الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقال

حسن عبد الرزاق

2019 / 5 / 31
الادب والفن


مسلسل الفندق .. ورمزية المكان

حسن عبد الرزاق

اجتذبت الحلقات الاولى لمسلسل الفندق الجمهور واغرته على متابعته بسبب طرحه الجريء لحالات سلوكية سلبية مستجدة توشك بان تتحول الى جزء من بنية المجتمع.
وقد كاد هذا الانجذاب ان يستمر حتى النهاية بنفس الشدة لو ان المؤلف دخل الى عمق هذه الحالات وكشف لنا عن تأثيراتها الخطيرة وقدم النماذج الواقعية التي تمثل ضحاياها الحقيقيين . غير ان المفاجأة جاءت عندما اكتفى بملامسة سطحها من خلال اظهار المسببين لها مع مرور بسيط على الخلفيات الاجتماعية للضحايا .
فالمتاجرة بالبشر والمخدرات والتسول ومحلات المساج التي تحدث داخل عالم بعضها ممارسات سيئة ، هي حالات لها اثارها الخطيرة على الواقعين تحت وطأتها وليس المستفيدين منها ، ولهذا بدت الضرورة ملحة للاتجاه نحو اولئك الناس والدخول الى عالمهم وتصويره بدقة .
لكن الاهتمام بهذا الجانب قل كثيرا واتجه في اغلب الاحيان الى التركيز على ادانة الواقع السياسي من خلال حوارات مطولة معادة حد الاجترار باعتباره المسؤول عن حالة التدهور التي ضربت المجتمع ، ماجعل المسلسل ينحرف عن مهمته الابداعية احيانا متجها نحو مهمة (اعلامية) .
لقد اتخذ الفندق كمكان، رمزية تشير الى الوطن باكملة ، وهو مكان غير صالح للعيش بسبب زخم المشاكل الموجودة فيه وتناسلها وانسداد افاق الحلول .
وكان الاشخاص النزلاء فيه هم مجموعة من الفتيان والفتيات المنتمين الى منظومة الخراب يضاف لهم وكمضاد اخلاقي اشخاص اخرون حازوا على مقدار من الطيبة والوعي والثقافة
وكان الطرفان مؤهلين للدخول في صراع مع بعضم باعتبارهم ممثلين للثنائية الدرامية التقليدية ( الخير والشر) ، لكن اغلب الصراع انحصر مابين عناصر الشر لدوافع ذاتية فيما اكتفى الطرف الاخر بالتوجية والرفض والادانة في اغلب الاحيان ولم يدخل في صراع مباشر يؤدي الى الانتصار او الاندحار حسب ماتقرره رؤية المؤلف للواقع .
اذ بدت الشخصية الرئيسية (كريم) ، وهو الروائي المدون لتلك الاحداث شخصية مهمومة ومنشغلة بما يجري في مجتمعها من انهيارات كثيرة لكنها كانت في الوقت نفسه كانت سلبية الفعل تتأرجح عواطفها مابين حب الوطن والتقوقع على الذات بسبب عدم انسجامه مع مستجدات الواقع .
لقد غفل كريم كثيرا عما كان يجري في الفندق وهو ايحاء لغفلة المثقف عن الاحداث التي تدور في مجتمعه ، وعاش ضمن ماضيه وفي دائرة هلوساته وتخيلاته وبقي متقوقعا في اطار مكاني محدد منشغلا بكتابة رواية تصور حال سكان الفندق ولم يقرّبه من الواقع بشدة الا عودة حبيبته من الخارج .
في حين دخلت الشخصيات الثانوية المستلبة والمستعبدة من قبل تاجر المخدرات والاعضاء البشرية في صراع صعب مع هذا التاجر للتخلص من هيمنة هذه القوة الغاشمة التي سيطرت عليهم مستغلة ظروفهم الشخصية وتحديدا العائلية منها ، وكان الصراع محفوفا بالمخاطر التي حدث بعض منها لعدد من الشخصيات فيما نجى منها البعض الاخر بانتصار سلبي تمثل في الفرار اما الى الداخل او الى الخارج .
لقد جرت معظم احداث العمل داخل اطار فندق قديم ، وكان القصد من التركيز على هذا الحيز المكاني هو اعطاء دور البطولة للمكان وهو اسلوب انتهج في الكثير من الاعمال العربية والعالمية ، لكن حصر معظم الاحداث داخل حيز معين ممكن ان يكون مقبولا في الفيلم السينمائي بسبب قصر عمره الزمني اما في المسلسل الدرامي فقد يخلق نوعا من الملل مالم يجنح المخرج الى الاعتماد على عناصر تشويق اخرى تجعل المشاهد متواصلا معه بلهفة.
ولكي نتجاوز كل ماقيل عن عائدية العمل بعد ان كثر الحديث عنها وعن الاقتباسات ، فان العمل الذي استلمناه من المؤلف حامد المالكي كان نابعا من واقع حالي يزخر بالحالات السلوكية المستجدة التي اذا ماتم الصمت عنها فسوف تتحول الى ظواهر خطيرة تغدو جزءا اساسيا من بنية المجتمع العراقي ، ورغم تعدد الهفوات التي يسأل عنها المخرج اولا ، فانه وكما ذكرت في البداية استطاع ان يلامس سطح تلك الحالات ويشير الى وجودها وخطورتها بجرأة .
لقد اطلق المؤلف تسمية ( رواية) على العمل ولم يسميه بالمسلسل اعتمادا على تقنية ايهامية تشبه تقنية ( الحلم) لكي يؤكد لنا في النهاية ان ماجرى كان مجرد سرد خيالي لاغير ، واعتقد انه لجأ الى هذا من اجل التلميح الى ان واقعنا الحالي دخل في عالم الخيال بسبب غرائبية احداثه وماعاد هناك اي فرق بين الاثنين.
بقي علينا ان نشير الى الاداء اخيرا ، حيث ظهر محمود ابو العباس بعد انقطاع طويل باداء استثنائي ومدهش حقا ساهم كثيرا في قتل رتابة بعض المشاهد المطولة ، وادت سناء عبد الرحمن دورها بسلاسة وبدون تكلف ، ومثلها فعلت الاء نجم ، ونجح كل من ايناس طالب ودزدمونة وحسين عجاج وسنان العزاوي علي ريسان وعلي عبد الحميد وذو الفقار خضر وهند طالب وعزيز كريم في اداء ادوارهم بشكل مقنع ، فيما اعطى عزيز خيون رغم طبقة صوته العالية دائما ، نكهة مميزة وهو يؤدي دور شخصية عبثت بها تقلبات الاحوال في الزمن السابق وحولتها من وضع اجتماعي متميز الى انسان مشرد .
وعلى العموم كان مسلسل الفندق افضل دراما عراقية قدمت في رمضان الحالي رغم اقتصاره على واحد وعشرين حلقة فقط ورغم الاخطاء التي ماكان لها ان تحصل لولا الاستعجال اذ ليس من المعقول ان يبقى الفندق مفتوح الابواب ليلا ونهارا فتحصل فيه كل الجرائم بهكذا سهولة ، ولا ان تحصل جرائم القتل بدون ان تحقق الشرطة بها مع صاحب الفندق كما ان محور الراقصات الثانوي وعلاقتهن بعبد الرزاق بدا غير مؤثر في سير الاحداث وكان وجوده من عدمه سواء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1


.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا




.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية


.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال




.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي