الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام السياسي العربي بشقيه / وقضية التبعية والعمالة*

جعفر المظفر

2019 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


الإسلام السياسي العربي بشقيه / وقضية التبعية والعمالة*
جعفر المظفر
الصراع الذي نشأ في بدايته (نهاية الخمسينات من القرن الماضي وأثناء مرحلة تأسيس حزب الدعوة) بين السيد محسن الحكيم ومجموعة العلماء المؤيدة له, والسيد الخوئي في مقدمتهم من جهة, وبين السيد محمد باقر الصدر الذي كان وراء تأسيس حزب الدعوة من جهة أخرى لم يكن بعيدا عن قضية ولاية الفقيه وأخطارها المدمرة على الصعيد الوطني العراقي.
الحكيم من ناحيته, وقد كان المرجع الشيعي الأعلى, مثلما هو السيد السيستاني الآن, رأى أن الظرف العراقي ليس كما هو الظرف الإيراني, ولهذا لم يكن صعبا عليه الإستنتاج إلى أن ما يفيد الشيعة في إيران قد يضرهم في العراق, وإن نظرية ولاية الفقيه قد تملك, على الأقل سياسيا, بعض مقومات نجاحها في إيران, إلا أنها في العراق, وبفعل ثنائية المذهب لا تملك في الحقيقية سوى قيمة تدميرية, ولو كان كٌتب للحكيم الأب أن يشهد إلى مَ إنتهت إليه هذه التجربة لصار على يقين انه كان صاحب الحق في إختلافه مع باقر الصدر الذي منعته ثوريته المتطرفة وطريقة تفكيره التعويمي عن تلمس مديات العلاقة بين الموضوعي والذاتي التي قد تجعل ذات الفكرة ناجحة في محيط وفاشلة في محيط مختلف.
وبعيدا عن الخوض بِسِعَة في التاريخين والتجربتين الإعتقادية والسياسية الإيرانية والعراقية والتعرف على أسباب الفشل هنا واسباب النجاح هناك, إلا أن التركيز على العلاقة بين الموضوعي والذاتي يستحق الإهتمام المركزي, دون إغفال لقيمة العوامل الأخرى التي ستكفل بالنتيجة رجوعا مؤكدا للمعادلة ذاتها.
لقد كان حزب الدعوة منذ تأسيسه, وكذلك التنظيمات الإسلاموية السياسية الأخرى, عامل تفعيل لعوامل التمزق الإجتماعي وضياع الإستقلال الوطني العراقي لسبب مركزي كونه حزب لم يكن مقدرا له ان ينجو من ثقل تأثيرعامل التبعية للحالة الإيرانية المتمكنة ذاتيا على أن تكون متقدمة ومؤثرة في الظرف الإيراني المحيط لأسباب سنراها عكسية في المحيط العراقي.
وسيبقى اي حزب إسلامي, سنيا كان أو شيعيا, تابعا لإحزاب أما تركية او إيرانية جعلها المحيط الموضوعي قادرة على أن تملك ذاتيا قدرة المبادرة والإستباق والتمكن. ويمكن مراجعة دور الحزب في الحرب العراقية الإيرانية وطبيعة إصطفافاته العميلة لإيران وقتها, والإنتقال بعد ذلك إلى الحالة التي مكنته من إستلام دفة الحكم في العراق لنتعرف على حقيقة أن هذا الحزب غير قادر على أن يمتلك ذاتا عراقية مستقلة بمعزل عن صفة التبعية لإيران التي وفرت لها ظروفها التاريخية قدرة سياسية لكي تمتلك قدرة التأثير على الظرف المحيط بالإتجاه الذي يخدم القرار الوطني الإيراني.
على الصعيد التركي تبدو الحالة متقاربة من ناحية جوهرية وخاصة فيما يتعلق بالمعادلة ذات التأثير الأقوى عل حصانة الحركة وقدراتها التأثيرية, ألا وهي العلاقة ما بين الموضوعي والذاتي, فالإسلام التركي السياسي, على الرغم من المشاكل التي يواجهها البلد مع الحركات المقلقة لمشروعه التوحيدي الوطني, يمتلك أيضا قدرات ذاتية وفر لها الظرف الموضوعي المحيط فرص أن تنفجر على طريق خدمة تركيا الأمة, وكما هو الأمر مع الشان الإيراني.
في الحالتين التركية والإيرانية, الدولتان على صلة بتجارب تاريخية كبيرة بالمقياس الإمبراطوري. الأتراك من ناحيتهم, وخاصة إسلامهم السياسي على علاقة روحية بتجربة الإمبراطورية العثمانية ومن حقهم أن يعتبروا أنفسهم أصحاب العلاقة الأقوى بتلك التجربة, وهم هنا إسلاميون وقوميون في ذات اللحظة, وقادرون بالدرجة الأولى على تفعيل العلاقة ما بين الذاتي والموضوعي, اي ما بين ذات الحزب والذات الوطنية للدولة. الإيرانيون كذلك يشعرون بكل تأكيد بأنهم الأقرب سياسيا وحتى فكريا من موضوعة الأمة أو الإمبراطورية الصفوية التي كانت الند الحقيقي على الجانب الإسلامي للإمبراطورية العثمانية, والإيرانيون الإسلاميون هنا, كما هم الإتراك. إسلاميون وقوميون في نفس الوقت.
على الجانب العربي لا يملك اي قطر الآن أفضلية علاقة بالدولة العربية القديمة. حتى السوريون او العراقيون فهم لا يملكون مقومات إدعاء القربى مع التجارب القومية العربية السابقة كالأموية والعباسية. على النقيض حزب الدعوة وبقية الشلة السياسية الشيعية العراقية يعتبرون الإمبراطورية العباسية معادية لعقيدة ونهج آل البيت. قطع رأس تمثال أبي جعفر المنصور مؤسس مدينة بغداد, وربما تغيير إسم شارع الرشيد وغيرها هي حالات تعبر عن هذه الكراهية المتاصلة.
الحركات السورية الإسلامية التي تتبع المذاهب الأربعة, من غير تلك التي تتبع الحركة الوهابية, غير متحمسة أو غير متشجعة على الإنتساب للدولة الأموية والإفتخار بها, بل ان الإمام أبي حنيفة, وهو الأكثر أتباعا في مشرقنا العربي, يعتبر معاديا للتجربة الأموية. أما عموم السنة, من غير الحركات الأصولية والمتطرفة والتكفيرية فيعتبرون الجرائم التي أرتكبت من قبل الدولة الأموية ضد آل البيت مدعاة للإشمئزاز والإدانة لتاريخ الدولة الأموية ذاتها بما يجعل مهمة تفعيل عملية الإنتساب السياسي لها أمرا ضعيف الإحتمال وغير منتج بالمرة.
إن هذه الصلة السلبية, أو على الأقل غير القابلة للتفعيل بين الحركات الإسلامية العربية, بشقيها الشيعي والسني, مع الأمم العربية السابقة يخفف إلى حد كبير, بل ويعدم كل فرص التفعيل الإيجابي ما بين التاريخي والمستقبلي, لكن علينا أن نشير هنا ولو سريعا, أن الحركات الوطنية غير الإسلامية قد تخلصت من هذا العبء يوم حررت نفسها من قيد التاريخي في معصم المستقبلي وصار بإمكانها خلق التفعيلة اللازمة ما بين الزمنين.
إن الحركات الإسلامية السياسية, سواء على الجانب التركي أو الإيراني, تملك مفتاح التفعيلة المطلوبة بين التاريخ والمستقبل لذلك فهي أقدر على الفعل والمبادرة والإنتاج, أما الأحزاب الإسلامية العربية فهي تفتقد لهذه الخاصية الهامة. بل نراها على العكس من ذلك على خصومة مع التاريخ, اي أنها بالتالي أحزاب بلا تاريخ ولهذا نراها تلجأ لتبني تواريخ أمم من غير أممها, فالحزب الإسلامي السوري أقرب إلى العثمنة منه إلى أن يكون حزبا أمويا, وحزب الدعوة أقرب روحيا وثقافيا للدولة الصفوية منه إلى الدولة العباسية التي يعتبرها دولة مجرمة.
في النهاية سيكون سهلا أن نفهم كيف يكون عليه فقه الخيانة والعمالة والتبعية, الذي لا تعتبره الأحزاب الإسلامية العربية عيبا, بل نراها بكل تأكيد فخورة ومعتزة به لإعتقادها أنه من صلب العقيدة وليس نقيضا لها, فالأخوان المسلمون في مصر على إستعداد لأن يجعلوا مصر تابعة للدوحة, إذ لا صلة لهم وثيقة بتاريخ مصر التي لم يكن لها فيه نصيب,لأسباب متفرقة, لتكوين كيان إمبراطوري إسلامي تعتز به كما العراقيين العباسيين أو السوريين الأمويين, ولقد رأينا تفاهة تجربة حكم مرسي العياط لدولة مصر وكيف كان إستعداده مفتوحا لكي يكون الأقرب إلى فكر حماس الفلسطينية منه إلى الدولة المصرية العميقة.
إن الإسلاميين الإتراك والإيرانيين هم قوميون في نفس الوقت, وأقصد بالقومية هنا الثقافة وليس صفة العنصر المتغلب, وهم لا يمكن أن يكونوا سوى ذلك, فالإسلام التركي هو إسلام ذا صلة بالتاريخ العثماني, اما الإسلام الإيراني فهو ذا صلة سياسية بالأمة الصفوية, ولكل من الإسلاميين موروثهما التاريخي الذي يجعل إسلامهما قوميا في ذات اللحظة. أما الإسلامات العربية, سواء في مصر او العراق أو في سوريا, وأقصد هنا بالدرجة الأساس الأخوان المسلمين على الجانب السني, والدعوة وحزب الله وما شابههما على الجانب الشيعي, فهي احزاب لا يمكن بالمطلق ان تكون قومية او وطنية في نفس الوقت, وهي بالتالي, بالمعنى السياسي, أحزابا تابعة أو عميلة, وبالمعنى الإنتاجي أحزابا معطَّلة الذات وغير قادرة مثل أقرانها الترك او الإيرانين على الفعل المنتج وميالة بسهولة لسلوك طرق العمالة والإنحراف والفساد لإنصرافها عقلا وأخلاقا لخدمة الدولة الأم, الإيرانية والتركية, وليس لخدمة الدولة الوطن, عراقية كانت أم سورية أم مصرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل الفلج.. مغامرة مثيرة لمصعب الكيومي - نقطة


.. رائحة غريبة تسبب مرضًا شديدًا على متن رحلة جوية




.. روسيا تتوقع «اتفاقية تعاون شامل» جديدة مع إيران «قريباً جداً


.. -الشباب والهجرة والبطالة- تهيمن على انتخابات موريتانيا | #مر




.. فرنسا.. إنها الحرب الأهلية!