الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة إنسان : الأديب حسن العيساوي

محمد بقوح

2019 / 5 / 26
سيرة ذاتية


حتى لا ننسى الذين يشكلون جزءا من ذاكرتنا الشخصية والجماعية. أستحضر الفنان والقاص والمثقف العضوي العصامي المرحوم الصديق السي حسن العيساوي (1966-2009)، ابن مدينة الدشيرة الجهادية، وأحد زملائي المشاكسين في الزمن المغربي الثمانيني، بثانوية حمان الفطواكي التأهيلية. أستحضره هنا كإنسان متفان، ومجد، ومجتهد، ومنفتح على الاختلاف، وطموح إلى أقصى حد لا يتصور. رجل من عملة نادرة.
يكفي، أن أذكر أنه من أوقفني في مساء يوم من عام 1995، كنت مارا على رصيف الشارع العام الذي يخترق الدشيرة إلى نصفين، بالقرب من بيته، وبعد العناق والفرح الكبيرين، وتبادل التحية والحديث العذب لنوستالجيا حياتنا الدراسية والشخصية المشتركة بيننا، ألح علي الرجل بالدخول إلى البيت واستضافتي لوقت قصير..، غير أنني كنت غير مستعد، واعتذرت له، وأقنعته بضرورة تأجيل هذه الزيارة إلى حينها المناسب، لأنني آنذاك كنت منشغلا بأمور تفرض علي العودة مبكرا إلى منزلي ودواري. أعرف ويعرف هو أيضا أنني حين أزوره في بيته يمتد بنا الليل إلى الصباح الموالي. نناقش ونحلل ونقرأ شعر درويش والسياب وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور. كما يطلعني على آخر لوحاته الفنية ومنحوتاته الرائعة التي أنجزها في الزمن الدشيري الأخير.. المهم، كان اللقاء على الرصيف بحسن العيساوي، وكما يكون دوما، ممتعا وحميميا وغير ممل، ومفيدا للغاية كالعادة، رغم أن المدة التي لم نلتق فيها كانت بعيدة وجد طويلة.
وقد حدثني كثيرا حينئذ عن مشاريعه الفنية و الثقافية والأدبية. وقال لي بالحرف، مازلت أذكر "سأبدأ أكتب سي محمد. لابد أن أكتب وأتفرغ للكتابة". قلت له "بالتوفيق لك صديقي. أدركت آنذاك أنه لم يشف بعد ما بجعبته وغليله في النحت والتشكيل اللذين كان يعشقهما حتى الثمالة. لهذا، سيتحول إلى الكتابة الأدبية التي ستكون بلا شك امتدادا فكريا وثقافيا لانشغالاته الثقافية والاجتماعية في الحياة، حيث لم تسعفه الريشة ولا الإزميل في التعبير عنها جميعها بالتفاصيل المرادة. الكتابة التي بدورها كان شغوفا بها منذ الدراسة إلى حد الجنون، هكذا عبر لي ذات يوم. وقبل أن نفترق، قال لي وابتسامته العريضة مرسومة على وجهه المتنور "انتظرني هنا، عندي لك مفاجأة". نظرت إليه بعيون الدهشة والسؤال. فهم وضعي النفسي. تدارك ثم أضاف "لا تحزن صديقي. هي مفاجأة سارة" . ثم ترجل، ودخل إلى بيته، واختفى للحظات كانت بالنسبة لي طويلة وقاسية جدا. فكرت في كل شيء إلا ما كانت تحمل يداه الكريمتان. جريدة أنوال، وبداخلها نصي الشعري الأول، بعنوان (القافلة). حسن العيساوي ليس مجرد شخص، وإنما إنسان ذكي يعرف كيف يدخل الفرح إلى قلوب الغير، ليجعل الإنسان الآخر أكثر محررا وسعيدا، وربما أكبر بكثير من سعادته هو، إذا كان بالفعل سعيدا.!!
ولم نلتق ثانية، بعد ذلك، بسبب إكراه عملي في التدريس الذي أبعدني عن الدشيرة وأرض البلدة ككل، لمدة تزيد عن سبع سنوات، إلا بصدفة جديدة. وأذكر أنه، ولبداهة لسانه، قال والاحتضان ثالثنا، "رب صدفة خير من مليون ميعاد". وقهقه كعادته. كان ذلك في عمق مدينة العبور إنزكان، بالقرب من بنك bp. طال بنا الحديث هذه المرة في فضاء لاطيراس مقهى شهرزاد العريقة. أخبرني أنه بصدد طبع ونشر مجموعته القصصية الأولى (دود الملح). هي تضحية من أجل الأدب والثقافة. لأنه قرر طبع ونشر إصداره القصصي بالسلف البنكي ( الكريدي ). طمأنته أنه واقع الثقافة في هذا البلد. لابد من التضحية لمقاومة القبح وصناعة الجمال. هناك من الكتاب من يضطر لبيع ممتلكاته من أجل إصدار كتاب. المهم، سعدت كثيرا بخبر نشره لمجموعته القصصية الأولى التي قال أنها ستليها الثانية في العام المقبل بحول الله. وحفزته على المزيد بالابداع والكتابة. فعالم اليوم، بقبحه الملموس الذي أخذ في الاكتساح، لا يستقيم معناه الحقيقي إلا عندما نكتب عنه. ثم افترقنا مجددا. ولم أصادفه مرة أخرى إلا عندما رأيت "حسن العيساوي" مكتوب اسمه على رأس كتيب صغير، صادفته بعمله القصصي الذي وجدته معروضا ضمن بعض المنشورات في مكتبة تالبورجت بأكادير المدينة. لقد فرحت كثيرا بإصداره الذي حدثني عنه. اشتريته ثم غادرت المكان سعيدا. وأذكر أنني انزويت في ركن مقهى المحطة، بالقرب من سينما صحراء، ولم أنهض عائدا في الطاكسي إلى بلدتي إلا بعد إنهائي لمجموعة الصديق حسن العيساوي ( دود الملح ) .. وهي بالفعل تناقش وتعرض لوضعيات مجتمعية سائدة، تصورها الكاتب من خلال سارديه مادة الملح الذي أنتج كائن الدود الذي من المفترض أنه لا يجتمع بالملح. هي مفارقات المجتمع المحلي والمغربي اقتنصها الكاتب ارتباطا بتفاعله اليومي مع المشاهد البشرية في مدينته الدشيرة السوسية المغربية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟