الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية ديسفيرال للكانتب نوزت شمدين

غادة عريم

2019 / 5 / 21
الادب والفن


قد يكون دواء المجتمع رواية تنبش في خفايا أمراضه المختبئة في ثنايا الخوف من التطرق إليها والبحث بها. كما قد يكون أسم الرواية دواء لمرض ينتشر بسبب الجهل. ذلك ما جذبني برواية ديسفيرال للكاتب نوزت شميدين, كوني صيدلانية أصابني الفضول لقراءتها والتعرف عليها وعن أهداف الكاتب.
تبدأ الرواية بأعلان ولادة فتتطاير الحلوى بها على الرؤوس لتكتمل بضربات أحزانٍ لا تنتهي على نفس تلك الروؤس و السبب هو أصابة الوليد بمرض الثلاسيميا . بنظري هي قصة ولادة مجتمع كامل مصاب بعدة أمراض و ليست فقط وليد مصاب بمرض واحد.
تتناول الرواية أثر الحروب على المجتمع و تفشي الأمراض به أثر تداعيات تلك الحروب وبالذات في مدينة الموصل. و من ناحيةٍ أخرى صراع بين أفراد الأسرة ونتائجه التي تتحكم بمصير الأجيال المتتالية. فكرة تلك الحروب أو الصراعات التي طرحها الكاتب محاولاً أن يتطرق لها من خلال قصة سليم و زاهدة إلى التداعيات و السلبيات التي يعيشها الإنسان في خضم النزاعات التي لا طائل من وراءها سوى الخسارات.
الفكرة الأخرى التي دخل بها الكاتب هي إنقلاب حياة سليم من المجون والسهر إلى التطرف الديني هي دراسة فلسفية لشخصية الفرد الذي تنكشف دوافعه التي نتعرف عليها عندما ننتهي من قراءة الرواية. ففي سياق الرواية نرى سليم ينقلب مئة وثمانين درجة, نحن لا نعلم سوى تسلسل الأحداث التي نقرأها و لكن حين نكتشف بالنهاية إن سليم أقترف جرماً بحق حبيبته وزوجته زاهدة نفهم لماذا يتمسك سليم بالدين بمحاولة منه لغسل ذنبه. ذلك المفهوم الساري في مجتمع يتمسك بظاهر التقاليد الدينية وينسى إن العدل هو أساس الدين فيتوه عن الفكرة الأساسية. وهذا أحد أمراض المجتمع التي يطرحها الكاتب بطريقة غير مباشرة بل بطرق مختلفة فتارة عن طريق أعطاء صورة سليم التقي الذي يحاول غسل ذنبه, أو عن طريق العلاجات التي يقدمها الشيوخ لمرض جابر التي تحمل إطاراً بعيداً عن العلمية و المنطق و عن طريق الحكم على الأشخاص بمظهر اللحى و السراويل القصيرة أو الصور المعلقة في البيت و عدد سجادات الصلاة. نعم كل تلك الصور طرحها الكاتب عن طريق عصابات تعمل بأسم الدين لكن لو جئنا إلى الواقعية فهناك العديد من الفئات المجتمعية التي تحكم وفق تلك المظاهر ومنهم من يحمل الشهادات العليا و يدّعي الثقافة. إن هدف الرواية كبير في مجال تشخيص الأمراض المجتمعية والتطرق إليها بصورة جريئة من خلال مرض جابر الذي أجاد الكاتب شد القاريء بها لقصة أنسان واحد وهو بالحقيقة يسلط الضوء على على عدة محاور تحتاج العلاج والتشخيص.
الرواية تشتمل على مواقف أنسانية وصور عديدة لما يمر به الإنسان في مواقف الحزن , الفرح, الخيبة, الحب , إستقبال الموت وتقبله وتقبل الآخر المحتلف عنّا. فسريان أرواح المتبرعين في جسد جابر تعطي فكرة عن تنوع البشر و إختلاف إتجاهاتهم ونمط حياتهم ولكنها كلها تتعايش في جسدٍ واحد وهو جسد جابر , ما هي إلا صورة مجتمع واحد يحتوي الكثير من الأعراق و الأديان ولكنه يتعايش ويتقبل الإختلاف. تلك الفكرة التي طرحها الكاتب هي تعايش مجتمع متجانس وتقبل جسد جابر لتلك الدماء رسالة يطرحها الكاتب لنبذ الرفض و الكره بين مختلف أنماط الفئات المجتمعية. فتارة يسري بجسده المسيحي وتارة المسلم ,تارة أخرى العالم و الجاهل, ومرةً أخرى إمرأة و رجل. تلك التناقضات التي أحتواها جسد جابر ممكن أن يحتويها شعب متعدد الفئات. فكلها ساعدت جابر على مجابهة المرض فهي بالتالي تساعد المجتمع لتخطي الصعاب و مجابهة الأمراض لو تعاونت, هذه الفكرة الرائعة التي طرحها الكاتب بطريقة غير مباشرة لا يشعر بها إلا من يقرأ الرواية بتعمق. بقيت الفكرة سّراً عند جابر لكنه أستطاع أن يفشيه إلى صديقه الوحيد الذي يثق به فتصبح فكرة الثقة مفتاح للمواجهة, لو تعلمنا من هذه الفكرة التي يطرحها الكاتب لتخطينا الكثير من المشاكل التي نظنها مستعصية.
بعد علاج جابر من الجن على يد الإمام يصبح نظيفاً و لن يصدر عنه ما يريب هذا ما يتوهمونه حين يطنون إن جِنّ مسيحي يتلبسه. لكن جابر يكتشف بأن الكلمات أكثر شيء يخشاه الناس فيتعلم الصمت ويببقي كل شيء بداخله. هذا ما تعلمناه بمجتمعنا الصمت الذي جعلنا نخسر الكثير و السكوت عن الحق ضياع و تخلي عن الحقوق. تلك الصورة التشخيصية التي طرحها الكاتب مرض مستعصي في مجتمعنا.
تصوير الكاتب لجسد جابر في درس الدين على إنه فزاعة تخويف حين يشير المعلم إليه على إنه غضب الله ما هو ألا تشخيص لمرض مجتمعي بإستخدام الدين للتعذيب والتخويف بدلاً من كونه مانح سلام للروح وإطمئنان للنفس.
يقول الكاتب عن لسان جابر أتمنى لو أختار المتبرعين لدمي لأخترت أناساً طيبين أوراوحهم نقية و مليئة بالبياض. ويحدث ذلك بعد أن يكتشف جابر سرّ والده حين يتبرع له بالدم. فهل نستطيع فعلا أختيار كل من حولنا في الحياة ..أفكار عديدة تحوي الرواية لمن يتأمل مقاطعها.
رواية ديسفيرال ليست رواية مصاب بالثلاسيميا فقط و معاناته ,نعم هي رسالة مرضى الثلاسيميا لكنها رواية تفتح آفاق مجتمع بجميع جوانبه و أمراضه. تمّكن الكاتب بأسلوبه الرائع الذي جعلني أحمل الرواية معي في كل مكان أذهب اليه إلى إيصال عدة أفكار وتشخيص عدة عقد سلبية في المجتمع بالاضافة لتلك الرسالة السامية التي ينقلها عن حاملي هذا المرض. وعندما أكملت الرواية لينتهي فضولي عن سبب تسمية الرواية بأسم دواء و يبتديء فضول آخر لأيجاد دواء لتلك الأمراض التي شخصها الكاتب بكل دقة في مجتمع يعاني الجهل والضياع من جراء الظلم والحروب. رواية تستحق القراءة حقاً وكان لي شرف لقاء الكاتب و الحصول على الكتاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: تكريمي من الرئيس السيسي عن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: نفسي ألعب دور فتاة




.. كل يوم - دوري في جمال الحريم تعب أعصابي .. والمخرجة قعدتلي ع


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بنتي اتعرض عليها ب




.. كل يوم-دينا فؤاد لخالد أبو بكر: أنا ست مصرية عندي بنت-ومش تح