الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الدولة الأمة في الفكر القومي العربي

رضا لاغة

2019 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


مفهوم الدولة ـــ الأمة في الفكر القومي العربي
خضع مفهوم القومية لعدة تفسيرات بحثا عن جذور و أصول الظاهرة القومية التي تقوم على أن العرب يشكّلون أمّة واحدة وأن الحدود السياسية الفاصلة بين الدول القطرية هي نتاج القوى الاستعمارية و ما هي الا حدود طارئة للتّحكّم بمصير الأمّة. لذلك يجب أن يكون للعرب دولة واحدة وحكومة واحدة. والقومية كنظرية سياسية ترى أن الانسانية تنقسم الى مجموعة من الأمم المتميزة. وان هناك مقوّمات محدّدة لتحديد ماهية الأمّة. وأنّ الدول تستمدّ شرعيّتها من احتواء كلّ منها على أمّة واحدة. ولهذه الأمّة هويّة قومية محدّدة تقوم على وحدة اللغة والدين والثقافة والتاريخ.
إن الدراسة التي ستشكل نقطة انطلاقنا لمناقشة الطرح القومي هي نظرية الثورة العربية لعصمت سيف الدولة الذي يدافع عن هذا الانتماء بأدوات يؤكد في كل مرة بأنها تحترم معايير التحليل العلمي.
يبحث عصمت سيف الدولة عن فحوى العلاقة بين السلطة والدولة مبينا: أنّ "ممارسة السيادة هو ما يسمى بالسلطة وان الدولة هي تلك المؤسسة التي تجسّد سيادة الشعب وترسم حدود وكيفية ممارسته" .(1)
لينتهي جرّاء هذا الربط إلى التساؤل التالي:" اية دولة تلك التي تجسد سيادة الشعب؟"
إنها الدولة القومية، التي ستكون في نظره،غير كاملة السيادة إلى أن تكون شاملة للشعب والوطن جميعاً. "إن ” التجزئة ”، تجزئة الأرض المتحررة تحرم الشعب العربي في كل دولة اقليمية من ممارسة سيادته على الأرض العربية التي تقع خارج حدودها، وتحرم الشعب العربي خارج حدودها من ممارسة سيادته على أرضه فيها، فتنتقص من ”سيادة” الشعب العربي داخلها وخارجها معاً. ان هذا هو الترجمة القانونية (الحقوقية) لما سبق أن قلناه من ان الاقليمية تهدر حق الشعب العربي في وطنه داخل كل اقليم وخارجه معاً .(2)
على هذا الأساس يبدأ عصمت سيف الدولة باستخلاص قضية مركزية مفادها أنّ وحدة الوجود القومي تحتّم وحدة الدولة فيها. بمعنى أنّ الدولة القومية التي تشمل الشعب والوطن كما هما محددان تاريخياً؛ هي وحدها التي تجسّد سيادة الشعب على وطنه ومشاركته التاريخية فيه.
أي أنّ الدولة الوحيدة التي تتفق مع إشتراك الشعب في وطنه وتجسّد وحدة الوجود القومي هي الدولة "الواحدة". دولة واحدة لشعب واحد ووطن واحد. دولة واحدة لأمة واحدة.
هذا هو الشكل الدستوري لدولة الوحدة العربية كغاية تحددها لنا نظرية الثورة العربية و التي تنظر للدول العربية كوقائع عيانية تجسّد المؤسسة النقيض لدولة الوحدة.
والآن نعيد السؤال الذي انطلق منه عصمت سيف الدولة: ما هو مجتمعنا الذي ننتمي إليه؟ ما هي حقيقته الموضوعية كتكوين تاريخي؟
والإجابة هنا تكاد تكون جاهزة: نحن أمة عربية واحدة. والأمة العربية هي مجتمعنا الذي ننتمي إليه. وهي إجابة غير منكورة من كل الذين يعنينا أن نقيم معهم حواراً ً حول بناء المستقبل العربي.
استباقا للاعتراض على أننا أمة عربية واحدة ومسلمة غير منكورة، و لكن بم نفسر إذن الصراع الايديولوجي الحاد بين التيارات القومية و الاسلامية حول موضوع الدولة ــــ الأمّة؟ وما إذا كانت هويّتنا عربية اسلامية، محلية وطنية، دينية طائفية مذهبية، اضافة الى الهوية العالمية كهوية جديدة. لم يكن إذن موضوع الهوية إحالة لأزمة حديثة بل لها جذورها التاريخية التي تمتدّ إلى عمق تكوينها الفكري والسياسي. أي منذ انهيار الامبراطورية العثمانية (آخر حلم أممي إسلامي) وما شابه من اختلافات عقائدية وجغرافية وانقسام لمشاريع ايديولوجية قومية وأممية دينية وماركسية.
إن تأصيل أسباب هذا الصراع بين الحركات القومية والحركات الأصولية الاسلامية، يقترن بهيمنة المقدّس الميتافيزيقي لدى الاسلاميين وتحويلهم الدين من صفته كمعتقد إلى هوية جوهرانية متعالية عن التأويل. لذلك أزيح مفهوم الأمّة القومية ليحتلّ محلّها مفهوم الأمّة الاسلامية وحاكمية القرآن ومرجعية الكتاب والسنة. فوجدت الأصولية الدينية في الحداثة خصما إيديولوجيّا.
ومثلما أثبت المدخل الإيديولوجي فشله عند القوميين، أثبت كذلك فشله لدى الإسلاميين. فإذا كان الفكر القومي قد تجاهل التعدد والاختلاف الديني والطائفي والعشائري والاقليمي في المجتمع العربي كواقعة تاريخية يتعيّن البحث في عمليّة تجاوزها في إطار من الوحدة التي تقبل بالتنوّع داخلها وهو ما يقتضي مراجعة الفهم بين الدولة الإقليمية والدولة الوطنية، فإنّ الحركات الأصولية الاسلامية سقطت في وهم التناقض بين الهوية الثقافية للمجتمع العربي والمعتقد الديني لنعيش ظواهر انقسامية مرضية وضروب من التعصّب المذهبي التكفيري.
ومن المؤكد أن قضية تجديد الخطاب القومي أو الإسلامي تبدو متعددة المداخل والأبعاد، إذ هي تتّصل بمضمون الخطاب وغاياته ومقاصده ورؤيته للقضايا الراهنة ومتطلّبات التجديد. لذلك سنحاول فيما يلي رصد الخلل في نظرية الدولة ـــــ الأمّة ضمن الخطاب القومي.
ولأجل فهم هذه الاشكالية لا بدّ من الإشارة لمشكلة الدولة القطرية. إذ أن الفكر القومي التقليدي قد أخفق في تمثّل العلاقة بين الدولة والأمّة. ربّما يكمن الخلل الرئيسي في أنّه لم يدرك كنه الدولة القطرية إذ اعتبرها مجرّد هيكل كرتوني زائل. فهو فكر كان يطمح لإقامة دولة قومية فلم ير ضرورة للوقوف عند محددات الدولة القطرية وغاياتها. من هذا المنظور يمكن اعتبار النظرية القومية التقليدية بأنها نظرية في الأمّة وليست في الأمة ـــ الدولة. وهو ما يفرض استئناف النظر في مفهوم القومية والأمّة من أجل إعادة بناء علاقة جديدة ما بين الدولة والأمّة. فعلى النقيض من فرضية الفكر القومي التقليدي، كرّست الدولة القطرية وجودها لتكتسب سمات تجعلها دولة ذات شرعية محلية تدعم قوة نظام الدولة وكيانها. إنّ هذا الطّرح يبدو واضحا في مساهمة نديم البيطار الذي يؤكّد على ضرورة إعادة هيكلة الفكر القومي العربي لكي يتغلّب على التحدي الجديد. فما يواجهه الفكر القومي ليس البرهنة على الوجود القومي كأمّة، بل إنّه يواجه مشكلة مؤسساتية تكمن في محاولة معرفة آليات الانتقال من التجزئة الى الوحدة التي تشترط وجوبا مبدأ التنوّع. إن بلورة الهوية القومية يعتمد على الوعي العميق بأن هناك علاقة عضوية بين الهوية القطرية والهوية القومية. وهو ذات الطّرح الذي سنقف على معالمه لاحقا لعلي البلهوان في كتابه" نحن أمّة".
في ضوء ما تقدّم فإن تجاوز أزمة الدولة ـــــ الأمّة بوصفها تحيل إلى مسألة الانتماء الوطني والقومي والاسلامي لا يمكن أن تتحقق بدون توفّر النظام السياسي المعبّر عن إرادة وتطلّعات ومصالح الشعوب العربية. وهكذا يرتبط مفهوم الدولة ـــــ الأمّة ارتباطا وثيقا بالديمقراطية والتي هي بدورها موضع خلاف ضمن التيار القومي. لذلك فإن أوّل صفة ينسبها عبد الله العروي لهذا المفهوم ( القومية ) أنه ظلّ طرحا تقليديا، فهو يحمل في طيّاته رواسب الماضي ( الاستبداد العسكري).
يعلل الكاتب هذا الخلل في الفكر السياسي العربي إلى وجود مفارقة مهمّة عند الحديث عن الدولة التقليدية في الوطن العربي والتي يعرّفها بوصفها " الشكل العام لتنظيم السلطة العليا".
يرجع الكاتب أسباب المفارقة إلى كون المشروع القومي لم ينشأ نتيجة نموّ وعي المجتمع العربي، فليس ثمّة تشكّل لطبقة حاملة لهذا المشروع على نحو ما حصل في أوروبا لأنّه ليس تتويجا لنشاط جماهيري واسع أو كفاح فئة اجتماعية صاعدة. إنّ الظرف التاريخي لنشأة الفكر القومي يندرج كردّة فعل على سيطرة الأتراك العثمانيين واعتدائهم على حقوق العرب السياسية ومحاولاتهم تتريك الشعوب التي خضعت للدولة العثمانية.
وعليه يقرّ الكاتب بوجود أزمة بنيوية في الدولة العربية الحديثة. ومن هنا تكمن أهمية طرح الاشكالية المتعلقة بالإصلاح السياسي ومن ثمّ تطوير امكانيات الدولة العربية الحديثة بالشكل الذي يستجيب لحجم التحدّيات الفعلية على الصعيد الوطني والقومي والعالمي. وهي لم تعد قضايا نظرية بحتة بقدر ما أضحت تلامس الأبعاد الوجودية للدولة نفسها. لذلك فانّ معرفة جذور الأزمة تشكّل مقدمة ضرورية لاستشراف آفاق تطوير البنية الذاتية للدولة واندماجها الواقعي والعقلاني.
المراجع:
هو مفكر عربي من مصر ولد في 20 اوت 1923 بالصعيد المصري وتوفي يوم 30 مارس 1996.
حصل على الإجازة في الحقوق سنة 1946 من جامعة القاهرة ثم على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي سنة 1951، ودبلوم الدراسات العليا في القانون العام عام 1952 م من جامعة القاهرة، ودبلوم الدراسات العليا في القانون سنة 1955 من جامعة باريس، ثم الدكتوراه في القانون سنة 1957 من جامعة باريس. وقع القبض عليه في أول أيام حكم السادات بتهمة التخطيط لإنشاء تنظيم قومي هدفه قلب أنظمة الحكم في الوطن العربي، فاعتقل لأول مرة في 1972، ثم في 1981. من أهم مؤلفاته:
ـ أسس الاشتراكية العربية 1965، أسس الوحدة العربية 1965، الطريق إلى الوحدة العربية 1966، الطريق إلى الاشتراكية العربية 1967، وحدة القوى العربية التقدمية 1968.6 ـ ما العمل؟ رسالتان الى الشباب العربي.1967 ـ 1969، الطريق إلى الديموقراطية 1971، الوحدة ومعركة تحرير فلسطين 1971، نظرية الثورة العربية (سبعة أجزاء) 1972...
1 - نظرية الثورة العربيّة، المنطلقات، الفقرة 24، دار المسيرة، ط1، جانفي 1979.
2 - نظرية الثورة العربيّة، المنطلقات، الفقرة 30، دار المسيرة، ط1، جانفي 1979.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تخاريف القوميين
محمد البدري ( 2019 / 5 / 24 - 21:16 )
غزا العرب قديما كل الاوطان التي يريد عصمت سيف الدولة جعلها وطنا واحدا. وهذا امر مضحك ومثير للقرف في آن واحد.
فعرب قريش ليسوا اصحاب حضارة ولم يقدموا شيئا علي الاطلاق علي مدي 1400 عام سوي التناحر والقتال واعادة الغزو للنهب والسلب تكرارا لما فعلوه زمن محمد داخل جزيرة العرب او خارجها بدءا من زمن ابن الخطاب.
كان همهم الاخطاع لضمان السلب والنهب بحجة الاسلام، فاي قومية في الدين حتي نجمع مساحة جغرافية تبدا من العراق وتنتهي في مراكش؟
فالاسلام ممزق ومشتت وظهرت حقيته حديثا الا وهو الارهاب السني، علي سيف الدولة وامثاله قراءة التاريخ انثروبولوجيا حتي يمكنهم قول شئ له قيمة.
تحياتي

اخر الافلام

.. شهداء وجرحى إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا في مخيم النصيرا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل طلبة معتصمين في جامعة ولاية أريزونا ت




.. جيك سوليفان: هناك جهودا جديدة للمضي قدما في محادثات وقف إطلا


.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي




.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة