الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأهلية والإرادة في بناء الديمقراطية

ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)

2019 / 5 / 12
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


في جميع القوانين الوضعية أو الشرعية في العالم يُشترط في قبول أي رأي أو شهادة أن تصدر عن شخص مؤهل . وقد ترتب على ذلك أن يكون صاحب الأهلية قد بلغ سن الرشد شرعاً أو قانوناً . وقد ذهبت قوانين بعض الدول لتحديد سن معيّن لذلك ، وأغلبها تكون في حدود الثامنة عشرة من العمر وأكثر . وفي قضايا أي تعاقد ، إشترطت أيضاً جميع القوانين الوضعية والشرعية توفر الإرادة الحرة عند صاحب الأهلية ، وتوجه إرادته لإحداث الأثر القانوني للتعاقد .
كما في أي تعاقد ، فإن إشتراك أي فرد في الإنتخابات يعتبر إبراماً لعقد قانوني ، بإعتبار أن الناخب عندما يدلي بصوته لصالح أحد المرشحين ، فإنه يبرم عقداً مع المرشح يتوكل عنه في البت في القضايا العامة ، ومن هنا تأتي ضرورة توفّر شرطي الأهلية القانونية والإرادة الحرة في الشخص الذي يشترك في الإنتخابات ويُسمح له أن يُدلي بصوته .
نفهم من أعلاه أن أي شخص قاصر أو ناقص الأهلية وأي شخص تشوب إرادته أية شائبة لا يكون صالحاً للإشتراك في الإنتخابات ، وإلاّ تكون مساهمته باطلة قانوناً .
درجت جميع الدول لوضع الأسس القانونية للإعتراف بمواطنيها وسعة حقوقهم وأهليتهم للتمتع بكامل حقوق المواطنة ، أن تجري إحصاءات سكانية لتجمع المعطيات الواقعية عن السكان مما يساعد الحكومة على معرفة مدى إنطباق حالة كل فرد مع شروط تمتعه بحقوق المواطنة الكاملة ، حسب قوانينها الوضعية ، فمثلاً لا تمنح إجازة سوق المركبات إلى الشخص دون الثامنة عشرة من عمره . أو لا يُسمح للفرد أن يترشح لإنتخابات مجلس النواب ما لم يكن بعمر الخامسة والعشرين فما فوق .
في بلدنا: لم تُجرَ أية عملية إحصاء للسكان ولذلك يشترك في الإنتخابات كل مَن يحمل " البطاقة التموينية " التي تمنحها وزارة التجارة إلى العوائل ، يتحدد بموجبها عدد أفراد العائلة التي على ضوئها يتحدد حجم الحصة التموينية ( فمثلاً في رمضان تستحق العائلة المتكونة من أربعة أفراد كيلوغراماً واحداً من العدس : لكل فرد ربع كيلوغرام ) و لا تحدد البطاقة التموينية أعمار أفراد العائلة وأهليتهم للإشتراك في الإنتخابات من عدمه.
تختلف المقاييس في بلدان العالم جميعاً ، في مدى تمتع الفرد بالإرادة الحرة المجرّدة عن ضغوطات تؤثر فيه ، في إتخاذ قراره في إنتخاب مَن يشاء ، ففي البلدان الأكثر تحضّراً ، والتي تمت فيها ممارسة الإنتخابات لحقبات طويلة ، يكون الفرد قد كسب ضمانات عديدة تتمثل في إنتمائه إلى نقابات أو جمعيات تدافع عنه في حال تعرضه للضغوط ، وكذا وجود جمعيات مجتمع مدني تدافع عن حقوق الفرد ، ووجود قضاء وهيئات إدعاء عام تردع مَن يستخدم الضغوط على الفرد بصورة مفرطة . ولكن تبقى عملية الإنتخابات عملية صراع بين قوى متنافسة للفوز ، وتبقى الضغوط على الفرد لإستمالته لإنتخاب جهة دون أخرى ، وتلك الضغوط تظهر إعتيادياً في ممارسات الدعاية الإنتخابية التي تخرج ، أحياناً ، حتى في البلدان الأكثر تحضراً ، عن مجراها القانوني المقبول .
في بلدنا : لا توجد نقابات لها السطوة للحفاظ على حقوق العامل ، لا توجد جمعيات فلاحية تدافع عن الفلاح ، هناك ميليشيات مسلحة منفلتة خارج نطاق الحكومة تجوب الشوارع ، هناك هيئة الإدعاء العام وهيئة مسماة " النزاهة " لا تحركان ساكناً ، هناك نظام محاصصي يتم بموجبه تنسيب أعضاء الهيئة العليا للإنتخابات من قبل الكتل النيابية ، هناك مزايدات علنية لشراء وبيع المناصب ، هناك إتهامات متبادلة بين الكتل السياسية بخصوص التزوير الذي ينتاب كل مرة تجري فيها إنتخابات ، ففي هذه الظروف تأتي مشروعية الأسئلة :
1. هل يا تُرى يكون الشخص المتديّن حرّاً في إرادته عند إدلائه بصوته في الإنتخابات وقد سمع مرجعه الديني يوصيه بإنتخاب الجهة الفلانية ؟
2. هل يكون إبن العشيرة حرّاً في إرادته عند إدلائه بصوته في الإنتخابات وشيخ العشيرة أوصاه بإنتخاب جهة معيّنة ؟
3. هل يكون العضو في ميليشيا حراً في إنتخاب مَن يشاء ؟
4. هل يتراجع الفرد البسيط ، الذي إستلم بطانية أو صوبة علاءالدين أو قطعة أرض مقابل أن يصوت إلى فلان ، عن وعده وينتخب شخصاً غير الذي كوفئ من أجل إنتخابه ؟
5. هل تكون الآلاف المؤلفة من الفضائيين المدرجة أسماؤهم في قوائم الرواتب ، سواء في السلك المدني أو القوات المسلحة ، يقبضونها بدون أن يباشروا عملاً في دائرة رسمية ، بفضل مسؤول عيّنهم ، هم أحرار في إنتخاب شخص غير الذي يريده صاحب الفضل عليهم ؟
6. هل ترى يكون الأفراد المتورطون بقضايا تهريب النفط ، أو غسيل العملة من الصرافين ، أو تجارة وتصريف المخدرات ، لديهم الإرادة الحرة في إنتخاب مَن يشاؤون غير الذي يريده مسؤولهم المتستر على نشاطهم ؟
7. هل يكون آلاف العاطلين عن العمل وخريجو الجامعات الذين لم يتم تعيينهم ، لديهم الإرادة الحرة لإنتخاب غير الذي يوعدهم بالتعيين ؟
مسؤولونا يتفاخرون بالديمقراطية التي تحققت على أيديهم لأنهم " وفروا للشعب حرية الرأي " و " الإنتخابات الحرّة النزيهة " و " التبادل السلمي للسلطة " التي نرى فيها التطاحن في تشكيل الحكومة بعد الإنتخابات ، والتي لم تكتمل على الرغم من مرور عام كامل على إجراء الإنتخابات ! فأي ديمقراطية هذه التي جاءت عن طريق ناخبين مشكوك في أهليتهم القانونية ، وبطلان إرادتهم ؟

رحم الله شاعرنا العراقي الذي قال :

ملكٌ ودستورٌ ومجلسُ أمة كلٌّ عن المعنى الصحيح محرّفُ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين وصحفيين بمخيم داعم لغزة


.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة مشعان البراق في الحلقة النقاش


.. كلمة نائب رئيس جمعية المحامين عدنان أبل في الحلقة النقاشية -




.. كلمة عضو مشروع الشباب الإصلاحي فيصل البريدي في الحلقة النقاش