الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشال الأزرق

فاطمة هادي الصگبان

2019 / 5 / 14
الادب والفن


الشال الأزرق
بعض من خيال والكثير من الواقع

قبل عقدين ونصف في مثل هذا اليوم عرفت الإبتسامة طريقها الى وجهه ..وغازلت روحه بشائر الربيع وأمنيات المطر ...
تنفس السيجارة بعمق... تذكر الجلسات والمسامرات حتى خيل له أن أجزاءه بقيت هناك بجوار مدفأة الغاز وجوع الروح يتلظى لقطع الكستناء التي تطمعها إياه إبتسامة ملاك خالية من أي رتوش ...
لإزالت أذنه تعيد مفردات عراكها الصبياني مع أسياخ كفتة اللحم المشوي التي تأبى المغادرة...لعناتها على قطرات الدهن التي عكرت جلبابها الوردي ...عفوية مفرداتها ...طموحاتها ....أمنياتها بالسفر وكسب المهارات... ولعها بالرسم ...اهتمامها بالتريكو ...عادت كفه ترتب الشال الأزرق الذي منحته إياه عند التحاقه في الخدمة الإلزامية....
كم من المرات أنقذه هذا الشال من هجمات الشمال القارصة ...لكن حادثة واحدة كادت تؤدي بحياته عندما نسيه في الثكنة التي استدل العدو عليها وكانت فرصة الإسترجاع كالعودة من الجحيم ...
لقاءها كان صعبا والإنتظار لإكمال دراستها أشد صعوبة... فرحة الأعياد رؤيتها تكبر أمامه وخوفه ان تحيط الأطماع بها ...كان يترقب عودتها كمراهق أحمق ...يلتقط حديثها ببراءة ...تحدثه عن تفاصيل يومها ومقالب زميلاتها الذي بات يعرفهن واحدة واحدة.....
ذوقها في الملابس واختيار الأشياء ...تفضيلها للدمى وأشرطة الكاسيت ...فرحتها في الحصول على الأقلام ذات الرؤوس الغريبة ...
غصت ضحكته في نظرات ضابط الجمارك عند اضطراره استخدام احد أقلامها الذي ينتهي برأس طائر المينا الكبير...
دفتر ملاحظاتها وطلباتها الغريبة بكتابة تفاصيل أيامه عند السفر...جمع العملات المعدنية... الاقتصار على ألوان محددة تتلائم مع الطالع....
رنة الهاتف المتفق عليها ...
تندر أصحابه في احدى رحلات العمل عندما احضر ساعة نسائية ودمية وكم من الوقت ظلت رزانته على حافة الفكاهة، السبب تلك الغاوية التي لايبوح بإسمها ....
تحجرت دمعته في اخرهدية رفضت قبولها بشدة ...ضحك حينها لسذاجة السبب وصية الجدة هدية العطر بين الغرباء تجلب الفراق ...تنشق بقوة ليطفئ عطرها الإشتياق ....
حتى جاء اليوم الذي انقلب الدائن مدينا ...وفار البركان ...حرق الزرع والحرث ...أقفلت الأبواب في وجهه ...انقلب الصديق عدوا ...كثر الحزن وشح الأخوان ...لم يبق سوى البجعة السوداء التي ألزمته بإقتران جحيمها ...
رضيت تؤام الروح بالصبر والإنتظار...لحين إنفراج الأزمة..
بعد بضعة أعوام كان له ماشاء استطاع ضمها الى حديقته السرية خفية عن أنظار العسس ...يستريح في عشها الأمن ....
لكن هناك امر ما ...شيئا فشيئا بدأ الخوف والذبول يلوحان ... تسللت الأوهام والظنون رغم محاولات السلام حتى جاء اليوم الذي وضع النهاية ...استيقظ على فاجعة الفراق التي قضت على حياته يقلب الريشة السوداء كي لاينسى ..
ذاك اليوم غادر السلام قلبه وحل القنوط الذي اجبره على إتقان فنون البجع ...
أمتلأ فمه بالضحكات الباهتة و تمكنت لامبالاته من إحراق سواد قلبها الذي استباح البراءة ... وحل الجفاف سويدائه الذي فضح كل أقنعة الزيف التي تتلون بها...كانت صباحاتها تتبختر بأجنحة العجب بين قريناتها حتى يجن الليل يذيقها مرارات الاشباع الناقص حتى تتمنى لو كانت للحظة تلك المعشوقة الغائبة الحاضرة ...
يتأمل مخالبها اليائسة في تشويه إيقونة خالدة ...نقشت في روحه همساتها ...هواجسها ... خوفها .. تفاصيلها ...رقتها ...
صار يعيش لكليهما معا...
ذات يوم تخلى الجلاد عن سياطه ..انفرط زرد السلاسل ...
لأول مرة يرى السجين تدرج السواد من الحقد والغيرة الى شدة الحزن في وجه السجان البلاستيكي الملون ...يعيد النظر في المحيا يأخذه العجب في ارتجافة الذعر بين القسمات ...تقطع الأنفاس ...الخنوع أمام القوة العظيمة المهلكة لكل فرعون وطاغية...التوسلات لإعادة الروح الى فلذة الأكباد ...
في لحظة واحدة انهار الجدار في قلبه ووصل اليه أنين أم ثكلت ولدها...
عاود النظر مجددا للجثة الشاحبة ...كم من المرات ارادت تلك الروح المسجاة احتضانه ...اللعب معه ..التراشق معه بمسدسات الماء ...كان يهمله عقابا ونكاية ...ينفر من شدة التشابه بها ...لم يأخذ من مظهره شيء ...أخذه شريط الذكريات أحيانا لضحكاته وعفويته التي كانت على وشك كسر الغشاء الصلب المحيط بإشلاء ذكرى ...
...جثا على ركبتيه ...أخذت سبابته تتحسس أبهام ولده تشبه أصابع أبيه الراحل ... الجبين المرتفع عندما يتغضن لحظة الغضب ...اذنه المستدقة من الأعلى ...نهاية الحاجب الأيسر خفيفة الشعر....الأنياب الطويلة نسبيا لباقي الأسنان ... بينما أصابعه الأربعة تتمرغ في الفم الذي كان عابثا خرج الزبد ...تسللت يده الى الشال الأزرق المحيط في رقبته مسح به آثار السائل ...وأخذ يعوض القبلات المفقودة ...
أحتضنا عمرهما ثم أجهشا بالبكاء....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتظروا لقاء مع أبطال مسلسل دواعي السفر وحوار مع الفنان محمد


.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال




.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت


.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص




.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..