة تقدمية من حيث المنظور التاريخي .و بالتالي فالصراع بين البشر لا يتم على الحرية و الديمقراطية بل يتم على نوعية القيود و القوانين التي تحد من حرية الناس بهذا الشكل أو ذاك و تكون الغلبة للأقوى على كل الصعد فعندما تدعي (الطبقة العاملة) أو ممثليها المفترضين أنها هي مع الحرية و الديمقراطية إنما بذلك تكون تسن قوانين تحد من حرية أصحاب المال و أيضا العكس هو صحيح فالبرجوازية بقوانينها إنما تحد من حرية و ديمقراطية الطبقات الأخرى و بالتالي لا يدور الصراع هنا على الحرية التي هي مفهوم نسبي بالمطلق بل على نوعية القيود التي تحقق مصلحة ما لهذه الطبقة أو تلك لهذه النخبة أو تلك و لأنه في الوطن العربي لم يتضح الفرز الطبقي كما حدث في أوربا فقد أخذت زمام الحكم فئات ونخب مختلفة من الشعب بدأ من الجيش و انتهاء بالقبيلة و العائلة و بالتالي فالقوانين الموضوعة كانت و ما تزال أكثر إجحافا من القوانين الموضوعة في أوربا التي بسبب التطور التكنولوجي أخذت تتلمس مدى أهمية أن تكونا قوانينها أكثر عدلا و أقل جورا و مع ذلك فالقوانين الأوربية ليست أكثر حرية بل العكس فان الحرية هي بالفعل في دول العالم الثالث وهذا ليس ميزة من وجهة نظر التاريخ بل هو تخلف لنأخذ قانون الصيد ففي الدول المتخلفة لا يوجد قانون يحد من عملية الصيد و إن وجد إنما هو وجود شكلي لا قيمة له لأن الإنسان في هذه الدول هو حر لدرجة عدم التزامه بالقوانين الموضوعة له...يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثف غاراته على مدينة رفح


.. مظاهرات في القدس وتل أبيب وحيفا عقب إعلان حركة حماس الموافقة




.. مراسل الجزيرة: شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على منازل لعدد


.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟




.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة