الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجنون .. فنون

امين يونس

2019 / 5 / 21
كتابات ساخرة


لم أندهِش عندما لمحتُ من بعيد ، حمكو جالساً في مكانهِ المُعتاد في المتنزَه القريب ، تحتَ ظِل شجرةٍ وارِفة ، غارِقاً في تأمُلاته . غّيرتُ وِجهة سَيري بحيث لا يراني حين أقترب منهُ ، فوصلتُ خلفهُ مُباشرةً وصرختُ : مرحباً ! . فجَفلَ المسكين جفلةً هائلة ، مِمّا حدا بي إلى إطلاق ضحكةٍ طويلة . إصْفّرَ وجه حمكو .. فقلتُ لهُ :
- هل إرتَعَبتَ يارجُل ؟ أم ان إصفرارك ناجِمٌ عن العَطش بسبب الصَوم ؟
* ها أنتَ تقتربُ من السبعين .. وما زُلتَ تتصرفُ كالأطفالِ أحياناً . متى ستترك هذه العادة المُزعِجة ؟ اُنظر .. حتى أولئك الأطفال والمرأة التي معهم ، ضحكوا علينا ! .
- ولماذا أتركها ؟ صّدقني أنني أقوم بذلك يومياً وتُسّبِب لي السعادة والإنشراح .. فأخْتُلُ وراء الباب مثلاً ، وحين يدخل أحفادي أقوم بإخافتهم ، فيتصايحون لللحظات وأنا أغرقُ في الضحك ! . جّدتهم تقوم بتوبيخي كًلّما أقوم بذلك وتقول بأنني سوف اُسّبَب للأطفال عَوَقاً نفسياً . على أية حال ، بالنسبة لك لاخوفَ عليك من العَوق النفسي ، فأنتَ مجنونٌ أصلاً .. هه هه هه .
* طيب .. مادُمتُ مجنوناً كما تقول .. فما الذي يحدو ب " عاقلٍ " مثلك لمصادقتي ؟
- هه هه هه .. عاقل ؟ أي عاقل .. أنا أكثر منك جنوناً .. هه هه هه .
* ماذا دهاك يا رجُل ؟ هل شربتَ في النهار ؟
- كلا لم أشرب شيئاً . هل يبدو عليّ السُكر ؟
* أنكَ تضحكُ كثيراً وبصوتٍ مُرتفِع .. ما الذي يُسعِدُكَ إلى هذهِ الدرجة ؟
- وهل أصبحَ الضحكُ علامةً على الخِّفة ؟ أو السعادة دليل على الجنون ؟ .. كل ما في الأمر .. أشعرُ اليوم بأن صحّتي لابأس بها وليسَ عندي آلامٌ تُذكَر .. وفرحتُ من القلب لأني وجدتُكَ هنا في هذا المتنزه الجميل .. أليستْ هذهِ أسباب كافية لأكون مُنشرِحاً ؟ لكن قُل لي بربِكَ : بماذا كُنتَ سارِحاً ولم تشعر بوقوفي خلفك ؟
* كُنتُ اُراقِب العصافير وهي تحطُ على أغصان تلك الشجرة ثُم تنزل بحذر على الأرض لتلتقط شيئاً وتطير ... حاولتُ أن لا أتحركَ لدقائق عديدة ، بل حرصتُ أن لا أتنفس لأطول فترة ممكنة ... حتى اُجّرِب : هل ستقترب العصافير من المقعد الذي أجلس عليه ، لا سيما وهنالك الكثير من فُتات الصمون على الأرض ؟ هل ستثق العصافير بهذا الكائن أم تعتبر سكونه فَخاً لإصطيادها ؟ ... صّدِقْ .. قبل وصولك بفترةٍ قصيرة ، حّطَ عصفور جميل هنا على الأرض ، قُرب قدمي وألتقط قطعة من الصمون اليابس وطارَ ... لم يكن العصفور الصغير وحده سعيداً ، بل أنا أيضاً فرحتُ .. لأنني نجحتُ في التفاعِل مع جُزءٍ من الطبيعة . كُنتُ مُندَمِجاً تماماً مع ما حولي ومُستمتعاً بحفيف أوراق الشَجَر وزقزقة العصافير ... عندما شّرَفَ جنابك وأفزَعْتني وأفزعْتَ العصافير ، بصرختِكَ المدوية ! .
على أية حال ... لَسْتَ المُزعِج الوحيد هنا ، اليوم .. فعندما كُنتُ أتَصّنِع النوم وأقَلص فتحتَي عينَيّ ولا أتحرَك .. سمعتُ أحد أولئك الأطفال هناك يضحك ويسأل أمه : ماما ماما .. اُنظري ذاك الرجُل .. لماذا هو هكذا .. هل هو مخّبَل أم مريض ؟ نَهَرتْهُ أمهُ قائلةً : يظهر أنهُ مجنون .. لا تنظر إليه فرُبما يكون خَطِراً ... إلعب مع أخوك ولا تنظُرا إليهِ ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحلة عبر الزمن من خلال الموسيقى.. السوبرانو الأردنية زينة بر


.. السوبرانو الأردنية زينة برهوم تبدع في الغناء على الهواء في ص




.. السوبرانو الأردنية زينة برهوم تروي كيف بدأت رحلتها في الغناء


.. بعد استقبال جلالة الملك للفنان عباس الموسوي.. الموسوي: جلالت




.. صباح العربية | بحضور أبطاله ونجوم وإعلاميين ونقاد.. افتتاح ف