الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث في الطائفة والطائفية

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2019 / 5 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لعل من دواعي الأسى أن نلاحظ في وقتنا الحاضر تزاييد أعداد المتعلمين والمثقفين في البلدان العربية بعامة , وفي العراق بخاصة , ممن يروجون ليل نهار في وسائل التواصل الإجتماعي لكل أشكال التعصب والتطرف الطائفي والمذهبي , وإزدراء الأديان والطوائف الأخرى , وتشويهها لا بل وتزيف كل الحقائق المتعلقة بمعتقدات غيرهم بصورة سمجة وممقوتة , ونشر الحقد والكراهية والبغضاء والتنافربين الناس بمناسبة أو بأخرى , مما يعزز روح التخندق الطائفي لديهم , ودفعهم للبحث عن ملاذات آمنة لدى قادة طوائفهم , بدواعي الحفاظ على معتقداتهم وعلى أنفسهم وممتلكاتهم من ذئاب الطوائف الأخرى . وبذلك تتحول بلدانهم إلى ساحات حرب تزهق فيها آلاف الأرواح البريئة على الهوية الطائفية .
ومن غرائب الأمور وعجابئها في هذا الزمان الردئ , أن الكثير من هؤلاء الناس كانوا حتى وقت قريب يحسبون ضمن جماعات الفكر التقدمي أو القومي المعتدل أو الوطني اللبرالي, ممن يسعون لبناء وطن حر خال من الإستعباد والتطرف, ويدعون إلى الحرية وصيانة كرامة الناس وحقهم بالحياة على وفق معتقداتهم بشرط عدم المساس بحقوق الآخرين ومصادرة حرياتهم , ونشر الثقافة والعلوم والإنفتاح على الآخرين والتعايش ليس بين أبناء الوطن الواحد بل وشعوب الأرض قاطبة , ولا يعرف عنهم أي تعصب ديني أو طائفي . وهذا ما دعانا للحديث هنا عن مفاهيم الطائفة والطائفية وتسليط بعض الضوء على شرورها ومخاطرها في كل زمان ومكان .
تعرف الطائفة بأنها مجموعة معينة من الناس تجمعهم عقيدة دينية أو فكرية أو سياسية معينة , أما الطائفية فإنها تعرف : انتماء لطائفة معينة دينية أو اجتماعية ولكن ليست بالضرورة عرقية, فمن الممكن ان يجتمع عدد من أبناء القوميات المختلفة في طائفة واحدة بخلاف اوطانهم أو لغاتهم. ولا تقتصر الطائفية على دين معينة ,إنما هي شاملة لجميع الأديان , فالدين الإسلامي مثلا يضم ( 72 ) طائفة بحسب ما تشير إليه بعض المصادر , أبرزها :
1.أهل السنة والجماعة : وهم أكبر طائفة إسلامية على الإطلاق، ولا تنحصر طائفة أهل السنة والجماعة في منطقة معينة أو عرق معين أو دولة معينة, ويتجاوزعددهم حاليا مليار نسمة. ويتوزع أبناء هذه الطائفة على عدة مذاهب أبرزها : الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والسلفية والأشاعرة والماتريدية.
2. الشيعة :تعتبر الطائفة الشيعية الجعفرية أكبر الطوائف الشيعية في العالم, وتنتشر في العصر الحاضر في العراق وإيران والبحرين وأذريبيجان مما يشكاون غالبية سكانها , ويشكلون الطائفة الأكبر في لبنان , تليها الطائفة الإسماعيلية التي تنتشر بصورة رئيسية في باكستان وبعض مناطق سورية وجنوب المملكة العربية السعودية, والطائفة الزيدية التي تنتشر في اليمن . ويقدر عدد الشيعة في العالم بنحو ربع عدد السنة , ويتوزعون بمختلف طوائفهم على نحو (105) دولة .
3.الأباضية : توجد في أغلب مناطق سلطنة عمان (لوجود دولة الإمامة الإباضية في عمان قديماً) وكذلك هناك أقلية في ليبيا وتونس والجزائر.
توجد طوائف إسلامية أخرى كثيرة مثل : الصوفية والمعتزلة والخوارج وغيرها لا مجال هنا للخوض بتفصيلاتها , إنما اردنا القول أن المسلمين هم ليسوا على مذهب واحد , وأن طوائفهم هي الأخرى ليست على مذهب واحد .
لا تقتصر الطائفية على الديانة الإسلامية فقط بل يندر أن تجد دينا معينا لا ينقسم فيه أتباعه إلى طوائف, وقد تكون هذه الطوائف متصارعة فيما بينها ضمن الدين الواحد , ومتصارعة مع أتباع الديانات المختلفة ,على الرغم من إزدياد الوعي بمخاطرها ومحاولة البعض التقريب فيما بينها من منطلق مبدأ التعايش السلمي ونبذ العنف .
ففي الديانة المسيحية التي تعتبر أكبر الديانات في العالم ,هناك أربعة طوائف كبرى يتبعها نحو (99% ) من المسيحيين هي: الكنيسة الكاثوليكية، والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، والكنيسة الأرثوذكسية المشرقية , والكنائس البروتستانتية, إضافة إلى كنيسة المشرق بفرعيها الآشورية والقديمة , ووجود طوائف صغيرة لاثالوثية. وتعد الطائفة الكاثوليكية أكبر الطوائف المسيحية ويتركز معظم أتباعها في دول جنوب أوربا وأمريكا اللاتينية , تليها الطائفة البرتستانتية يتبعها نحو (37%) من إجمالي عدد المسيحيين في العالم .
عاشت الطوائف المسيحية في أوربا صراعات طويلة فيما بينها بدعاوى دينية , لكنها في جوهرها خلافات سياسية أججتها مصالح الملوك والأمراء المتنافسين , أبرزها الإنقسام الذي حدث في الإمبراطورية الرومانية بين قسمها الشرقي الأرثوذكسي وعاصمته القسطنطينية ( أسطنبول حاليا ) وقسمها الغربي الكثوليكي وعاصمته روما , حيث قام الكاثوليك بنهب وحرق مدينة القسطنطينية, الأمر الذي ساعد على إسقاطها من قبل الأتراك المسلمين في القرن الخامس عشر. وشهد القرن السادس عشر حربا طائفية أخرى أكثر وحشية ودموية من سابقتها بين دول أوربا الشمالية البروتستانتية ودول أوربا الجنوبية الكاثوليكية , راح ضحيتها آلاف الناس بسبب التعصب الطائفي .
لا ينحصر التطرف الديني أو الطائفي على دين معين أو طائفة , كما لا ينحصر ببلد معين , فقد أدى الإحتراب الطائفي إلى تفتيت أكثر من بلد وتقسيمه , أبرزها تقسيم شبه القارة الهندية إلى بلدين هما الهند العلمانية وباكستان الإسلامية عام 1947 بعد صراع دموي بين المسلمين والهندوس , راح ضحيته ملايين الناس وتهجير ملايين أخرى , وما زالت بعض تداعياته قائمة حتى يومنا هذا , وقد شهد البلدان حربين ضروسين بسبب نزاعهما حول أحقية كل منهما بإقليم كشمير المقسم حاليا بين البلدين . كما قسم السودان عام 2011 إلى قسمين على أساس طائفي , هما جمهورية السودان ذات الغالبية المسلمة وجمهورية جنوب السودان ذات الغالبية المسيحية بعد نزاع مسلح إستمر سنيين طويلة , وذلك بدعم مباشر من الدول الغربية وبعض الكنائس المسيحية. وإنفصلت مقاطعة تيمور الشرقية ذات الغالبية الكاثوليكية عن إندونيسيا ذات الغالبية الإسلامية عام 2002 بدعم مباشر من الدول الغربية . وما يزال مسلسل تقسيم الدول وتفتيتها على أساس عرقي او طائفي بعد تأجيج الصراعات الدامية بين شعوبها مستمرا حتى الآن , بهدف إضعافها وتسخير مواردها لمصلحة الدول الإستعمارية وتجار الحروب .
يقود التعصب الديني حتما إلى إحتراب بين أتباع الديانات المختلفة , ويقود حتما إلى إحتراب طائفي بين أبناء الطوائف من معتنقي الدين الواحد نفسه , وهي بذلك سلسلة من الصراعات والمعارك التي لا تفضي إلى أية نتيجة تخدم أحدا , ربما بإستثناء أعداء الأمة المتربصين للقضاء عليها وتسخير مواردها لمصلحتهم . وهذا ما نراه حاصلا في العراق وسورية الآن بإستهداف المسيحيين في كنائسهم والأيزيديين في أماكن عبادتهم من منطلق التعصب الديني , لا يختلف عن إستهداف الجماعات السنية التكفيرية للمراقد وأماكن العبادة الشيعية , أو العكس إستهداف المليشيات الشيعية للجوامع السنية , جميعها ترمي لهدم أوصر التعايش السلمي بين الأديان والطوائف المختلفة وتفتيت نسيجها الإجتماعي وهدم أركان الدولة العراقية ومقوماتها الحضارية . وبذلك لن يكون هناك منتصر بل ستكون هناك دولة فاسدة مرتعا للفاسدين والإرهابيين يجولون ويصولون فيها تحت حماية الأجانب وكل الغرباء الطارئين على هذا الوطن بصرف عن هوياتهم وجنسياتهم ممن وفدوا إلى العراق تحت حراب الأجنبي وبحمايته ورعايته.
وخلاصة ما أردنا قوله هنا أن الوقائع التاريخية قديمها وحديثها أثبتت أن التطرف الديني أو العرقي آفة مدمرة لكل بني البشر , ويكفي أن نشير إلى ما حل بالعالم من دمار بسبب تصاعد العنصرية النازية في المانيا والعنصرية الفاشية في إيطاليا في القرن المنصرم وما نجم عنها من حربين عالمتين , وما آل إليه اليوم حال العراق وأفغانستان وسورية واليمن وليبيا وبلدان أخرى, بسبب تصاعد موجة التطرف الديني وإنحسار مد الحركات الثورية الساعية لبناء بلدانها وصيانة إستقلاها وتحقيق رفاهية شعوبها بتوظيف قدراتها ومعطيات العلوم والتكنولوجيا الحديثة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا