الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوارات فكرية من اجل اشتراكية بضفاف واقعية

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2019 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


حوارات فكرية من اجل اشتراكية بضفاف واقعية....
أن تصور امكانية نجاح حزب شيوعي قائم على اساس التمسك والانصياع التام لنصوص فكرية ايديولوجية ولدت في ظروف اخرى لتحاكي واقع اخر، مهما كانت رصانة ومنطقية تحليلها لتلك الظروف وتنبؤها بتغير ذلك الواقع، لتطبقه في واقع جديد وحقبة تاريخية تغيرت فيها الكثير من سمات النظام الاجتماعي الاقتصادي والسياسي هو ضرب من الخيال.
كتب انجلز في مقدمته لطبعة جديدة من كتاب كارل ماركس "النضال الطبقي في فرنسا 1848-1850" : " بين التاريخ اننا لم نكن على حق وان وجهة النظر التي كنا نتمسك بها كانت وهما من الاوهام . بل ان التاريخ سار الى ابعد من ذلك ، فهو لم يبدد ضلالنا انذاك وحسب، بل غير ايضا، بصورة تامة، الشروط والظروف التي ينبغي للبروليتاريا خوض النضال في ظلها. فإن وسيلة النضال التي استخدمت في عام 1848 قد شاخت الآن من جميع النواحي، وهذه النقطة تستحق، والحالة هذه، دراسة أكثر إسهابًا".
وفي مقدمته للطبعة الاخيرة للبيان الشيوعي في نهاية القرن التاسع عشر كتب انجلز: " لو تسنى لنا انا وماركس ان نكتب البيان الشيوعي من جديد لكتبناه بطريقة اخرى، ولكني اقدم له اليوم فقط كوثيقة ذات اهمية تاريخية....."
الحديث هنا عن الاشتراكية كفكر اجتماعي اقتصادي وسياسي في تجلياته المكانية والزمانية وهو لا يطعن بالمنهج العلمي للاشتراكية وخاصة بمرجعيتها الماركسية. وبمناسبة المرجعية فاني ادعو ان لا تكون مرجعية الاشتراكيين محصورة بفكر ماركس وانجلس لنتحول بالتالي الى تيار ديني يخضع خضوعا مطلقا لمرجعية بعينها دون غيرها. لذا ادعو لفتح الابواب مشرعة امام اي قراءات جديدة للواقع تلتزم بالمنهج الاشتراكي القائم على اساس العدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي.
قراءات تهتم بمصالح البروليتاريا، بالفهم الماركسي لها كما جاء في البيان الشيوعي (أي ان كل من يبيع قوة عمله سواء الفكرية او المهنية الفيزيائية لصاحب العمل ينتسب للبروليتاريا) وليس بالتفسير اللينيني الذي يستثني من طبقة البروليتاريا كل الفئات الاجتماعية التي تبيع قوة عملها الذهني بما فيها الاطباء والفنانين والمهندسين لقاء الحصول على مرتب. اي أن نهتم اليوم، كما كنا بالامس، بمصالح اغلبية المجتمع في مسار تطوره السابق للاشتراكية. ويجب ان لا ننسى ابدا ان ماركس لم يعرف اية طبقة اجتماعية بمستوى حياتها، فليس امتلاك بيت او مزرعة او سيارة او جهاز موبايل هو الذي يجعل البروليتاري يكف عن كونه بروليتاريا.
لكي ننتصر يجب ان نكون واقعيين دوما وكما يقول المثل الانكليزي الذي احب انجلز ان يردده دوما هو " ان الدليل على وجود الحلوى هو ان نتذوق طعمها..." أما ان نطلق للخيال ان يرسم واقع نحلم به فهذا حق يملكه الكثيرون ولكنه لا يحدد مصير الواقع.
في سبعينيات القرن الماضي وبينما كنت اقضي فترة انجاز بحث الماجستير في كازاخستان التي كانت سوفيتية وقتها، وفي ليلة من الليالي الصيفية كنت نائما في قسم داخلي للطلبة، سمعت طرقا عنيفا على باب القسم الداخلي وسمعت محادثة بين مشرفة القسم واناس غرباء يسألون عني. نهضت مذعورا ولبست ملابسي بسرعة لانزل لاستقبال الغرباء الذين سألوني حال نزولي من الطابق الثاني الذي كنت اسكن فيه، أن هل انا جاسم العراقي، لفأجبتهم بأني جاسم واني فعلا من العراق فطلبوا مني ان ارافقهم لأنهم يؤبنون شخصا توفى من اقربائهم وسيكون لهم الشرف ان يحضر عربي مسلم في وداع قريبهم.
لم امانع، خاصة وان المسألة انسانية وطبيعة عملي كباحث ماجستير كانت تسمح لي ان اتأخر بالنوم ان تطلب الامر بعد عودتي من انجاز ما طلبوه مني. كان الامر بسيطا فلم يكن هنالك من يقرأ القران على الميت وبما اني عربي فان قراءتي ستنفتح لها السماوات، حسب زعمهم، قرأت لهم بعض السور من القران الكريم وبعد ان اكملت طلب مني احدهم ان ارجو من الله ان يدخله الجنة. فكرت قليلا ان كيف لي ان افهمهم بأن الله يحاسب الناس على اعمالهم وان امانينا ليست سوى محض هراء ما دمنا نقر بعدالة الله. ولكني مع ذلك قررت ان من الاسلم لي والافضل للمودعين هو ان ادعو للمتوفي بأن يكون مثواه الجنة وانتهى الامر بعودتي سالما الى القسم الداخلي لأستمر بنومي وتستمر الحياة بدورتها العادية بين الموت والحياة.
أن نعيش على الاماني شيئ وان نحاول فهم الواقع كما هو حتى وان لم يتطابق مع امانينا شيئ اخر، ولكن هذا الشئ الاخر هو الدافع الحقيقي نحو التغيير....لقد انتهى العالم القديم، كما يكتب بوريس باسترناك في "الدكتور جيفاكو" بانتهاء روما التي كانت سوقا للالهة المستعارة والشعوب المقهورة، ومحلات للبيع والشراء ذات طابقين: الارض والسماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالتك-ابو نصيف-بشقيها جميله وعميقه-الحمد للعقل
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2019 / 5 / 22 - 01:29 )
ان خليت قلبت كما قال اجدادنا-عسى ان يكفر عدد الناس الواعون وان يتذكر التقدميون منهم ان اهم مافي الماركسيه=الوجود يحدد الوعي -عزيزي استاذ جاسم اذا كان الاخوه طلبوا منك ان تقراء القراءن فانا في اول زيارة لي لموسكو عام 1957 لمهرجان الطلبه والشباب العالمي وكنت جريحا -مكسور عظم الفخذ والركبه ومعالج بصوره مشوهة فما انتهى المهرجان حتى انتجت وساطة صديقي المغدور الشهيد د صفاء الحافظ لارسالي لمستشفى ومعالجتي-في سيارة الاسعاف استقبلني طبيب سوفيتي مسلم اسمه احمد وماان عرف اني مسلم وعراقي حتى اخذ يتودد ويقول متى تاءتون لتحريرنا-فاستغربت وقلت ولكننا نحن نطلب عون الاتحاد السوفيتي في نضالنا للتحرر-ناهيك عن قصص كثيرة اخرى اخذت تكثر حينما اضطررنا لرؤية بلدان-الراءسمالية المتعفنه-التي لازال يكتب عنها هكذا للاسف الشديد بعضنا وهو يعيش فيها ويتنعم ببعض فائض القيمه الذي ينتجه عمال اليد والفكر فيها في ظل هذه الثورة الانتاجية الهائله التي لم يكن للعبقريين ماركس وانجلز ليتصورانها في عهدهما -عهد المانيفاكتوره وبدايات الثوره الصناعية الممكننه - لماذا كفرة من ربعنا لايريد ان يرى التغيرات الكمية بل والنوعية ا

اخر الافلام

.. هل يُحطم رياضيو أولمبياد باريس كل الأرقام القياسية بفضل بدلا


.. إسرائيل تقرع طبول الحرب في رفح بعد تعثر محادثات التهدئة| #ال




.. نازحون من شرقي رفح يتحدثون عن معاناتهم بعد قرار إسرائيلي ترح


.. أطماع إيران تتوسع لتعبر الحدود نحو السودان| #الظهيرة




.. أصوات من غزة| البحر المتنفس الوحيد للفلسطينيين رغم المخاطر ا