الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصُّ و الأسلوب الجماعي/ قراءة في نصّ قصّصيّ

عماد نوير

2019 / 5 / 21
الادب والفن


انتظار
اهتُرئت كل الطرقات ، عيل صبرهم ، تسابق الأولون والآخرون ، وحده الأمل يعزيهم أن كلما طُرِق الباب ؛ بانت نواجذه .
هناء الركابي/ العراق
———————————————
القراءة
القصُّ والأسلوب الجماعي
—————————
انتظار وحدها مصيبة ترافق المحرومين و المعوزين و المخذولين و المستضعفين و المغدورين، و رغم أن الانتظار يحتمل الضّدّين معا، سلبا و إيجابا، إلّا أن الوقع السلبي يغلب دوما على أي مفردة ترد بهذا الخصوص!
ربما لأن التاريخ القصّصي يمتلئ بحكايا الانتظار الأبدي، الانتظار المجنون الذي يقعد له اليائسون كل العمر، يمنّون النّفْس بتحقيق المراد يوما، لكن النهايات كانت مؤلمة في أغلب الأحيان.
و انتظار النصّ هنا إشارة كبيرة لمأساة، و احتمال هزيل لفرج و تبديد كرب، فلو كان هناك اتساع سروري في جسد النص لما رأى الكاتب هذا العنوان له، رغم أنه يصلح إن كان في الحكاية انتظارا، لكن جزمنا يأتي من خلال فكرتنا الأولى، و الحالة النفسية و القناعة العميقة لكل كاتب، دون أن يدري سيطرة النص عليه من جانب الإسقاط الذاتي، و سيطرته هو على النص من خلال بناء الحكاية بالصيغة التي يراها تعجب قارئه.
نحن أمام قصة تاريخية مضغوطة، تحتمل أن تكون أممية، و تحتمل أن تكون محلية، و تحتمل حتى أن تكون فردية، أو سيرة ذاتية، مفردة تقبل كل التأويلات و كل التوقعات، مفردة استهلكتها الخواطر اليومية، لكنها بقت صامدة على الابتذال و الرخص و التداول الدارج و اللفظ العابر!

اهتُرئت كل الطرقات
جملة استهلال موفقة، قصيرة، سريعة، مضمرة، تحتاج إلى اتباع فوري لنسج خيوط الحكاية، ذكاء قلم قصّصيّ يبدأ بمجهولية الحكاية، فالفعل المبني للمجهول كان فخا لذيذا لاستدراج القارئ، و القسَم له بأن النص يحمل حكاية لابد أن تسرّه.
فالتهرّؤ عنوانا للخطأ و القبح كقولنا: هذا هراء، و التّهرّؤ يجوز إسقاطه على الجسم و الصّفة أو الإحساس، فكما القماش متهرئ الصبر تهرّأ هو الآخر!
لذا فيمكن القول أن الطّرقات التي تهرّأت قد تكون دروبا ملموسة و حقيقية و قد تكون وسائل بحثٍ فكري أرهقتها الأيام و أتعبتها العوائق.
عِيل صبرُهم
جملة قصيرة أخرى، تشير إلى البطل الذي جاء بصيغة الجمع، و هذا بالضبط ما نود التّطرّق إليه، فمثل هذه القصص التي تتكلم عن فكرة عامة تصلح لكل زمن و كل مكان و كل فرد، هي قصة الأفراد و الجماعات سواء، قصة تحاكي الكل، فحتما و لابد أن مرّ بالقارئ دهرا من الانتظار على حادث خلدَ في ذاكرته، ربما غيّر مجرى حياته، قطع وصل الانتظار بعد الإعياء الشديد، و استسلم للقدر ليعيش في كنف الغربة، الغربة التي لم يكن يتصورها يوما هدف حياته، لكنها واقعه و شخصيته التي لا يحبها الآن.
هذه القصص تبتعد عن تشخيص البطل، و الإشارة إلى الزمن إلّا بصورة ضبابية، القصد منها هو وجودها في كل وقت، دراما حسيّة يكتبها اللاشعور بطريقة تبتعد عن السّرد الذاتي، لكنها حتما تشي بشي من الواقع المحيط، فقد تشير إلى ظلم مذهبي أو عنصري أو طبقي أو حتى جنسي (النوع)، كالظّلم الاجتماعي و عقده المتراكمة للمرأة، أو ربما عاطفي، يجمع الكتّاب زفرات المظلومين من نيل حياة جميلة مع كفؤ اختاره العقل و القلب فلا تسمح به الظروف، دون التحقيق في كيفية ذلك.!
هذا النوع من النصوص قدرة ذكائية من كتّاب القصة لعرض خصائص معيّنة في قالب عام، و حكاية لها شخوص مجسدين و حياة معلومة، و عالم واقعي، يصوغها القاص بطريقة تبدو كما لو أنها نثر جميل يغازل الخيال و أبطال ليس لهم وجوه بيّنة!
قصص الجمع و الإجمال و السّرد عن أطياف بعيدين تضفي الطمأنية على قلب الكاتب و تخلّصه من اتهامات قد تضر حالته النفسية، فيدفع بالأفكار القريبة إلى قارات بعيدة عنه و عن قارئه، لكنها في الوقت ذاته ممكنة الحصول لو أُسقطت على واقعهم المعاصر.
في هذا النص
مزج جميل بين جعل النص ببطل جماعي يمكن إسقاطه على كل المجتمعات، و بطل فردي يبتسم عند طرق المنتظرون الباب، إنه الأمل الذي يلاطف المحرومين بابتسامة بسيطة نضرة و أسنان عاجية يهوّن عليهم خسارة العمر بلا طائل.


شكرا لكاتبة النص هناء الركابي و نتمنى لها جولات قادمة مع الأفضل دائما.
عماد نوير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال