الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيوعي الجيد

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2019 / 5 / 27
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


كي يكون الإنسان شيوعياً جيداً يجب أن يكون له قلب شيوعي لا مجرد فكر شيوعي. هذا ما صرَّح به المفكر العراقي هادي العلوي البغدادي في مقدمة كتابه" مدارات صوفية- تراث الثورة المشاعيَّة في الشرق" وتراني أتفق معه وأكتب هذه الخلاصة التي أُسجل فيها فكرتي الأساسية عن الشيوعيَّة في نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وهي مما عرفت وخبرت عن فئة من الشيوعيين تجنح نحو تحقيق سيرورة إنهاض تحتاجها طبقة عاملة كادحة في الحقل والمصنع وتضم على هامشها فئات واسعة من المعدمين والمهمشين والمساكين وأصحاب السبيل الذين أعيتهم لقمة العيش. هؤلاء وغيرهم في حاجة إلى باب الرفق والرحمة والحنان البشري مع حق الدفاع عن النفس في وجه جبروت الثروة وطاغوت القوة بعدما عانوا مما يزيد عن الكفاية من القهر والذُّل.
هؤلاء وغيرهم يحتاجون إلى شيوعيين من نسيجهم يملكون قلوباً حارَّة شجاعة تستطيع-بلا مِنَّة من أحد- الوقوف معهم في الشدائد والمحن. هل نستنطق الأمل في أن هذه الفئة من الخلق ستُعيد اكتشاف نفسها ليس فقط من خلال معاناتها، بل وأيضاً من خلال هاجس إخراجها من ورطات الذُّل والفقر وتمليكها ما تستغي به عن التعب والكد، مما لا يتم دون إعادة توزيع الثروة الاجتماعية؟
هل تكمن مشكلة توزيع الثروة الاجتماعية والتي عانت منها البشرية عبر تاريخها المكتوب خلف تفاصيل انتاج هذه الثروة والتي عمل كارل ماركس على استيضاح كنها في كتابه الشهير رأس المال؟ وهل تكمن مشكلة الطبقة العاملة العالمية في استغلال قوة عملها اليومية والتي شرحها فريدريك أنجلز بقوله:
"لقد أوضحنا أن الاستحواذ على العمل غير مدفوع الأجر هو أساس نظام الإنتاج الرأسمالي، وأساس استغلال العامل، وأنه حتى لو اشترى الرأسمالي "قوةَ العمل" اليومية من العامل بقيمتها الكاملة باعتبارها سلعةٌ في السوق، فإنه سيظل يحصل على قيمة أكبر ممَّا دفع مُقابلها، وأنه في التحليل النهائي يُشكِّل فائضُ القيمة-القيمة الزائدة- هذا مجموعاتِ القيمة التي منها تتراكم باستمرار الكتلُ الرأسمالية المتزايدة في أيدي الطبقة المالكة".
معتنق الأيدولوجية الشيوعيَّة والعامل في أحد أحزابها ما زال يعتقد صواب هذا التحليل المنمق وقد ناقشت العديد منهم ووجدت ضعفاً شديداً في حجتهم، لأن ماركس-أنجلز كان يُحلل، يُشرِّح، رأسمالية بنت القرن التاسع عشر. فقد توفى أنجلز في الخامس من أغسطس/آب 1895 وأنتَ لو عُدت إلى المقدمات السبع لطبعات "البيان الشيوعي" التي كتبها ماركس-أنجلز ومن ثمَّ فريدريك أنجلز وحده بعد وفات كارل ماركس في 14مارس/آذار1883 ونظرت فيها بعين الباحث المُدقق لأدركت قيمة عمل الشيوعي الجيد-وقد كان فريدريك أنجلز شيوعياً جيداً- هذه المقدمات أقرت بما لا يدع مجالاً للشك أن برامج عمل الأحزاب الشيوعيَّة تتغير بتغير الأحوال والأزمان اعتماداً على مقولة واضحة لا لبس فيها: ما دامت الصناعة-الزراعة تسير في خط صاعد تقوده "المكننة" فلا بد من مواكبة هذه "المكننة" في برامج عمل و "مكننة" هذه الأحزاب- الفلاح في الكثير من بلدان العالم صار عاملاً زراعياً يُنتج بالآلة- ولكن هذه الأحزاب ومن يعمل معها بقيت برامجها قوالب طوب "حطب في قطرميز" لا حياة فيها وهذا يخلف أبسط مفهومات الفلسفة الماركسية وأعني الجدل مع الواقع أو الديالكتيك. فهي-أي الأحزاب الشيوعية على اختلاف تسمياتها-تحتاج إلى ثورة في طُرق عملها، وتحتاج إلى أحياء ما يشبه "نقد برنامج غوتا" وهو وثيقة-كما تعلم- تستند إلى رسالة كتبها كارل ماركس في أوائل مايو 1875 إلى حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي الألماني.
آلاف الكتب أُلفت في هذا الشأن وعشرات الآلاف من الأبحاث والدراسات كُتبت في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي. ماذا كانت النتيجة؟ تبلبلت الأفكار واضطربت وتشوشت، تبلبلت الألسن واختلطت اللهجات التي تتحدث عن الفلسفة الماركسية وعن الشيوعيَّة وعن الاشتراكية وعن اليسار الذي يفقد مواقعه في ساحات النضال العالمية وتشرذم إلى أحزاب وأحزاب تكافح كفاحاً مريراً من أجل البقاء. ما علَّة ذلك؟ أين الخطأ؟ ومن المسؤول؟ بكل تأكيد، نحن أصحاب الفكر الشيوعي نتحمل جلَّ ما جرى ويجري وسيجرى لهذا الحلم الجميل لأننا وعدنا الخلق " أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ" فأعطيناهم حياة "طفح كيلها" بالذّل والحاجة في دول اشتراكية فشل قادتها في تشغيل مفاصل اقتصادها وحبس الخلق في نمط من عبودية اجتماعية مقيتة، فسقطت التجربة الاشتراكية سقوطاً مُدوياً وانفض الجمع.
يمكننا القول بثقة كبيرة أن الشيوعي الجيد يعمل مع رفاق دربه-وهو أدرى بشعابه- دون انحياز أو مستبقات عقائدية مع الاستعداد دوماً لتقبل التفكير في الأضداد والنقائض في أي مسألة. لأن العقيدة هي شر ما يملكه أهل الشيوعيَّة، وهي الرقيب الداخلي الذي لا يقل سوءاً عن الرقيب الرسمي. والعقيدة هي المسؤولة عن تكوين الوجدان القمعي للأفراد ومصادرة حرية الضمير. وهي وإن كانت مفيدة لتحريك الجمهور في منعطف تاريخي معين، يجب أن تبقى في منأى عن النضال اليومي للشيوعي الجيد لئلا تكون كما يقول الإمام أبو حامد الغزالي حجاباً يمنع من النظر إلى حقائق الأشياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفكر
فؤاد النمري ( 2019 / 5 / 27 - 12:52 )
الفكر هو ما جعل الحيوان إنساناً ينتج حياته والشيوعية هي مأل تطور الإنتاج
تحياتي البولشفية


2 - الإنسان حيوان ناطق
عبدالرزاق دحنون ( 2019 / 5 / 27 - 15:16 )
يُقال الإنسان حيوان ناطق وهو كذلك على كل حال فنحن كبشر فينا لا تزال الكثير من صفات الحيوان و في المحصلة نحن أولاد عمِّ في النهاية. إما عن تاريخ الفكر فهو حديث العهد في تاريخ الإنسان المكتوب بمعنى قبل عشرة آلاف سنة كُنا والحيوان سواء مع بعض التمايز في القامة المنتصبة واستعمال الأيدي في الصيد وجني الثمار البرية والغوريلا ما تزال تفعل ذلك إلى اليوم...وإنسان اليوم فيه الكثير من معالم الغريزة الحيوانية وزادها بشاعة حبه للسلطة والمال.


3 - الانسان هو الكائن المنتج-وطريق سعادة البشر هو الت-
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2019 / 5 / 28 - 05:14 )
وليس الرحمه والصدقه-الشيوعي الجيد هو الذي يناضل بحزم من اجل التنميه الثلاثيه المتشابكه-تنمية -العمل والعلم والثقافه-وحياة الانسان في الراءسمالية المتطوره افضل مئات المرات من حياة الفقر والحاجه التي عاشتها مئات الملايين فيما كان يسمى اشتراكيه-وهذا لايعني ان الراسماليه هي الكمال والنهايه-وسقطت اشتراكية الفقر والمذله لانعدام التنميه وقصورها قطعا عن التنميه التق احرزت في الرسماليه-تحياتي


4 - الطبقة العاملة
سلام ابراهيم محمد ( 2019 / 5 / 28 - 18:03 )
لقد إمتصت-الاشترامالية- المعاصرة الشعاع الثوري للطبقة العاملة !! لكن الماركسية و اليسارية كما أشرت أنت استاذي الكريم هي في القلب، حالة سمو، رُقي و سلوك إنساني، تخفيف للانا و توق
الى إحقاق العدالة و التمتع الفكري و العلمي... الضروف الحالية من الإنفجار السكاني، تدمير
البيئة و و و ..لا تبعث على الاطمئنان.. تحياتي

اخر الافلام

.. مظاهرات بتل أبيب والقيسارية ضد نتنياهو هي الأضخم منذ بدء الح


.. الناصرية 1 حزيران 2024 - مشاركات الحضور - ندوة سياسية لمنظم




.. الناصرية 1 حزيران 2024- اجوبة على مداخلات الحضور- الندوة الس


.. شاهد: احتجاجات ضخمة واشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهر




.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على صحفيين وتعتقل متظاهرين في تل أب