الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مراسيم تشييع جنازة

جلال حسن

2019 / 5 / 20
الادب والفن


في مراسيم تشييع جنازة
التفريط بالحياة فعل غبي، والأغبى نسيان النهاية
جلال حسن

لا تضاف أي أسئلة عن الموت، أنه جواب جاهز يغطس في الإعادة والاجترار والحيرة على أرض تتساوى الكائنات فيها في الحفر، وعلى هذا النحو يتساوي الفقد والرحيل بين التلاشي والاندثار والنسيان. فالموت لغز محير، وهو صحو بعد نوم عميق.
كنت هناك، خلف جنازة، أحدق في نهايات المنائر، فيخيفني دبوس السماء، هكذا كنت تسير في مراسيم تشييع جنازة على بقعة من أرض ضيقة الشهيق، كأنك رأيت الصمت يسير مع العويل، رأيت شيئاً خفيا يخفي ملامحه يمشي بمهابة ملك بين المشيعين، رأيت وجوها مصفرة متوجسة خائفة، وأكبادا حرى،
رأيت التراب يحكي، ينهال ويتفتت ويطير، والكفن يستر البدن ويخنقه، والتابوت يفرغ حمولته، ثم يفضح ويشهد على الفراغ، رأيت غسل الموتى يسيل من الدموع ، ورأيت قاع القبر، وسمعت كثيرا من الأدعية والتلاوات والتلقين، رأيت التراب يدثر بمعاول قصيرة كقش منفوش، ورأيت سدادة القبر، وحجر الاختناق من الهروب، رأيت معاول أخرى تضرب الأرض، وملقن الموتى يرتل التعاويذ الثقيلة ، رأيت ورأيت .. كأني رأيت السخط يسبق الخوف ؟!
الموت علامة الزوال حين تنهال سلسلة من الأسئلة التي لا جواب لها. أسئلة تجد أن من السذاجة أن تحكيها لكائن أصغر منك عمرا، قد تحتاج الى رأس حكيم، أو عمامة عالم أو جلباب ناسك أو مسبحة متعبد أو صوفي أو ملحد أو مؤمن.
لا شيء يخيف غير أسئلة الوجود، وأسئلة العدم، وأسئلة الإيمان.
أن أهم ما يعين على المعرفة هو امتلاك الوعي وتقدير أهمية الإقناع بالحجج والبراهين والأدلة، ربما تكون الأسئلة ساذجة ومخجلة من أن تسألها لأي إنسان. فلا جدوى منها!
أن الاحتماء من الأسئلة أو الخشية منها يشبه من يركب البحر ويخاف من قدح ماء، وعلى هذا الأساس تكون الحياة مذهلة ومرعبة وسمجة وتافهة وجميلة، نعم، أنها جميلة بجذوة ورغبة البقاء فيها، لذا تمسك بأسنان من حديد خشية ان تنهار هذه المتناقضات الثنائية.
كثير من الناس لا يفكرون بالموت كحقيقية وجودية ويظنون أنهم يعيشون الى الأبد، وهذا ضمن التمسك بها، لذا يكتفون بعدم ذكر الموت خشية الرعب منه، وهذا ما يعطي للإنسان سر التعلق بها والتخفي بثيمة النسيان والتجاهل عن عمد، وعن خوف من حقيقتها المرة،
أنه عالم مجهول لا يعلن عن إفصاحه في فج الأسئلة.
أن سر الموت لم يدركه الأولون ولا الآخرون، وغاص في ضيق المدارك والافتراضات التي يجتهد بها لكي يفهم التباسها على أجوبة مبهمة.
غالبا من يكون الشعور بالشفقة مرتكزا للعطف في تفسير خجول دون تقدير، ولكنه تجاهل عن ضعف، لان جدية الحياة لا تفصح عن الأشياء، بل تأخذ حيز المكان فيمن يفكر بها، وحيز الزمان فيمن ينساها، ولكن من النادر ان يتفوق الإنسان على ذاته بالاجتهاد النادر في مكنونات النفس . أن التفريط بالحياة فعل غبي، والأغبى نسيان النهاية.
.......................
جلال حسن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اختصار المقال.
سمير آل طوق البحراني ( 2019 / 5 / 21 - 06:48 )
بعد التحية. لقد اختصر الاما م علي (ع) هذا المقال بقوله: اعمل لدنياك كانك تعيش ابد واعمل لاخرتك كانك تموت غدا وهذه الحكمة تخص المومنين بالعودة بعد الموت والفناء. اما من لا يؤمن بالآخرة فهو في حل من جميع القيود الدنيوية الا القيود الاخلاقية الانسانية.ان ما نراه في هذا الزمن وبالاخص في العالم التاسلم الذي وضع عقله في ايدي دهاقنة الدين واصبح كـ الدمى تحركه متى شآءت بفتاوى لا قيمة لها ظنا منه انها الناطقة باسم السماء قد خسر الدنيا والآخرة ان كانت هناك آخرة وكان كما يقول المثل :لا حظت برجيلها ولا خدت سيد علي. هل حقا ان الله يحتاج الى مخلوقاته للدفاع عنه بتفجير انغسهم في دور العبادة وما هي الفآئدة المرجوة من تلك الاعمال. اما الموت والفناء فهما سنة الحياة لجميع الكآئنات بدون استثاء سوى كانت ذووي ارواح او جامدات.


2 - التمسك بالتعاسة
محمد البدري ( 2019 / 5 / 21 - 09:18 )
انا لا افهم فكرة التمسك بالحياه وصاحبها يعيش بتعاسة فيها. فلا هو قادر علي تغييرها ولا هم قادر علي التخلص منها.
ارعبه الكهنة واهل الدين والانبياء من الموت لابقائه حيا لامتصاص كل قطرة دم منه وكل ذرة تفكير يمتلكها، وجعلوه عاجزا امام ما لا يقدروا هم اساسا علي مواجهته.
خدعوه بالدين كما خدعه الكون بالوجود فيه.
ارعبوه في الاسلام بأسئلة الوجود، وأسئلة العدم، وأسئلة الإيمان وما بعد الموت فاصبح مشلولا يسلم امره لهم. ورغم ذلك دفعوه للجهاد، اي لقتل نفسه ليتحصل الاخرون علي مغانم هي اساسا ليست حقا لهم.
فما معني الحياة حاصة في بيئة اسلامية؟

اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??