الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة الاحتجاجية (10)

رشيد برقان

2019 / 5 / 14
الادب والفن


بين الثقافة الاحتجاجية والتحسيس
تتقاطع الثقافة الاحتجاجية مع عدد من التعابير الثقافية تتماس معها، وهذا ما قد يتسبب في الخلط بينها وبين مجالات أخرى. لهذا نسعى فيما يأتي إلى الفصل بينها وبين القطاعات المتماسة معها وذلك عبر إبراز نقاط التلاقي وجوانب الانفصال.
ولعل أول ما يتقارب ويتماس مع الثقافة الاحتجاجية هو التحسيس، حيث تنخرط معه في مجموعة من العلاقات لعل أهمها هو القدرة التوجيهية لكل واحد منهما، فكما تسعى الحملات التحسيسية نحو توجيه المتلقي، والدفع به نحو تبني موقف محدد، تعمل الثقافة الاحتجاجية على جعل المتلقي يتبنى موقفا محددا ضد الثقافة السائدة. ويتميز خطابهما بتوجيه لا يقوم على الإكراه، ولكنه ينهض على قوة الحجة ووجاهتها؛ فالعمليات التحسيسية تهدف إلى لفت انتباه الناس إلى موضوع أو شيء معين واتخاذ موقف بإزائه. وهي غالبا ما تكون موضوعا أو فكرة جديدة يجب أن يعرفها الناس، وأن يتخذوا موقفا بإزائها ثانيا. وقد لا تكون الفكرة موضوع التحسيس جديدة، ولكنها قديمة طالها الإهمال أو لا يعيرها الناس القدر الذي تستحقه من قيمة. أما الثقافة الاحتجاجية فتتجه بالضرورة نحو التركيز على التحريض بغية دفع المتلقي لاتخاذ موقف سلبي من الثقافة السائدة، وتدفعه نحو إزالتها. فإذا كانت الحملات التحسيسية تبدو محايدة، وتستهدف متلق مطلق؛ أي أنها تتوجه لكل كائن عاقل متحضر، فإن الثقافة الاحتجاجية تسعى لانتزاع المتلقي من الثقافة السائدة، لأنها تعتبرها تعمل ضد مصلحة الانسان، وتكبح قواه التحررية، وتمنعه من الإدراك الصحيح لوضعه وتكبح فيه الحرية. وبذلك تهيئه للتفكير الصحيح في وضعه و التموقع حيث توجد مصلحته.
تسعى الثقافة سواء في شقها التحسيسي أو الاحتجاجي نحو خلق التصالح الضروري للإنسان مع وضعه وموقعه داخل المجتمع. فالتحسيس يدفع المتلقي نحو اتخاذ موقف يعتبر حياديا، أو يدخل ضمن المشترك العام الذي يجب أن يتواضع المجتمع على جعله مفيدا ونافعا للجميع. بينما تجعل الثقافة الاحتجاجية المتلقي يتبني موقفا مطابقا لموقعه الاجتماعي بوصفه إنسانا حرا ممتلكا لإرادة التطور والحداثة والانعتاق والتحرر. وهي لا تنظر إلى معضلة ما على أنها مشكلة عامة تحتاج إلى تكاثف الجهود من أجل الخروج منها، كما تفعل الحملات التحسيسية. ولكنها تنظر إلى المعضلات المعيقة لتطور المجتمع على أساس أنها معضلات ناتجة عن التطبيق الطبقي لسياسات عامة لم تراعى فيها مصالح الطبقات الصاعدة والمستغَلة.
فلطالما عملت الثقافة السائدة على وصم الثقافة بخاصياتها المحافظة بحيث تعطي لنفسها سمة الصدارة والأصالة، وتحيط نفسها بهالة مقدسة، وتسبغ على الثقافات الأخرى التي لم تنتجها مباشرة صبغة محافظة ومفارقة للواقع اليومي الحي. كما تضخم في بعض الخاصيات الثقافية لأنها ملائمة لها وتكرس وضعها. ومن هنا تصبح وظيفة الثقافة الاحتجاجية متجلية في نزوعها العام نحو السخرية، ووضع الثقافة السائدة في مأزق، بحيث تعمل على نزع القداسة عن هذه الثقافة، وتشتغل على نزع المسحة المحافظة او المتماهية مع النزوع المحافظ عن التعبيرات الثقافية غير المنتجة من طرف الطبقات السائدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة