الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تمثال الحرية كان منحوتا لقناة السويس

أحمد الخميسي

2019 / 5 / 23
الادب والفن


بفضل شق قناة السويس تم بناء دار الأوبرا المصرية، وبرزت " أوبرا عايدة "، وقد لا يعلم البعض أنه بفضل القناة أيضا تم اعداد تمثال الحرية الأمريكي الشهير الذي يزين مدخل نيويورك، لأنه كان معدا في الأساس ليوضع في مدخل قناة السويس!
في حينه استولى على الخديو اسماعيل – وهو الذي درس في باريس - حلم قوي بأن يجعل من مصر " باريس الشرق"، وأن يراها لؤلؤة مشعة بكل مظاهر الحضارة، وسيطر عليه ذلك الحلم إلي درجة جعلته : " يغامر بعرشه " كما يقول عبد الرحمن الرافعي في كتابه " عصر اسماعيل"، فعزل فيما بعد ونفي وقضى ما تبقى من حياته وحيدا في قصر بتركيا حتى توفي وعاد جثمانه إلي مصر ليدفن في مسجد الرفاعي. في إطار حلمه الكبير أنشأ الخديو اسماعيل أولا مسرح الكوميدي بالأزبكية واحتفل بافتتاحه في 4 يناير 1868 ، ثم بنى دار الأوبرا بعدها بعام ، ويذكر المؤرخ عبد الرحمن الرافعي أنه تم بناء الدار في خمسة أشهر فقط ، وبلغت تكاليفها مئة وستون ألف جنيه و: " جلبت لها الحكومة الجوقات الأجنبية وأغدقت الأموال والهبات عليها ، فبلغ ما صرف على أفراد إحدى الجوقات في شتاء سنة من سني إسماعيل 120 ألف جنيه ، ولا غرابة في ذلك فإن الممثلة الواحدة كانت تأخذ أحيانا الف ومائة جنيه في الشهر"! وكان في خطة الخديو أن تبدأ دار الأوبرا بعرض مصري احتفالا بافتتاح قناة السويس، فكلف مسيو" أوجست ميريت" ( 1821- 1881 ) عالم المصريات الفرنسي بكتابة قصة تصلح لذلك وكان مسيو" ميريت" موفدا من الحكومة الفرنسية لدراسة الآثار المصرية لكن عشقه لمصر جعله يقيم فيها بصفة دائمة، فأنشأ أول متحف مصري، وتقديرا لخدماته الجليلة حاز على لقب باشا. المهم أن ميريت كتب قصة للأوبرا استلهم أحداثها من تاريخ مصر بعنوان" آييدا " أصبح " عايدة " فيما بعد وهو اسم أميرة أثيوبية. وتصور القصة انتصار الجيش المصري على الأحباش والغرام الذي نشب بين" آييدا " الأسيرة الحبشية و" راداميش " قائد الجيش المصري، وانتهاء ذلك الغرام بقرار الكهنة إعدام القائد لتورطه مع " آييدا " في محاولة الهروب. عندما أصبحت القصة جاهزة كلف الخديو اسماعيل الموسيقار الإيطالي فيردي ( 1813-1901). بوضع موسيقا الأوبرا خصيصا لافتتاح القناة ، وكان فيردي طماعا فاصر في التعاقد مع ممثلي الخديوي على استلام مكافأته عن التأليف وقدرها مئة وخمسين ألف فرنك سبائك من ذهب خالص وكان له ما أراد ! وتولى صياغة القصة شعرا غنائيا الشاعر الإيطالي أنطونيو جيالانزوي وكان صديقا لفيردي . لكن وعكة صحية ألمت بالموسيقار الإيطالي عطلته عن تقديم " عايدة " في موعدها ، فتم افتتاح الدار بأوبرا " ريجوليتو " وهي من تأليف فيردي أيضا ومأخوذة عن قصة الملك يلهو لفيكتور هوجو. وأحاطت بحفل افتتاح القناة أساطير وحكايات عن المال والهدايا والملوك والزهو الذي أحسه الخديو اسماعيل وهو يرى أنه أصبح في مركز اهتمام العالم يحس البهجة وهو جالس بجوار"أوجيني" إمبراطورة فرنسا الرائعة الجمال، وبجوار فرانسوا جوزيف إمبراطور النمسا، والأمير فريدريك ولهلم ولي عهد بروسيا ، وبالطبع مسيو فريدناند دي ليسبس صاحب امتياز القناة، والجنرال إجناتييف سفير روسيا في الآستانة وعقيلته، بل وبحضور أسطورة النضال الأمير عبد القادر الجزائري! وعرضت أوبرا عايدة، التي خلدت اسم فيردي من بين أعماله كلها بعد ذلك بعامين في ديسمبر عام 1871 ، واستدعى الخديوي لأجلها مشاهير المغنيين والمغنيات من أوروبا وأمر بصنع الملابس والمناظر في باريس، وكانت البطلة الثانية في العمل ترتدي إكليلا من الذهب الخالص! بينما تسلح القائد راداميش بأسلحة من الفضة النقية وتناقل مراسلو الصحف الأوربية أنباء العرض ، فأحدثت أثرا مدويا في أوروبا .
بعد الاحتفال بافتتاح قناة السويس في نوفمبر 1869 ، عادت الامبراطورة " أوجيني" إلي فرنسا مبهورة بكرم الخديو اسماعيل ولطف أخلاقه معها، وأرادت وقد غمرها الامتنان أن ترد للخديوي إسماعيل بعضا من أفضاله فكلفت النحات الفرنسي فريدريك بارتولدي بأن يصنع تمثالا ليوضع في مدخل قناة السويس يمثل فلاحة مصرية بغطاء رأس فرعوني وقد رفعت ذراعها تحمل شعلة الحرية. وانتهى النحات من عمل التمثال وسمي " مصر تنير آسيا "، لكن الحرب نشبت بين فرنسا وبروسيا فعطلت وصول التمثال إلي مصر! وانتهزت " رابطة الصداقة الفرنسية الأمريكية" الفرصة وطلبت من النحات أن يدخل بعض التعديلات على التمثال لارساله إلي أمريكا مادام أنه لن يصل لمصر في كل الأحوال! وبالفعل أدخل فريدريك بارتولدي بعض التعديلات على التمثال فأضاف زيادة إلي طوله، ونقل الشعلة من يد إلي أخرى، وغير الرداء بحيث لا يشبه أردية المصريات، وتم إرسال التمثال إلي أمريكا ليستقر في مدخل نيويورك مطلا على المحيط الأطلنطي ليشتهر في العالم كله باسم " تمثال الحرية".
هكذا تحرك موج القناة ينتقل بالفن من فيردي إلي تمثال " مصر تنير آسيا " ثم تمثال الحرية.
د. أحمد الخميسي. كاتب وقاص مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان بانكسي يفاجىء جمهور فرقة موسيقية بإلقاء قارب مطاطي عل


.. كاظم الساهر: الجمهور المصرى راق وحفلى كان بمثابة -عرس




.. العراق. أيام التراث الموصلي مهرجان لنشر تقاليد وثقافة الموصل


.. إليكم ما كشفته الممثلة برناديت حديب عن النسخة السابعة لمهرجا




.. المخرج عادل عوض يكشف فى حوار خاص أسرار والده الفنان محمد عوض