الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنتخابات الدانمارك البرلمانية وشبح العنصرية المتزايد

منير المجيد
(Monir Almajid)

2019 / 5 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


لست بعيداً عن الدانمارك إلّا بمقدار عشرة آلاف كيلو متر. وهي ليست كثيرة في زمن سهولة نقل الأخبار، فأنا، ببساطة، أشاهد التلفزيون الرسمي الدانماركي، تماماً كما لو كنت هناك. أطالع الأنباء في الصحف، حتى الرديئة منها. إنه حالة الفضولية التي لازمتني طيلة عمري.

قبل أسبوع، أعلن رئيس الوزراء «لارس لوكه راسموسن» تاريخ الخامس من الشهر السادس موعداً للإنتخابات البرلمانية، في الوقت الذي لا تُشير الإستطلاعات إلى بقاءه على رأس الحكومة الإئتلافية اليمينية المدعومة من حزب الشعب (الشعبوي) المتشدّد، بل من المتوقع أن يفوز الحزب الإشتراكي الديمقراطي بشخص رئيسته «ميته فريدريكسن« (ستكون ثاني سيدة تتولّى رئاسة الحكومة في تاريخ البلاد).
هذه السيدة، أيضاً، تريد تشديد قوانين الهجرة واللجوء، ولا فرق عملياً بينها وبين الأحزاب اليمينية.
هي في الواقع متفاهمة مع حزب الشعب أكثر بكثير من الأحزاب اليسارية التي يجب أن تدعمها حتى تصل إلى السلطة.
والأحزاب المتشدّدة ستكون موضوع نصي هذا اليوم.

بدأت الحكاية بالمحامي «مونس غليستروپ» (١٩٢٦ - ٢٠٠٨)، الذي شكّل حزب «التقدّم» (Fremskridtspartiet)، واكتسح إنتخابات عام ١٩٧٣ وربح ٢٨ مقعداً في البرلمان، مُرسلاً موجة تسونامي سياسية في البلاد. صحيح أن علامته الفارقة كانت ضد نظام الضرائب، لكنه سرعان ما ضمّ فكرة عداء المُهاجرين إلى برنامجه السياسي.
غليستروپ بقي عضواً في البرلمان (رغم شحّ شعبية حزبه) حتى ١٩٩٠، ماعدا فترة سجنه من ١٩٨٣ إلى ١٩٨٦ بسبب تهرّبه الضريبي.
تلميذته پيا كيرسغورد (١٩٤٧)، وبعد أن تأرجحت شعبية غليستروپ انشقّت عن مُعلّمها وأسّست حزب الشعب الدانماركي (Dansk Folkeparti) عام ١٩٩٥، داعية إلى سياسة أكثر تشدّداً، لتجمع حولها ثلّة من أكثر الدانماركيين عنصرية، خاصة فيما يتعلّق بمناصري «ضد الإسلام».
السيدة كيرسغورد بلغت نسبة ٢١٪ من الأصوات في إنتخابات عام ٢٠١٥ لتُصبح ثاني أكبر حزب في البلاد، بعد أن تعلّمت اللعبة الديمقراطية، وطردت كل الذين صرّحوا بمكنوناتهم من عنصرية وما إلى ذلك في الفضاء العام. هي، وبذكاء مُرعب، إستطاعت أن تُقدّم حزبها على أنه قومي، لكن بعيداً جداً عن العنصرية، وذلك بطرد الأكثر عواءً ليحذو آخرون حذوها في تشكيل أحزاب تحمل نفس المبادئ في الدول الإسكندينافية وأوروبا الغربية.
هي الآن، على فكرة، رئيسة برلمان البلاد، بعد أن سلّمت قيادة الحزب إلى طاقم شاب آيديولوجي، يعرف كيفية اللعب على خطّ الديمقراطية.

الآن، هناك ١٣ حزباً لخوض إنتخابات هذه السنة، منها الحزب المسيحي الديمقراطي الذي لم تسنح له الأصوات الوصول إلى البرلمان منذ سنوات طويلة، إضافة إلى ثلاثة أحزاب جديدة. أحدها حزب رجل الأعمال «ريسغيير»،والذي سُجن، بدوره، عدة سنوات بسبب الإحتيال المالي والضريبي.
هذا الحزب، من المتوقع، ألّا يحصل على أصوات كافية.

يبقى هناك حزب «اليمين الجديد» (Nye Borgerlige)، بقيادة «پيرنيله ڤيرموند»، والتي تعتبر أن حزب الشعب لم يُحقّق مطالب الشعب الدانماركي بالحدّ من هجرة المسلمين وطرد الذين يقومون بأعمال الشغب والجريمة وإغلاق الحدود تماماً أمام اللاجئين من دول الشرق الأوسط (المسلمين)، وتأييد خطوة الحكومة الحالية بتجميع المحكومين والذين رُفضت طلبات لجؤوهم في جزيرة معزولة.
السيدة ڤيرموند كانت صديقة طفولة «شيرين خانكان» (من أب دمشقي)، والتي صارت أول إمرأة تؤمّ المسلمين في صلاة الجمعة، لا بل تعقد قران مثليي الجنس أيضاً.

لكن، يبدو أن ما ذُكر أعلاه من أحزاب يمينية قومية مُتشدّدة لا يفي برغبات الشعب الدانماركي. لذا أقدم المحامي الشاب «راسموس پالودان» على تأسيس حزب سماه بـ «الخطّ المُتشدّد» (Stram Kurs).
راسموس بدأ فعالياته على اليوتيوب بسيل من التصريحات العنصرية والشتائم التي تُوّجت بإصدار حكم عليه بتهمة العنصرية، لأنه دعى، وعلى نحو واضح، إلى تنظيف الدانمارك إثنياً من المسلمين. لكن هذا لم يُوقفه عن حملته، بل أوسع نطاقها حيث صار يذهب إلى المناطق التي تحتوي على كثافة سكانية مسلمة، محروساً بجيش من قوى الشرطة، ليحرق نسخاً من القرآن ويُلقي خُطباً لا تحتوي إلّا على شتائم مُقذعة بحقّ النبي والإسلام.

هكذا هي الديمقراطية، بإيجابياتها وسلبياتها. يحقّ لهذا الرجل أن يشتم ويحرق ما يشاء إن لم يصحبها بأعمال عنف. أعمال العنف جاءت، بالمقابل، من مجموعات من شبان المسلمين، الذين قاموا بمظاهرات مُضادة تخلّلتها أعمال عنف وحرق حافلات ومحال تجارية وحاويات قمامة وإطارات سيارات.
الدانماركيون، بفهمهم للديمقراطية، يختلفون بدرجة ٣٦٠ عن هؤلاء الذين وُلدوا وكبروا في البلاد، دون أن يستوعبوا حرفاً واحداً منها. مجموعة دهماء وغوغاء، لا يختلفون من حيث المبدأ، عن غوغائية پالودان وقذارته.
النتيجة، أن هذا النكرة جمع حوله آلاف الأنصار والمؤيدين، وعلى نحو قياسي، إستطاع جمع أكثر من عشرين ألف توقيع (الحد الأدنى للقبول لأحقيّة خوض الإنتخابات البرلمانية)، ليقف هذه الأيام أمام كاميرات التلفزيون، جنباً إلى جنب، مع بقية رؤساء الأحزاب، ليُدافع عن فلسفة حزبه.
إستطلاعات الرأي تُؤكدّ حصول حزبه على نسبة تتجاوز ٢٪، ممّا سوف يُخوّله الحصول على ٥ مقاعد برلمانية. أما پيرنيله فإنها ستحصل على أصوات مماثلة، أو أكثر.
المُثير في الأمر، أن هذه الأصوات سوف تُؤخذ من حزب الشعب، الذي من المتوقع أن تنخفض نسبة مقترعيه إلى ١٣٪.

في الأيام الأخيرة قامت البرلمانية الشابة «إيدا» (من الحزب الراديكالي اليساري) من عائلة «آوكن» السياسية العريقة، بالتعاون مع صديقات لها، بإنشاء صفحة على الفيس بوك بإسم «Stram Kus» للسخرية من حزب پالودان، حيث لاقت فيضاً من المُتابعين والمُصفّقين. والإسم إشتقاق طريف جداً من الإسم الأصلي يستدعي مني الإستفاضة في الشرح، خاصة للأصدقاء الذين يجهلون اللغة الدانماركية.
كلمة Stram تعني ضيّق أيضاً (إلى جانب مُتشدّد)، و Kus تعني فرج بالمعنى الشعبي (تماماً مثل لفظ الكلمة العربية المتداولة لفرج المرأة). طريقة إحتجاج طريفة للنيل من ذاك الحزب المتطرف الذي لا يختلف ببرنامجه عن الحزب النازي، باستخدام أسلوب السخرية وجعل رئيسه أضحوكة، بدل ردّة فعل غوغاء الشبّان المسلمين.
تصوروا، لو قام هذا الشخص بحرق القرآن وكيل الشتائم في أحياء الأكثرية المُسلمة، دون أن يُثير أية ردّة فعل على الإطلاق. هل تعتقدون أنه سوف يجمع حوله كل هؤلاء الأنصار والمُؤيدين؟ لا، وأنا واثق من هذه الـ «لا».
تماماً، لو لم يقم المسلمون بحرق الأعلام الدانماركية ومقاطعة منتجات البلاد إثر رسوم صحيفة «يولاندس پوستن» عام ٢٠٠٦، لما اشتهرت الصحيفة اليمينية البائسة تلك، ولا صحفييها أو رسّاميها.
موجة العداء للمسلمين في الدول الغربية ليست واسعة إلى حدّ الخطر حتى الآن. صدقوني، إن استمرت الأمور كما هي، فإن السنوات القادمة ستكون مخيفة وستعود بأوروبا إلى فترة ثلاثينات النازية بكل سهولة. كبش الفداء لن يكون اليهود هذه المرّة، بل كل من جاء من شرقنا الحزين.
تصرّفات قلّة من المهاجرين واللاجئين ونسبة إرتكابهم للجرائم والجنح ونسبة تمثيلهم الهائلة في السجون والمعتقلات هي التي تدفع المُواطن العادي إلى إنتخاب أكثر الأحزاب عنصرية وعداءً للمسلمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في