الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لديمقراطية واشكالية الدولة (العراق نموذجا)1-3

سامي عبدالقادر ريكاني

2019 / 5 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


الديمقراطية واشكالية الدولة
(العراق نموذجا)1-3

بنى الغرب دولا مدنية مؤسسية عبر ترسيخ ثقافة الديمقراطية والمواطنة وذلك بعد صراع مرير قادها دعاتها ضد الدولة التي كانت تحكمها الثنائي السلطوي الديني والملكي الاستبدادي والدكتاتوري باسم التفويض الالهي، ولكن في الشرق بقي مشكلة التحول الى تلك الدولة امرا عسيرا حتى مع توريد ثقافة واليات الديمقراطية الى هذه المنطقة ومضى حلم الدولة المدنية امرا مستحيلا، فماهي الاشكالية؟.
نردد القول كثيرا خاصة في الاونة الاخيرة في محاولة منا لتحميل الديمقراطية نفسها المسؤولية عن عدم تحول الدول الشرقية الناشئة بعد الاستعمارالى دول مدنية مبرهنين ذلك عبر تصوير معادلة توصلنا الى هذه النتيجة، والمعادلة هي ان الاتيان بالدولة المدنية بحاجة الى مجتمع وسلطة ديمقراطية متشربة لثقافة المواطنة، ومسالة توريد الديمقراطية ووضعها في دساتير من ثم القيام بانتخابات عامة يشارك فيه المجتمع لايعني باننا اصبحنا ديمقراطيين، فالديمقراطية ثقافة مجتمعية تعمل على ترسيخ مفهوم وهوية المواطنة التي هي عنصر ومقوم اساسي لقيام الدولة المدنية المتجاوزة عن كل الثقافات الهوياتية الاخرى القائمة على العرق او الطائفة..الخ المعيقة لاقامة هذه الدولة،وذلك قبل ان تصبح نظاما اوالية للحكم، بهذا نذهب الى استنتاج مفاده "انه لابد من احياء ثقافة الديمقراطية بين الشعب قبل ان تصبح تلك الديمقراطية نظاما وفلسفة للحكم.
ومنا من ذهب لتحقيق ذلك بوضع برنامج مكون من عدة مراحل يرى بانه لابد للمجتمع ان يمر بها قبل الوصول الى مبتغى الدولة الديمقراطية المدنية وتلك المراحل هي: اولا: مرحلة نشر ثقافة الديمقراطية والمواطنة مستهدفين في ذلك البنية المجتمعية التحتية وليست الفوقية بغية تاهيلهم للمرحلة المقبلة . ثانيا: البدء بازاحة الثقافات الهوياتية السائدة المعيقة لثقافة المواطنة وبكل اشكالها وبصورة تدريجية، ثالثا: البدء بمرحلة تحرير الشعوب من كل قوة وسطوة سلطوية مستبدة ومن كل ماتبقى من فتات الثقافات البالية التي تمد استبداديتهم، وتهيئة الارضية ليتذوق الفرد والمجتمع طعم الحرية. بهذا سنكون قد وصلنا الى مرحلة الاستعداد التام لبناء الدولة المدنية المنشودة.
وان البعض منا يبررون وجهة نظرهم مستندين في رؤيتهم على حجة مفادها ان الديمقراطية الشرقية فشلت لانها :ديمقراطية اللاديمقراطيين" لكونها مستوردة وليست اصيلة وان دعاتها يريدون فرضها عبر البنية الفوقية للمجتمع أي عبر السلطة قبل نضج ثقافتها في الوعي المجتمعي، لذلك فهؤلاء ينعتون ديمقراطية الشرق بانها "ديمقراطية المستبدين" وانها لاتقضي على الدكتاتوريات بل اصبحت مفقسا لدكتاتوريات متعددة الالوان والاشكال والاحجام ترسخ من الثقافة القديمة المناهضة والمقاومة لثقافة الدولة المدنية المنشودة، ويبرهنون على ذلك بالاشارة الى الواقع العراقي كنموذج لفشل هذه الديمقراطية.
ففي العراق الذي جيء بديمقراطيتها على الدبابة الامريكية لتحل محل نظام دكتاتوري اذاق شعبه اصناف من العذاب اضافة الى توظيف دماء شبابها التي اهرقت في حروب خاض بهم لاهداف شخصية نرجسية لاناقة لهم فيها ولا جمل، ولما امسى ذلك النظام الدكتاتوري والذي تمنى شعبه ان يصحوا على صباح ديمقراطي يعيد ايامه التي اخذت منه ويرجع له وطنه، فاذا به بعد ان تخلص من دكتاتور واحد ليجد نفسه في مواجهة سرب من الدكتاتوريات المتنوعة في الوانها واشكالها، والتي صعدت الى سدة الحكم عبر ما اتيح لهم النظام الديمقراطي الشكلي المستورد من فسح المجال للمشاركة الجماعية المتعددة والمتنوعة والمتباينة في ولائاتها واهدافها ومرجعياتها لتنافس على السلطة وتاخذ لها مكانها في القيادة عبر السلطات الثلاث (القضائية، التشريعية، التنفيذية) وبعدها لتتحكم وتتغول في كل مؤسسات الدولة عبر الاستحواذ على المهام والمناصب الحساسة ووفق توافقات محاصصاتية حزبية تغذيها ثقافة المجتمع القائم على ثقافة ومرجعيات طائفية وعرقية استبدادية لا تبدا ولاتنتهي اوامرها الا عند قياداتها العائلية التي تقف خلف كل منها مليشيات مسلحة تعمل باسم الجيش الوطني، وبهذا تحول العراق والوطن ليصبح مقسما واقعا، داخليا (مؤسسيا وجغرافيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا، وامنيا) وخارجيا بين الولائات الاقليمية والدولية، فالواقع العراقي بعد كل عملية انتخابية اما انه يقسم او في طور تقسيم المقسم او في افضل الحالات تدمج بعض التقسيمات لاجل اعادة هيكلة تقسيمات اخرى جديدة وبطرق اخرى سواء على المستوى الداخلي وبين القوى المتحكمة بالواقع العراقي او على المستوى الخارجي الذي يتحول مواقفها بين الولاءات الاقليمية والدولية .
اذن وفق الرؤية هذه اصبحنا امام دولة قبلية تحكمها عائلات متعددة لا دولة مدنية قائمة على ثقافة المواطنة، فباسم الديمقراطية الشكلية في العراق وباسم الانتخابات الدورية صعدت الى سدة الحكم شلة من السياسيين وبقيت في مكانها ولم تتغير الا عبر تغيير الادوار والمناصب كنوع من التحايل على شكليات الديمقراطية القائمة في البلد والتي تحولت بعدها ليغير الماسك بالمنصب سلوكه فمره في الواجهة يدير مهامه ومرة خلف الواجهة ومن ثم العودة الى الواجهة الامامية مرة اخرى، ومن ثم تحول المنصب بعد جيل ليصبح وراثي تنقل من الاباء الى الابناء اوالاقارب، واذا لم يروا في دورة انتخابية منصب لاحد افراد الاسر او العوائل المتحكمة، فلا بد من خلق منصب له ووفق مقاس عائلته والا فلن تشكل الحكومات الجديدة، لذلك بعد كل انتخابات جديدة يتاخر تشكيل الحكومة سنة او اكثر بحيث لايبقى للدورة التي بعدها الا سنة، خاصة اذا اضفنا الى مدة التاخير مدة ترتيبات تسليم المهامات الاخرى الفرعية ومايرافقها من اتفاقات ومساومات وتدريب وتعليم الجدد على كيفية القيام بمهامهم ناهيك عن اسراب الزيارات المتنوعة الاهداف التي تتوافد على مكتباتهم من اجل التملق والبحث عن مدخل او مخرج للمشاركة في الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة.
ووفق الحقيقة المرة اعلاه للواقع العراقي، اصبحت للمعادلة اعلاه مناصرين كثر خاصة من بين النخب المثقفة والاكاديمية ويشاركهم في ذلك اصحاب المصالح والمستفيدين من الواقع الحالي، اضافة الى الحركات والاحزاب الطفيلية التي تتبدل ادوارها بين الحين والاخر مرة مع الشعب ضد السلطة ومرة مع السلطة ضد الشعب مستفيدة من حالة عدم الاستقرار للعلاقة بين السلطة والشعب لايصال بعض رموزها الى مناصب سلطوية مايلبث ان ينخرط في المنضومة الفاسدة ويتخلى عن حزبه ليبحث له عن مكان من بين الاحزاب الكبيرة ليحافظ على امتيازاته ويحمي نفسه وفساده من الملاحقة القانونية بعد انتهاء دورته الوظيفة التي حظي بها سابقا ، وحتى التوجهات ذات العقلية الارجائية من الحركات الاسلامية ومعهم الاسلام الرسمي التي تسمى نفسها بالاصلاحية فمع كونهم لايؤمنون بالديمقراطية الا كضرورة مرحلية الى حين التمكين الا انهم مع هذا يميلون الى هذه المعادلة لكونها تتوافق مع استراتيجيتنهم الاصلاحية التي عندهم تبدا من الفرد والعائلة وصولا الى السلطة.
والطامة الكبرى ان ذلك الشعار تمكن في الاونة الاخيرة حتى من اليسيطره على الوعي الجمعي للمجتمع ، واصبحت نغمتها من اكثر السيمفونيات الموسيقية التي تسمع من افواه العامة، وحتى من افواه رجالات السلطة واحزابهم الذين باتوا هم اكثر من يرددونها وبكل ثقة، بل ويشجعون على الاستماع الى هذ النغمة، وذلك لكونهم اكثر المستفيدين من هذا التوجه ولكونها تعزي الكثير من فشلهم الى شعوبهم وتحملهم تبعات ذلك وترفعها عن كاهلهم، وايضا لكونها تتطلب تاجيل وتغير الوجهة في الاصلاح من استهداف السلطة الى منحها الحجج والاعذار وتقديم التبريرات عن كل فسادها وتجاوزاتها في حق الشعب والوطن التي اقدموا عليها او التي سيقدمون عليها الى حين تمكين ثقافة الديمقراطية في المجتمع ، ومقابل ذلك تحول اللوم الى الشعب و يفرض عليهم التحلي بالصبر والتاني في الاصلاح والابتعاد عن اي تصرف عنفي، وليس ذلك فقط بل حتى اصبح لزاما على دعاة التغيير طلب العون من تلك السلطات الفاسدة حتى يستطيعوا من اتمام هذه المهمة وتجاوز مراحلها!!، فهل انت مع هذا التوجه؟. نهاية الحلقة الاولى
في الحلقات القادمة: والتي ستضم الاتي:
الحلقة الثانية:...............: قوة وضعف المعادلة- نقد المعادلة وطريقة معالجتها للقضية
الحلقة الثالثة.............. البدائل وترجيح البديل الافضل من بين البدائل المطروحة وفق رؤيتنا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات الطلاب الأمريكيين ضد الحرب في غزة تلهم الطلاب في فرن


.. -البطل الخارق- غريندايزر في باريس! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بلينكن في الصين.. مهمة صعبة وشائكة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بلينكن يصل إسرائيل الثلاثاء المقبل في زيارة هي السابعة له من




.. مسؤولون مصريون: وفد مصري رفيع المستوى توجه لإسرائيل مع رؤية