الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
جبل المشتى والمراهقة
إياد الغفري
2019 / 5 / 16الثورات والانتفاضات الجماهيرية
في الثمانينات زرنا قرية صديقي جورج في عيون الوادي... قرية وادعة فيما سمي بوادي النضارى "تفادياً لإطلاق تسمية النصارى على سكان المنطقة".
اعتمدت الدولة السورية تحريف أسماء القرى التي قد تعتبر مشينة أو غير مفهومة، فاعتمدت تسميات ما أنزل الله بها من سلطان، ألغت أسماء بعض القرى التي يعتقد بأن جذورها فينيقية، وألغت التسميات الشائنة فأصبحت المزيبلة مزينة والخريبة ناصرة، وبعض التسميات كان منبعها الولاء التام للنظام، وأحياناً النفعية.
في ريف طرطوس هناك قرية اسمها البيضة، وهي كبيرة مقارنة مع جارتها البساتين... عندما قررت الحكومة زرع مدرسة إعدادية أو ثانوية كان هذا من نصيب البيضة... لنشاط سكانها في عملية التناسل ولكونها أكثر ازدحاماً من جارتها، وعندما انتشرت إشاعة المخبز الآلي كانت الكارثة...
أهل البساتين الذين شعروا بالغبن من جيرانهم الذين فازوا بالمدرسة قبل سنوات قرروا أن يستولوا على المخبز الآلي، يكفي صبيان الضيعة الحج يومياً للبيضة لزيارة المدرسة، من غير المعقول أن يحصل الجيران على المخبز أيضاً،
الذكاء البعثي نجح في إجبار المحافظ على تدشين الفرن في البساتين مخالفاً التعليمات بوضع الفرن في القرية الأكبر، حيث أن أهل القرية قاموا بعملية تعديل لاسم قريتهم فأضافوا للبساتين العتيدة اسم القائد المفدى وألغوا ال التعريف فصارت بساتين الأسد... جيرانهم أهل البيضة أدركوا استحالة مجاراة البساتين في التملق للنظام فقالوا لهم:
- صعبة نغير اسم ضيعتنا عا طريقتكم.... حلال عليكم الفرن.
سمعت القصة من سركيس سركيس ابن المنطقة والذي لا أضمن مدى مصداقيته، حيث أن المغفور له كان صاحب فندق ودكان أحذية إضافة لكونه ناشط سياسي ومعارض ورجل أعمال مقيم في باريس... وهو ممن استفادوا من كوبونات النفط التي كان المغفور له صدام يوزعها على من ثبت صلاحه، وقابليته للتلون بألوان قزح ليست بحاجة إلى إثبات.
بغض النظر عن مدى دقة الحكاية إلا إنها تبرز جانباً من عقليتنا العروبية.
- شو جاب بساتين المعلم والبيضة للعيون وجبل المشتى؟
- الشيء بالشيء يذكر....
- وجبل المشتى؟
- تداعيات عن حرق السفن...
- تفضل.
- بتتذكر النص تبع رامي من كم يوم؟
- أيه... الله لا يعطيك عافية فوق تعبك... يعني لحد ها النص كان ممكن الله والمخابرات يغفروا لك ذنوبك، بس هلأ خريت بالشمس وراحت عليك.
- والله يا باطن يوم تركت الشام كنت حاسس بأنها آخر أيام المشمش، إحراق السفن كان يوم غادرت بيتي، شعور غامض كان يدفعني لعناق الأشخاص والأشجار... كانت تباشير الخراب واضحة على البشر... أحسست بأنها الرحلة الأخيرة وأن العودة صارت مستحيلة.
- قيمك من ها العلاك العاطفي... شو دخل نص رامي بجبل المشتى.
النص كتبته رد على تحد من صديق "سابق" من طائفة عبدة ياسين الحاج صالح، برأيه فإن ترفيسي على حكيم ثورته مرفوض ومدان، وبأن نصوصي لا تتعدى أن تكون تنفيساً من نمط نصوص الماغوط ودريد، تحديه طالبني بكتابة النص ليكون سند براءة لي من تبعية للنظام ومن غباء غير مقصود.... كان للصديق ما أراد، حاولت دبج المقال برؤية ساخرة من الواقع، رؤية طالما اعتمدت عليها للحفاظ على التوازن بين شتم أم النظام والتحشيك للمعارضة.... لكن النص كان هو التوقيع على وثيقة "لا عودة"، مزيج من الحيونة والتناحة، الغيرة على ذاك المكان الذي كان وطناً ومحاولة لتأكيد مواقفي التي طالما رددتها خلال العقود الأربعة الماضية.
طبعاً الصديق السابق اعتبر أن النص هو تصالح مع النظام، وإني بكلامي هذا أحاول القول بأن الفساد كان مستشرياً في سوريا وليس رامي هو الأول ممن سرقوا البلاد... وقام بتفريغ النص من محتواه واعتبر أن النص خطاب تأييد للنظام....
- ان شاء الله تطلع الأجهزة المختصة بنفس عبقرية حزو البغل... بتكون نفذت.
- للأسف... أغبى عنصر أمن يعتبر نابغة بالنسبة له اليوم.
***
عندما زرنا جورج في قريته كنا لا نحمل هموم السنين ولا إرهاق النضج، مراهقون لا يحملون هموم الدنيا... يومها وبعد زيارة لمغارة الضوايات، زيارة بائت بالفشل لأن حارس المغارة صاحب المفاتيح كان يرعى ماعزه في جرد آخر، وقرر أن هذا اليوم مناسب للرعي أكثر منه لزيارة الآثار....
ثلاثة مراهقين جلسنا على الصخور أما باب المغرة نتفكر بما سنفعل لقضاء النهار... أمامنا كان جبل المشتى، لا أذكر كيف تطور الأمر لكن تحدياً طرح نفسه... الوادي قبل جبل المشتى مليء بالأشواك وتسرح فيه العقارب والأفاعي، كان الرهان على الصعود لقمة جبل المشتى في مدة لا تتجاوز الساعة... والوصول لقمته... ربما كان التيسترون، أو طيش الشباب هو دافعي لقبول التحدي... ركضت الجبل، ورغم أنه لا يوجد ما يؤكد وجود الأفاعي أو العقارب إلا أنني كنت أسمع الفحيح يختلط بأصوات الأشواك التي أدوسها راكضاً للقمة... أقل من ساعة استغرق الصعود، ربحت التحدي... نزلت بسرعة أكبر لأن النزول كان أقل مشقة، ورغم الفوز بالتحدي إلا أن الرعب من لدغة كان دافعي كيلا أتوقف لالتقاط أنفاسي.....
المراهقة دفعت صديقي لاعتباري قد خسرت الرهان... بالتأكيد... فنحن لم نحدد إن كانت ساعة زمنية أم ساعة رملية أم ساعة مائية، يومها أصر المراهق النزق على كونه قد ربح الرهان لأنني لم أنفذ المطلوب، يومها كان الأمر سهلاً... بإمكاني تقبل صبيانية المراهقة، لكن اليوم... يصعب علي يا حازم أن أتقبل مراهقتك وأنت في العقد الخامس من العمر.
عندما يكون المصير الفردي هو ما سنخسره، فهذا خيار لك الحق باتخاذه.... لكن أن نتاجر بأرواح الملايين، فهذه المراهقة غير مقبولة...
قلت في نص سابق:
***
النظام الذي دافع عن وجوده لقناعات -نحسبه على الله مؤمناً بها- وهي كونه يمثل البقية الباقية من محور الممانعة وجبهة الصمود والتصدي، هذا النظام هو شريك مع خصومه في حرب البسوس التي قد يكون عدد ضحاياها قد تجاوز المليون لغاية اليوم، لا يمكن تبرئة النظام من دماء الضحايا... كما يتمنى المنحبكجية... ولا يمكن تبرئة الفصائل المقاتلة من كتيبة أحفاد الرسول وصولاً إلى لواء أصابيع رجلين أبو بكر وختاماً بجيش الإسلام.... كما يتمنى الثورجية.... الجميع قتلة بالفعل،
***
ومشترك بالجريمة و مدان أخلاقياً كل من أيد حمل السلاح بكلمة أو برفع إصبع على صفحة زرقاء.....
***
جرم النخب القذرة الداعرة المقيمة منذ سنوات في أحضان الأجهزة الاستخبارية الإقليمية أو العالمية أكبر من جرم القتلة الفعليين لأنهم كانوا يقوم بالتحريض على القتل والموت من مأمن وهم يعلمون أن الموت لن يصيبهم..... بينما كان أطراف الصراع على الأرض يواجهون احتمالية الموت.... بعض أعضاء الائتلاف ومعارضات باريس، برلين وإسطنبول يخشون انتهاء المقتلة لأنهم سيفقدون مبرر وجودهم في الغرب ومبرر استضافتهم على الفضائيات... ستنتهي السبوبة التي أمنت قوت عيالهم ويعودون لوطن لم يبق فيه حجر على حجر ليبنوه... وغالبيتهم لا يجيدون العمل أو البناء.
***
اختلفنا البارحة للمرة الأخيرة حول مفهوم النذالة، وأنا مقنع اليوم أننا لن نتفق بعد اليوم إلا على الذكريات السطحية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية مع الفريق البر
.. حزب التقدم والاشتراكية يناقش العنف الرقمي ضد النساء، سبل الح
.. تداعيات الصراع القائم و آفاقه - د. موفق محادين.
.. س?بار?ت ب? ه??بژاردني خولي ش?ش?مي پ?رل?ماني کوردستان
.. بعد عام من 7 اكتوبر، حوار مع مصعب بشی-ر