الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
إلراسترو معلم سياحي وتجاري فى مدريد يعود إلى الحقبة الأندلسية
خالد سالم
أستاذ جامعي
(Khaled Salem)
2019 / 5 / 14
الصناعة والزراعة
" لكنها تدور..."
إلراسترو معلم سياحي وتجاري فى مدريد يعود إلى الحقبة الأندلسية
د.خالد سالم
لكل مدينة سوقها الأسبوعى، لكن قليلة هى تلك الأسواق التى يباع فيها كل شئ، كبير أو صغير، تافه أو ثمين، وهو مايحدث فى سوق الأحد ، إلراسترو، الذي يُعد أحد المعالم السياحية البارزة التى تميز العاصمة الإسبانية مدريد. يقصده السائح دائما، سواء كان إسبانيا أم أجنبيا.
يضاف إلى خاصيته وكونه السوق الذى يعرض كافة الحاجيات أنه يشكل نقطة تجمع ولقاء ومشوار للآلاف من أبناء المدينة، ففضول الجميع يحملهم على التوجه إلى وسط مدريد، العاصمة الأوروبية الوحيدة التي بناها العرب، حيث أحياؤها العتيقة ونواتها الأولى التى بناها العرب أيام حكمهم لديار الأندلس، ولم يتبق سوى القليل من تلك الآثار المغمورة.
فى هذه الأسواق العتيقة، يشبع الزائر رغبته الشرائية وحب الاستطلاع فى آن واحد، حيث يجد أحدث وأغلى البضائع إلى جانب أرخصها، فمن العلامات التجارية المحلية والعالمية يجد كل المعروف منها، وإن كان معظمها مصنوع فى قرى إسبانيا والبرتغال والمغرب،ويحمل بطاقة تصنيع مثل العلامات الأصلية، بعيدا عن أعين الرقابة الصارمة التي المحال التجارية.
الإنطباع الأول الذى يخرج به السائح الأجنبى أو من يجهل حقيقة هذا المعلم السياحى أنه سوق للمعروضات المستعملة والقديمة، فى حين أن العارفين بخفاياه وأسراره وتاريخه ينظرون إليه على أنه سوق تجارية مهمة ومكان للهو يعود إنشاؤه إلى بدايات القرن السابع عشر، بالإضافة إلى أنه معرض للمقتنيات النادرة والتحف الثمينة التى لا تجدها فى العديد من المحلات الراقية والمتخصصة فى مثل هذا النوع من البضائع.
أقيم "الراسترو" فى بدايته بالمنطقة التى كانت مقصورة على المذابح (المسالخ) بالمدينة، ثم أصبحت المنطقة مقصورة على الدباغين وصانعى الجلود، لذا لا يزال الشارع يحمل هذه التسمية. وترجع تسمية الراسترو إلى أثر الدم الذى كان يخلفه الأهالى وراءهم وهم يحملون الذبائح فى طريق العودة إلى البيت، وهذا ما تعنيه كلمة El Rastro بالإسبانية.
والزائر لهذه السوق الشعبية التى يقصدها الإسبان والأجانب يوم الأحد من كل أسبوع بالإضافة إلى أيام العطل والأعياد الوطنية، يقصدها دون أن يدرى مسبقا ماذا يريد،، سوى أنه يعرف سيمضى نهارا مرحا، يستمتع فيه بدفء الشمس فى الشتاء أو الإستظلال بالأشجار التى تنتشر وسط السوق وعلى جانبى الشارع الذى يسير فيه لتناول المشهيات قبل وجبة الغداء.
تبدأ المسيرة الإستطلاعية، وهذا المشوار، فى العاشرة صباحا وتمتد حتى الثالثة بعد الظهر. وخلال هذه الساعات يصعب على أصحاب الفضول وراغبى شراء المقتنيات النادرة التجوال بين محلاته التى تربو على ألفى موقع، تتوزع على السوق الرئيسة حيث تحتل شارعًا عريضًا وطويلاً يربط بين أربعة أحياء، ويسيطر على شرايين وسط المدينة، ويعطل المرور فى هذه المنطقة والشوارع المؤدية إليها يوم فتح السوق.غير أن معظم هذه المحلات لا يزيد عن صف من البسطات تنتشر بنظام بين شوارع السوق، وعندما تضيق المساحة يفترش الباعة الأرصفة.
تتولى بلدية مدريد الإشراف عليه وإصدار ترخيص البيع وتوزيع المواقع على البائعين حسب الأقدمية وأولوية الحجز، وتخصص ايجار المتر الواحد ليصل بما مئات اليوروهات سنويًا،وهو موضع شكوى البائعين، غير أنه ومنذ سنوات عدة لا يوجد متر خال فقائمة الانتظار طويلة،حيث أن طلبات الحصول على "محل" أو زاوية لعرض البضائع طويلة، فيما يتولى حوالي خمسين من أفراد الشرطة مهمة الإشراف على استتاب النظام فى الراسترو والحيلولة دون محاولة استيلاء بائع على مكان زميله أو إضافة مساحة زائدة إلى دكانه.
يحتوى الراسترو على كافة ما يعتقد الزائر والسائح أنه يريد من حاجيات وهدايا، فهناك الملابس المتنوعة، والمصنوعات الجلدية، والعاديات، والأحذية، والكتب، والأثاث العتيق، ولعب الأطفال، والأوانى الفخارية والمعدنية والمأكولات، ونباتات الزينة، تعرض كلها على طاولات،بسطات،إلى جانب وكالات السيارات وقطع الغيار المفتوحة طوال أيام الأسبوع، وهناك من يفترش الأرض لعرض مالديه حسب قيمة وحجم البضاعة التى يحملها، وجميعها موزعة على مناطق مخصصة، فمثلا عصافير الزينة والحيوانات الأليفة، كالقطط والكلاب والكنارى والسلاحف والحمام، تحتل شارعًا يحمل أسمها وهو أكثر المناطق ازدحامًا حيث يتردد عليه الصغار والكبار. وعندما لا يجد الكثيرون من سكان مدريد ما يفعلونه يوم الأحد فإنهم يتجولون في السوق حتى الغداء.
إلى جانب البسطات التى يضيق بها الشارع توجد المحلات التى تعمل طوال الأسبوع بالإضافة إلى يوم الأحد والأعياد التى يقام فيها والعالميين، وإلى جوارها محىت اقتناء وبيع المجوهرات المستعملة والمقلدة، بالأضافة إلى الاسطوانات، القديم منها والحديث.
شهد إلراسترو لحظات تاريخية ففى عهد الجمهورية الثانية الإسبانية، أى فى بداية الثلاثينات من هذا القرن نزح إليه الكثير من أصحاب محلات الأعمال الفنية والتحف النادرة بعد أن تركوا المنطقة التى كانت مخصصة لهم حول متحف إلبرادو الشهير..لذا تعد فترة الأربعينات، وفور انتهاء الحرب الأهلية الإسبانية (1936 – 1939 ) بمثابة الفترة الذهبية لحركة ازدهار التجارة فى منطقة البرادو.غير أن السنوات الأخيرة قد شهدت نزوحا مضادا لأصحاب المحلات الخاصة بالأعمال الفنية من لوحات ومنحوتات، حيث انتقلوا إلى حى سلمنقة الراقى الذى يقطنه أثرياء العاصمة.
يؤكد بعض المترددين على هذا المعلم السياحى والتجارى أن صفقات كبيرة ذات مبالغ طائلة قد تمت فى السنوات الأخيرة، إذ بيعت فيه قطع أثاث أثرية تعود إلى القرن السادس عشر وتحف فنية ومقتنيات نادرة، كانت فى أحد القصور الملكية.
وفى هذه السوق التاريخية يستطيع الهواة إشباع الكثير من رغباتهم من جمع طوابع البريد والعملات القديمة، حيث تتراوح قيمة الطابع الواحد بين ثلاثة سنيمات فقط لتصل إحداها إلى ستة ألاف يورو.
وتلقى هذه الهواية قبولاً كبيرًا فى جميع أرجاء إسبانيا، فهى تجارة رائجة تحرك أكثر من مليوني سنويًا، يتم معظمها فى بلاثا مايور، الساحة الكبرى، التى تقع فى مدخل هذا السوق، وهى معلم سياحى أخر من معالم مدريد التي تنضح بعبق التاريخ.
ولا تقتصر تجارة الأعمال الفنية على اللوحات القديمة والنادرة، بل تمتد لتشمل الفن الحى، إذ أن الساحة الكبرى يفترشها فنانون يقومون بإعداد بورتريه للزبائن فى أقل من نصف ساعة. وما يلفت نظر الزائر أن بعض هؤلاء الفنانين من جنسيات عربية، من المغرب والجزائر والعراق، ومن بين هؤلاء من يكسب قوت يومه من هذا العمل الموسمى.
هذا بالإضافة إلى المصنوعات الجلدية التى جلبت من المغرب والمصنوعات الفضية المصرية ورقائق البردى المصرى التى تحمل توقيع كبار الفنانين المصريين العاملين فى هذا المجال. هذا بالإضافة إلى أنه يمثل سبيل الدخل الوحيد لكثير من المهاجرين العرب القادمين من المغرب العربى، ولبعض طلبة الدراسات العليا الذين جاؤا من مصر لاستكمال دراستهم على نفقتهم الخاصة. فالمصرى يحضر معه أوراق البردى ومصنوعات خان الخليلى، التى كانت مربحة في نهاية القرن الماضي، أما الآن فقد تدهور سعر رقيقة البردى، فى الوقت الذى ارتفع به إيجار المتر المربع الواحد من البلدية.
وعلى هامش العمل التجارى المشروع توجد تجارة سرية، وهى تجارة المسروقات، فهناك بعض الشائعات تفيد على وجود خبراء فى التحف والأشياء الثمينة المسروقة يعملون فى تقييمها على ضوء الوضع غير القانونى للبضاعة. لهذا فكثيرا ما يعترض الزائر، وبشكل خاص الأجنبى ، غلام يعرض عليه ساعة أو راديو سيارة أو قلما يظن السائح أنه ثمين، إلا أنه فى واقع الأمر غير ذلك، فالراديو مسروق والساعة لا تعمل والقلم مطلى بمادة لا صلة لها بالذهب. وهذه أحدى مهام أفراد الشرطة بالمتابعة والملاحقة للحيلولة دون وقوعه، وخاصة تجارة أجهزة راديو السيارات.. مثل ذلك لا يؤثر من شأن وقيمة إلراسترو كسوق تجارية تحرك بضائع قيمتها بالملايين، بالاضافة إلى أنه نقطة التقاء ولهو للكثيرين من سكان مدريد.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. بعد يوم حافل بالمسيرات والصواريخ.. قرار إسرائيلي بإغلاق المؤ
.. متظاهرون يقطعون حركة المرور في وسط باريس دعما للشعبين الفلسط
.. هل باتت مقاربة إسرائيل التفاوضية واحدة في لبنان وغزة؟
.. هاريس: ترمب يخطط للانتقام بينما أنا أخطط للعمل من أجلكم
.. قبل أم بعد الانتخابات الأميركية.. متى ستكون الضربة الإيرانية