الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الباب

مريم الحسن

2019 / 5 / 19
الادب والفن


أطرقُ بابَكم
دائماً
فلا أسمعُ غيرَ الصدى
يُرجِّعُ لي أنيناً ..
تفلّت هارباً من ضجيجِ الطَرَقات
أحرّكُ مِقبضَ الباب
أُعنّفُهُ
فلا يجيبني غيرَ التعبِ النازفِ من لهاثِ إلحاحي
و من تكرارِ المحاولات
أتراكمُ لستمُ خلفَ بابِكم هذا يا تُرى؟
خلف هذا الصمتِ الثقيل المتمادي في اجترارِ اللا نهايات
أم أنكم خلفهُ
تتابعون تتالي سقوط الأمل في حُفرٍ مِن الإحباطِ لا متناهية
كالريشةِ البيضاءَ في مهبِّ زفيرِ شفاهٍ حرّكتها رياحٌ عابثاتٌ لاهية
تراقبون بصمتٍ صار منكم
و هو مثلكم ..
انحاز إلى صفِّكم في جمود الكيدِ
و في صمم اللا مبالاة
تتأملون الرجاء يضجُ خلف بابكم صارخاً مَن أنتم ..
مَن أنا؟
بصمتٍ فيكم حاكى جمودَ الصممِ في الأوثان
و مثل الوثن لسانُ جوابكم ..
صمٌ بكمٌ أنتم
لا تجيبون؟

أطرقُ بابكم
أصرخُ عالياً
أنادي عليكم
أردِّدُ النداءَ سؤالاً يُلاحقهُ صدًى يُعيدُ نفسَ السؤال
ليطلّ الجواب آتياً على عادتهِ
على مهلهِ
يُصاحبهُ السكونُ
و صمتٌ
هام فوق المكان
كالغيمةِ العابرة على أكُفِّ رياحِ التساؤلات
تعبرُ من فوقي مطراً
إيقاعاً يحاكي وتراً
لحنُهُ يُردّدُ رَجعَ صدى تكرارِ المحاولات
و مثل المحاولات
عبثاً يُكرّرُ اللحنُ ذاتَهُ و يسألُ هو أيضاً نفسَ السؤالِ
و بذات الثبات
تراكم من تكونوا لأعرف أنا من أكون؟

أتوقّفُ عن طرقِ بابكم
أعودُ أدراجي من حيثُ أتيت
أبتعد
ألتفت
ألمحُ ظِلالَكم خلف النوافذ تناديني أنْ ارجعي
أخطو خطوةَ إلهامٍ واحدة إلى الأمام .. و تختفون
كأنني لم أرَ ظلّكم
لم ألمحكم
و أنتم في البعيدِ كالظلالِ من خلف النوافذِ عليّ تنادون
أنظرُ مِن حولي
يتدفقُ الغموضُ فجأةً كالنهرِ هادراً
يلفّني بثوبٍ هادئٍ لَونُهُ نُسجَ من صمتِ المكان
لا نسمةً تهتكُ اعتكافَ ثرثرة الحفيفِ في عزلةِ اغترابها على أغصان الأشجار
لا حركةً تستفزُّ انفعال السكون في رحابة صدر المدى المتحالف خِفيةً
مع ما تخفّى فيهِ من أوهامٍ و حقائق و أسرار
لا شيء يُدلّلُ على وجودِ غيري
هنا
حيثُ أنا
أراكم تراقبون الوقت
تلاعبون الحيرة و الرجاء و الأمل بالصمت
تتحالفون مع العبث
و بكلِّ صقيعهِ و برودةِ الصمم في اللا مبالاة
بانفعالات التساؤلات الخضراء الطريّة الغضّة تعبثون

أشيح بنظري عن بابكم
أجلس أرضاً
أطأطئ رأسي
أغمضُ عينَي
أفتحهما
فتختفي فجأةً من حولي الأشكال
لا أرى حولي إلا المدى
و قد تلبّسته فتنةُ من جنون
دُفِنتْ في السر
في جوف خليطٍ من ذرّاتٍ ترامت أشكالها كثباناً سمراءَ من الرمال
تسلّلت باتساعهِا مبتعدة نحو آفاق التهمت على الطريق
كلَّ سؤالٍ و جواب
و كلَّ فكرةٍ و كل ممكنٍ و كلّ شكلٍ لحلمٍ في احتمال
و عالياً فوق رأسي
في جوف السما
يصدحُ طائرٌ
حلّقَ حريةً متسائلة
من عظيم نشوتها
فردَتْ جناحيهِا بصيرةً
هزأت بالقيدِ الذي لاح تحتها
قيدٌ .. مضغَ قفلَهُ فمُ الصدأ
و لاكَ مفتاحَهُ
نابُ سرابٍ أتى على كل آمالِ الحالمين القابعين فوق الرمال
أرفعُ ذراعَي عالياً نحوهُ
نحو السماء
أعلو
أرتفع
أحلّق
ألامسُ خدَّ الغمام
أرافق رفيقي صادحة
أفرد جناحَي معه و من ثم أهوي ..
ثم أهوي
فيُعانقُ مشهدَ امتدادِ ما تحت السقوطِ بصري
أرى كل ما فيه اختفى
و أيضاً ما كان فيه
قد غمرَهُ طَميُ نِسيانٍ خَفي
حتى جسدي
تلاشى في جوفِ الطَوَفان
الزاحف على كل شيئ أمامه بنهمِ المُنتصرِ القَوي
انجرَفَ منسياً في عمقِ طميٍ ابتلعهُ
نبذَهُ جواباً
على شطٍّ من أسئلة أنستهُ كلَّ أسئلته الماضية
عمن كان و من هو و ما قد يكون

أنا الصادحُ الآن مع الطير عالياً فوق الغمامِ في جوفِ صفاءِ السما
أنا الآملُ بحريةٍ تكسرُ قيدَ ذاك الرملِ السادِ آفاق الرؤى على طولِ خطّ المدى
أنا السائلُ خلف بابكم عمن كنتُ و عمن أكون و عن كلِّ ما مضى
أسألُ بابكم مجدداً
أنا الآن,
اليوم ..
من أكون؟
أتراني عبرتُ بابَكم؟
ذلك الموصد في وجهي؟
من دون أن ألاحظ
أو حتى من دون أن أدري؟
بعد أن كنت ألاحقُ ردّكم
صرتُ ألاحق ردّي فيَّ؟ في آني؟ في ذاتي؟ و في قدري؟
بعد أن كنتُ سائلاً صرتُ أنا جوابي المكنون منذ ميلادي في صدري
أقفُ خلف بابٍ ينتظرُ آملاً
أملاً آخراً مُتسائلاً
يقرعُ بلهاثِ التعبِ و لجاجة الإصرار صمم الجمود فيه
و لا نهائيةَ العبثيةِ في صمتهِ
يُحرّك بعنفِ المحاولات
كيدَ اللا مبالاة
و الوثنيةَ
في مقبضٍ عاندَ سؤالاً حلّ عليهِ في عينِ زمانه
أتاهُ في تمامِ وقتِهِ
سؤالٌ لا يملّ آملاً .. من تكرارِ ذاتهِ بذاتهِ
و أيضاً بذاتِ ذاك الثبات
تراكم من تكونوا لأعرف أنا من أكون؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا