الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدام حضارات ... وصدام قوانين

كوردة أمين

2006 / 5 / 4
حقوق الانسان


ماذا يحدث لو طبقنا قوانيننا الاسلامية في إحدى دول ( الكفر ) كالسويد مثلا... حيث أقيم ؟

سؤال قفز الى ذهني وأنا أقرأ خبرا منشورا على صفحات إحدى الصحف الواسعة الانتشار في السويد (أفتون بلاديت aftonbladet ) .
يقول الخبر إن أحد أئمة المسلمين في السويد قدم طلبا للاحزاب السويدية الممثلة في البرلمان يطالبهم بتطبيق القوانين الاسلامية على المسلمين المقيمين هناك , وبتغيير قانون الأسرة السويدي لكي ينسجم مع تلك القوانين الاسلامية , وقد قوبل طلبه بالرفض من قبل وزيرة الهجرة السويدية معللة ً ذلك بأن هناك قانونا واحدا واجب التطبيق على الجميع وهو القانون السويدي ولا يمكن السماح لغيره.

تأملت الخبر جيدا ورحت أتخيل ما سيحدث فعلا في السويد لو سمحت الحكومة السويدية بتطبيق القوانين الاسلامية على الجالية المسلمة هناك , بما فيها قوانين الأحوال الشخصية وأحكام الحدود والقصاص , ودخلت في مقارنة بين قوانيننا وبين قوانين بلادهم (الكافرة) , ومدىالاهتمام بالانسان وبحقوقه وفقا لقوانين الجانبين , فتهت في لجة المفارقات والتناقضات والاختلافات بين نظرة كلا الطرفين من الانسان وحقوقه . وتوصلت بعد تفكير الى نتيجة , وهي أنه في حالة الموافقة على تطبيق القوانين الاسلامية في السويد أو في أي بلد من بلاد ( الكفر أو الحرب ) كما يصفها شيوخ المسلمين كالقرضاوي واسامة بن لادن والظواهري والزرقاوي والشيخ الأمين الحاج محمد والمفكر الشيخ عبد الصبور شاهين.... وغيرهم ممن إبتلت بهم وبفتاويهم الشعوب الاسلامية المغلوبة على أمرها والعالم بأسره , والأخير ( الشيخ شاهين ) أفتى قبل مدة من خلال شاشة فضائية العالم بإبادة طائفة دينية معينة ( أو نحلة كما أصر هو على تسميتها ) عن بكرة أبيها , بطريقة رقيقة حضارية مبتكرة وهي (باسدال الستار عليها ) لان أفراد هذه النحلة كلهم - حسب رأيه - وحتى الطفل الرضيع منهم , خونة وعملاء لأسرائيل !!
أقول ... بعد تفكير وجدت إن تطبيق قوانين المسلمين في ديار الكفر - السويد أو غيرها - سيؤدي الى دخول تلك الدول في دوامة من المشاكل التي ليس لها أول ولا آخر , وستجد نفسها في حلقة مفرغة يصعب عليها الخروج منها !

لنفترض إن السويد وافقت فعلا على تطبيق القوانين الاسلامية على الجالية المسلمة هناك , ولنفترض مثلا أن رجلا من المسلمين وفي سورة من الغضب ضرب زوجته ... و له ذلك وفق الشريعة الاسلامية (السمحاء) التي أعطت الرجل الحق في (تأديب الزوجة) , فماذا يكون موقف السلطات السويدية حينئذ إذا علمت بالأمر ؟ هل تقف متفرجة وتقول للمرأة : لا شأن لنا بك , أذهبي الى إمام المسجد ليقضي في أمرك , أم تعتبر هذا الفعل جريمة , وإساءة معاملة للمرأة , يعاقب عليها القانون السويدي ؟ ففي بلاد (الكفر) يتساوى الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات , للمرأة ما للرجل وعليها ما عليه , ولا تعتبر هي نصف الرجل ولا يعادل هو إمرأتين , وليس رجالهم قوامين على نسائهم .

واذا أخطأ طفل من أطفال المسلمين وأراد أحد الأبوين تقويم إعوجاجه وتأديبه بأحدى الطرق المعهودة في ثقافتهم , كالضرب مثلا , فماذا سيكون رد فعل السلطات السويدية وهي التي تعتبر حقوق الطفل من المقدسات التي لا يجوز لأحد المساس بها ؟ هل ستغض النظر وتقول لهم : هذا شأنكم , إفعلوا ما طاب لكم بأبنائكم , لكم قوانينكم ولنا قوانيننا ؟

وماذا لو توفي الأب المسلم وترك ثروة لأولاده ؟ كيف ستنظر الحكومة السويدية الى مسألة توزيعها ؟ إن هي لم تكترث بكيفية توزيع هذا الارث على الأبناء باعتبار إن لكل انسان الحق في كتابة وصيته قبل مماته وإعطاء ثروته لمن يشاء , فكيف نقنعها وهي ( الكافرة ) بأن الأبن هنا قد أخذ ضعف ما أخذت البنت لأن قانون المسلمين يقول إن للذكر مثل حظ الأنثيين ! ألا يوقعها هذا في حيرة وتخبط شديدين ؟

ماذا لو أراد أهل الفتاة المسلمة إجراء الختان لإبنتهم حسب العادات والتقاليد المتعارف عليها عندهم لما فيه من فوائد جمة للفتاة يمكن التعرف عليها من خلال أي موقع إسلامي على الانترنت حيث تخصص فيه مساحات للاشادة بمنافع هذا النوع من الختان ! فأين يمكن للأهل إجراء مثل هذه العملية ؟ أفي السويد حيث يعتبر هذا العمل من الجرائم الخطيرة التي تمس جسد الانسان وسلامته , ويعد تشويها له ؟ أم يتحتم على الأهل السفر خارج بلاد الكفر هذه , والتوجه بالفتاة الى احدى بلاد الإسلام حيث تنتشر مثل هذه العادات ويسمح بإجرائها هناك؟
واذا اكتشفت الحكومة السويدية إن طفلة مسلمة قد تعرضت الى هذه الجريمة هل يجب عليها السكوت والرضوخ لقانون المسلمين الذي سمحت هي بسريانه في بلدها , أم لها أن تطبق قانونها وتحاسب الجاني ؟
حدث قبل سنتين أو أكثر أن إكتشفت السلطات السويدية طبيبا صوماليا مسلما يمارس ختان البنات في عيادته , فألقت القبض عليه وأغلقت العيادة ... ولكن المسلمين لم يرق لهم الاستسلام للقوانين السويدية الكافرة الجائرة , فقاموا بتهريب بناتهم الى الصومال وختنهن هناك !! فنشطت تجارة تهريب البشر , ولكن هذه المرة من السويد الى الصومال وليس العكس !!

تخيلوا إن شخصا مسلما سرق في السويد , وأخذوه الى إمام المسجد هناك فحكم عليه بقطع اليد حسب قواعد الحدود والقصاص , فماذا ستفعل الحكومة السويدية وهي ترى إن شخصا سليما قد تحول الى معاق , عمدا وعلى أرضها , وهي المشهود لها بأنها من أكثر الدول إهتماما ورعاية للمعوقين , وتخصص لهم أموالا طائلة من ميزانيتها لغرض تأهيلهم وتعويضهم عن النقص الذي يعانونه , ولجعلهم مواطنين نافعين للمجتمع ؟
وكيف سينظر المواطن السويدي لحكومته اذا سمحت بهذا العمل , ألا يتساءل لماذا تكيل بمكيالين , ومن ثم يقيم الدنيا ولا يقعدها في وسائل الاعلام , لأنها ترعى المعاقين وتصرف عليهم الأموال من جهة , ثم تسمح بارتكاب أفعال تسبب العوق للناس من جهة آخرى ؟

كيف ستتصرف الحكومة السويدية ( الكافرة ) إذا ما أصدر إمام مسجد في بلادها حكمه على أحد الرجال أو النساء ممن ارتكبوا الزنى بالرجم حتى الموت , وهو الحد المعمول به الى اليوم في بعض دول الاسلام ؟
تخيلوا المنظر ... يأتون بالزاني أو الزانية الى ساحة المسجد الكبير الذي يقع وسط ستوكهولم , ويلبسونه كفنا أو كيسا أبيضا يغطى كامل جسده , ويربط الكيس من أعلى بإحكام , ثم تحفر في الساحة حفرة يطمر فيها المعاقب وقوفا حتى وسطه , ويتجمع حوله جمع غفير مؤمن يقوم برشقه بالحجارة من كل حدب وصوب , فتصيب كل جزء من جسده , ويستمرالمؤمنون في عملهم هذا الى أن تزهق روحه , فيتصاعد تهليل الناس وتكبيرهم وتنطلق زغاريد النسوة فرحا بهذا الانجاز العظيم !! وقد رأيت مرة فلما حقيقيا تقشعر له الأبدان على احدى مواقع الانترنت يصور تنفيذ عملية الرجم ولحد الموت باثنين من الشباب في ايران .
فماذا ستفعل السلطات السويدية في هذه الحالة , هل ستقف متفرجة وتقول : بأسكم فيما بينكم , أنتم أحرار وما تفعلون ببعضكم حسب قوانينكم التي سمحنا لكم بتطبيقها عندنا ؟ أم ترسل قواتها لتطوق المسجد وتهدمه على رؤوس الموجودين وتلعن اليوم الأسود الذي سمحت فيه للمسلمين بتطبيق قوانينهم في بلدها ؟

لا أدري بالضبط كم يبلغ عدد نفوس المسلمين في بلد يتميز بقلة السكان كالسويد ( لا يتجاوز تعداد سكانها أكثر من 9 ملايين نسمة ونيف) , ولكن لا أحسب يقل عددهم ( المسلمون ) في أقل التقديرات عن النصف مليون انسان .

لنفرض أن خمسين ألفا من هؤلاء كان من النوع المزواج , ويرغب في التمتع بكامل حقه بموجب ما سمحت له شريعته في تعدد الزوجات وما ملكت أيمانه , فكيف ستكون حال السويد بعد سنين ؟

تخيلوا إن هؤلاء الخمسين ألفا تزوج كل منهم بأربعة نساء , أتبعهن بأربعة أخريات مما ملكت أيمانه , واذا ما أخذنا بنظر الاعتبار مبدأ تحريم تحديد النسل في الاسلام , فماذا ستكون النتيجة ؟
بعملية حسابية تقريبية بسيطة نتوقع أن تنجب كل من أولئك النسوة طفلا واحدا كل عام ,
أي ما مجموعه ثمانية أطفال في الأسرة الواحدة سنويا , وخلال خمسة أعوام سيكون لكل رجل من هؤلاء حوالي أربعون طفلا من نسائه , واذا ما ضربنا هذا العدد في الخمسين ألف مسلم ممن سلكوا نفس الطريق , لأصبح عندنا زيادة سكانية تقدر بمليوني نسمة خلال خمسة أعوام , وهذا رقم خيالي بالنسبة لبلد كالسويد !
وبما أن نظام المساعدة الاجتماعية المطبق في السويد يقوم على أساس منح كل طفل مساعدة مالية شهرية مجزية الى أن يبلغ سن الرشد , إضافة الى منح (نقدية الأبوين) والعديد من التسهيلات المادية والمعنوية الأخرى , فتأملوا بربكم كم من المبالغ ستصرف الدولة السويدية ( الكافرة ) على كل عائلة مسلمة !
أعرف عائلة افغانية مسلمة أنجبت ستة أطفال خلال تسع سنوات , وهي تعيش اليوم فقط على المساعدة الاجتماعية التي تحصل عليها من الكوميون عن هؤلاء الأطفال الستة , وعلى المساعدات المالية وغير المالية الأخرى التي تمنح للأبوين أيضا , مما وفر لهذه العائلة العيش في بحبوحة ويسر حال , يحسدها عليه أي وزير في أغنى بلد إسلامي !
إذا ما نظرنا الى هذه الأسرة كنموذج , فعند ذلك ستتجلى لنا الآثار الكارثية التي ستتعرض لها السويد جراء إنفاق هذه المبالغ المالية الضخمة على كل هذه الزيادة السكانية الحاصلة لديها . فميزانية السويد ستتعرض حتما الى عجز كبير , وبما انها ليست بدولة نفطية كالنرويج , أوسياحية مثل بريطانيا أو سويسرا أو فرنسا أو غيرها من الدول الأوربية الغربية والشرقية , فستواجه حتما أزمة مالية واقتصادية خانقة , تضطرها الى طلب المعونة من الدول الغنية والنفطية , وطبعا ستكون على رأسها الدول العربية والاسلامية , مثل دول الخليج وايران .
ولكن ... ماذا لو رفضت تلك الدول الاسلامية مد يد العون لها باعتبار إنها دولة كفر أو حرب ( لا أدري بالتحديد ! ) , وأن الكفار أو أهل الذمة ( لا فرق بينهم على الأغلب ! ) هم الذين عليهم دفع المال لدولة الاسلام ( الجزية ) وليس العكس ؟ حتى لو أغلظت السويد الأيمان لهم بأن مأساتها هذه لم تكن لتقع لولا طيبة قلبها وسماحها بتطبيق قوانين الاسلام على أرضها !

فكيف السبيل الى الخروج من هذه المعضلة العويصة ؟!

قرأنا بأن هناك ما يسمى بصدام الحضارات في كتاب بهذا العنوان لصموئيل هنتنغتون والذي أثار ويثير الكثير من الجدل والمناقشات هذه الأيام , ونعلم أيضا أن هناك قاعدة قانونية تعرف في القانون الدولي بتنازع القوانين ...
فهل سنكون هذه المرة أمام ظاهرة جديدة سيطلق عليها ربما تسمية... صدام القوانين ؟!

من يدري ... !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف سيواجه اللبنانيون المخططات الغربية في ملف النازحين؟ وأي


.. طلاب العلوم السياسية بفرنسا يتظاهرون دعمًا لغزة




.. علي بركة: في الاتفاق الذي وافقنا عليه لا يوجد أي شرط أو قيود


.. خليل الحية: حققنا في هذا الاتفاق أهداف وقف إطلاق النار وعودة




.. البنتاجون كأنه بيقول لإسرائيل اقتـ.لوهم بس بالراحة..لميس: مو