الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترامب… كثور في متجر خزف

جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)

2019 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



كما يقولون بالإنكليزية إشارة إلى من يتصرّف بغلاظة في ظرف يتطلّب الحذر والدقّة فتُحدث أفعاله أضراراً جسيمة. وينطبق هذا القول تماماً على سلوك إدارة دونالد ترامب، الثور بامتياز، بإشراف ثورين آخرين هما وزير خارجيته مايك بومبيو ومستشاره للأمن القومي جون بولتون، وبإيعاز وتحريض من ثور رابع هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
أما متجر الخزف في هذه الحالة، وهو مخزن نفط بالأحرى، فهو بالطبع منطقة الخليج حيث قرّر الثلاثي الأمريكي عرض عضلات بلاده بإرسال حاملة الطائرات «أبراهام لينكون» العملاقة وسربٍ من قاذفات القنابل العملاقة «بي-52». ولم يَفُتْ إيران المستهدَفة بهذا التهديد الصريح أن حاملة الطائرات «أبراهام لينكون» سبق أن شاركت في الحربين على العراق عامي 1991 و2003 وبمحطات أخرى من حرب الولايات المتحدة على بلاد ما بين النهرين.
هذا وتندرج مواجهة إيران بهذه الطريقة في مسلك عام لإدارة ترامب يصفه بالإنكليزية فعلٌ معناه الحرفي «تصرّف كالثور» (to bully) وأقرب مرادف له بالعربية فعل «بلطج». ولا ينطبق وصفٌ خيرٌ من «البلطجة» على مسلك الإدارة الأمريكية الحالية في ملفات شتّى، من التجاري إلى العسكري، وإزاء بلدان شتى، من فينزويلا إلى الصين مروراً بإيران. غير أن أخطر بلطجة تمارسها إدارة ترامب بلا شكّ هي تلويحها الراهن بالعصا الغليظة في وجه إيران، إذ ينضاف هذا التلويح إلى نبذ الاتفاق الذي أبرمته الإدارة الأمريكية السابقة مع طهران في الملف النووي وإلى فرض عقوبات جديدة على إيران ترمي إلى خنق هذا البلد اقتصادياً. وهذه الغاية معلنةٌ وليست خفيّة، إذ أكّد ترامب وأعوانه أكثر من مرّة أنهم يبغون مفاقمة أحوال إيران الاقتصادية، مراهنين على أن ذلك سوف يؤدّي إلى مزيد من الاحتجاجات الشعبية تُضعف النظام الإيراني وتفرض عليه الاستسلام، هذا إن لم توفّر شروط إسقاطه.
والحقيقة أن البلطجة الأمريكية إزاء إيران إنما تخدم عكس مراميها تماماً، وعلى كافة الأصعدة. أولاً، يُسهم الخناق الأمريكي في منح النظام الإيراني ذريعة لصرف الأنظار عن سوء إدارته لاقتصاد البلاد عوضاً عن إحراجه حيال شعبه. والحقيقة أن رفع العقوبات الذي تلى الاتفاق الذي أبرمته إدارة باراك أوباما مع طهران قبل أربع سنوات، إنما أدّى إلى ارتفاع الحرارة الاجتماعية في إيران بدل إخمادها. وقد شهدت إيران أعظم موجة احتجاجات شعبية منذ تلك التي عقبت انتخابات عام 2009، في نهاية 2017 وبداية العام التالي، أي قبل أن يقرّر ترامب في أيار/ مايو 2018 سحب دولته من الاتفاق النووي وليس بعد ذلك القرار، ناهيكم من دخوله حيّز التنفيذ في شأن صادرات إيران النفطية الذي لم يكتمل سوى مؤخّراً. ويحلم تماماً الثلاثي الأمريكي إذا ظنّ أن شعب إيران سوف يلقي مسؤولية تردّي أوضاعه على نظامه بينما يرى الجميع أن الموقف الأمريكي هو المنبوذ في الساحة الدولية، وليس الموقف الإيراني. وقد انضمّ حلفاء أمريكا التقليديون، ولا سيما الأوروبيون، إلى أخصامها المعتادين، ولا سيما روسيا والصين، في التنديد بموقف واشنطن المستجدّ.

ثانياً، تمنح البلطجة الأمريكية إيران فرصة لعرض عضلاتها هي أيضاً وشحذ مشاعر الشعب الإيراني القومية وتحفيز التفافه حول حكمه. وقد جاءت تصريحات القادة الإيرانيين بالردّ على الاستفزاز الأمريكي باستفزاز مضاد، بما فيه التهديد بمنع الملاحة في الخليج، ليس من باب العنتريات الجوفاء التي ألفناها من حكّام منطقتنا، بل من باب الاطمئنان إلى عجز أمريكا عن المضي قدماً على درب التصعيد العسكري. ولو صحّ أن تفجير البواخر السعودية والإماراتية في مياه الخليج هو من صنع إيران كما يُرجَّح، يكون الأمر دليلاً ساطعاً على استعداد إيران لترجمة تهديداتها المضادة إلى أفعال.
والحال أن ما تجازف به إدارة ترامب بالتصعيد في الخليج هو أعظم بكثير مما تجازف به إيران. فمن شأن تسعير النار في نفط الخليج أن يؤدّي إلى تصاعد صاروخي في أسعار النفط بما يؤدّي حتماً إلى أزمة اقتصادية عالمية عظيمة الأهمّية في ظرف غدت فيه حرارة الاقتصاد العالمي شديدة الارتفاع بسبب الحرب التجارية التي شنّتها إدارة ترامب على الصين. ومن شأن مثل تلك الأزمة أن تقضي على فرص ترامب للفوز بعهد رئاسي ثانٍ في انتخابات العام القادم، وهو الذي يتباهى كل يوم بإنجازات عهده في المجال الاقتصادي.
أما ارتفاع أسعار النفط في هذا الظرف فيلائم إيران تماماً إذ يسمح لها بالتعويض عن مفعول الحظر الأمريكي وفوق ذلك.
وتعلم طهران أن الولايات المتحدّة ليست في وضع يتيح لها المجازفة بشنّ حرب شاملة على إيران، غير مرغوب بها على الإطلاق لدى الرأي العام الأمريكي ولدى القوات المسلّحة، وكل ما يسع إدارة ترامب أن تفعله هو تسديد ضربات عسكرية بعيدة المدى لإيران تستطيع هذه الأخيرة استيعابها بسهولة نسبية. ولدى طهران القدرة على إشعال منطقة الخليج بأسرها في المقابل، وهي مقتنعة بأن نظامها أشدّ صلابة من النظام السعودي، محميّة واشنطن الإقليمية الرئيسية.
ثالثاً، كانت نائبة رئيس تحرير صحيفة «فايننشال تايمس»، رلى خلف، على صواب عندما رجّحت في افتتاحية نشرتها قبل أسبوعين أن مسلك دونالد ترامب إزاء إيران من شأنه أن يؤدّي إلى اعتلاء قاسم سليماني، قائد العمليات الخارجية في «حرس الثورة الإسلامية» الإيراني الذي يرى فيه الحكم السعودي الدّ أعدائه، اعتلاء سليماني كرسي رئاسة إيران بعد عامين من الآن، عند انتهاء ولاية حسن روحاني الثانية. ولو حصل ذلك، ولا ريب في أن سلوك واشنطن يعزّز فرص حصوله، فسوف يشكّل كارثة على الحكم السعودي تجعله يتأسف شديد الأسف على سياسة أوباما التي راهنت على ترجيح كفّة «المعتدلين» في الحكم الإيراني على حساب المتشدّدين الذين يشكّل «الحرس الثوري» قوتهم الضاربة.
والحقيقة أن مثل تلك النتيجة المحتملة الكارثية من منظوري واشنطن والرياض، إنما يتمنّاها حليفهما نتنياهو الذي يراهن على تصعيد التوتّر لتدعيم موقعه اليميني المتطرّف مثلما راهن على جرّ «حماس» إلى تصعيد عملياتها الاستشهادية كي يعزّز هيمنته على سياسة الدولة الصهيونية. وهو يلعب بالنار لاعتقاده أن انفجار الخليج وانجرار أمريكا إلى حرب شاملة على إيران ليس فيهما سوى المنفعة لدولته وحكمه. وهذا يحيلنا إلى نقاش قديم: فقد عزا أكاديميان أمريكيان احتلال العراق إلى التأثير الصهيوني على أمريكا، مؤكّدَين أن غزو العراق لم يكن في مصلحة الولايات المتحدة. وقد أخطآ التقدير إذ أن حكومة آرييل شارون الصهيونية كانت تحثّ إدارة جورج دبليو بوش على شنّ حرب على إيران، وليس على العراق المدمّر منذ «عاصفة الصحراء» في عام 1991 وما تلاها من خنق للبلاد. وقد كان دافع إدارة بوش في احتلال العراق وضع يدها على خيرات البلد وإخضاعه لأمدٍ طويل، بيد أنها فشلت في تلك المهمة فشلاً ذريعاً وانتهى بها الأمر إلى تسليم العراق لإيران، عدوّتها اللدود. أما اليوم فإن السياسة التي تنتهجها إدارة ترامب إزاء إيران سياسة من شأنها حقاً أن تخدم المصلحة الصهيونية على حساب المصلحة الأمريكية ذاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ترويج إعلامي واضح لقوة إيران في المنطقة .. !!
ثائر المقدسي ( 2019 / 5 / 15 - 08:05 )
[ولدى طهران القدرة على إشعال منطقة الخليج بأسرها في المقابل] ...
رغم أنني أتفق عموما مع الأخ جلبير الأشقر على توصيفه لـ(بلطجة) أو (تشبيح) أمريكا في هذا السياق ... إلا أن في كلامه هذا ترويجا إعلاميا واضحا لقوة إيران في المنطقة ... ونفس الشيء فعله الأخ فيصل القاسم بخصوص قوة إسرائيل في مقال سابق منذ أسبوعين ... !!!
بالمناسبة الكلمة bully بالإنكليزية ليست لها علاقة مباشرة بالحيوان (الثور) حتى يقول الأخ جلبير إن معناها الحرفي بصيغتها الفعلية هو «تصرَّف كالثور» ... الكلمة بصيغتها الاسمية قد يعود اشتقاقها المعجمي في الأصل من كلمة boele بالهولندية المتوسطة في القرن السادس عشر، بمعنى ألفاظ مثل «الحبيب» و «الأخ» إلخ على اعتبارها ألفاظا كانت تُستخدم للتحبُّب الاجتماعي لمخاطبة كلا الجنسين ... ثم تحولت فيما بعد إلى ألفاظ تُستخدم للتحبُّب (المافيوي) لمخاطبة الذكور فقط ... وبما أن كلمة «الأخ» بالعربية الفصحى يقابلها كلمة «الخَوِيّ» ببعض لهجاتها العامية، فإن أقرب ترجمة لكلمة bully بصيغتها الفعلية المشتقة من «الخَوِيّ» هي «يتخَوَّى» من كلمة «الخُوَّة» المعروفة بمعناها «التشبيحي» في العامية ... !!!

اخر الافلام

.. أولينا زيلينسكا زوجة الرئيس الأوكراني. هل اشترت سيارة بوغاتي


.. بعد -المرحلة الأخيرة في غزة.. هل تجتاح إسرائيل لبنان؟ | #غرف




.. غارات إسرائيلية على خان يونس.. وموجة نزوح جديدة | #مراسلو_سك


.. معاناة مستمرة للنازحين في مخيم جباليا وشمالي قطاع غزة




.. احتجاج طلاب جامعة كاليفورنيا لفسخ التعاقد مع شركات داعمة للإ