الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملعب مقبرة الشهداء

علي دريوسي

2019 / 6 / 1
الادب والفن


ملعب مقبرة الشهداء
**
لم يكن نبيل قد تجاوز عمر المراهقة حين صار من الحَلاَّقين المعروفين في المدينة.
إطلالته، قامته الرشيقة، ملابسه الأنيقة، نظافته وشعره الأسود الجميل بتسريحته التي طالما تمناها لشعره كل مراهق في الضيعة، سماته هذه كلها كانت توحي بمهنته وحبه لها.
كل من ترك شعره بين يديه ليُقّص كان يتكلم عن مهارته في الإمساك بالمقص.
مع الأيام أنعم الله عليه كما يقولون فصارت سجائره ماركة كنت، اشترى خاتماً ذهبياً لبِنصِره وراح يتنقل من بيته إلى صالون الحلاق مستخدماً تكاسي الأجرة الصفراء.

ما إن وقف على رجليه – بالمعنى الضيق جداً للكلمة – حتى اقترح على صبيان الحارة فكرة تشكيل فريق الناشئين لكرة القدم وكان اسم الفريق حاضراً في ذهنه، فريق الأجيال، ولأنه يعرف سلفاً أن الأولاد في عمر العاشرة حتى الخامسة عشر ليس في مقدورهم المشاركة المباشرة بسعر البلوز التي ستميز الفريق من خلال لونها وأرقامها وطباعة اسم الفريق عليها، لذا بادر لشراء إثني عشر بلوزة باللون الأحمر، واحدة له بصفته مدرب ورئيس الفريق، واحدة لحارس المرمى حسن والبقية للاعبين: سوّار، ثائر، نادر، نوفل، أحمد، عمار، عماد، عبد، علي وجمال.
كان معظم اللاعبين من عظام الرقبة، من عائلته الكبيرة، إخوته، أولاد عمه، أولا خالته، أبناء عمته وأولاد الجيران.

وهكذا اشترط المدرب اليافع على أعضاء فريقه تسديد رسوم البلوز بالتقسيط، كان سعر البلوزة الواحدة 15 ليرة سورية، بعد أن وعدهم بشراء الشورتات والجرابات لهم إذا ما أظهروا مهاراتهم أثناء المنافسات مع الفرق الأخرى في الضيعة نفسها أو في القرى المجاورة، تلك المنافسات التي كانت تدور حول كأس البطولة أو تلك الفردية منها والتي غالباً ما رافقها العنف الابيض والتي جرت للفوز بالمراهنة حول مبلغ من المال لم يتجاوز الخمسين ليرة، والتي يقوم كل عضو بدفع جزء منه.
بعد انتهاء كل مباراة كان المدرب يقوم بجمع البلوز، يضعها في حقيبة سامسونايت خاصة ويأخذها معه إلى المنزل لغسلها وتجفيفها وبهذا ضمن عدم استخدامها لأغراض التسكع، ولا سيما أن الأولاد لم يسدّدوا ثمنها بعد.

كانت الملاعب عبارة عن قطع أرض معدة للبناء لكنها مزروعة ببضع شجرات زيتون، أو عبارة عن ساحة لمدرسة بأرضية إسمنتية، أو عبارة عن ساحة إسفلتية كانت تُستخدم للعروض العسكرية حين دفن الشهداء حصراً، والتي عُرفت باسم ملعب مقبرة الشهداء.
ولأن الملاعب كانت صغيرة جداً وبدون مرام نظامية لذا لم يتجاوز عدد اللاعبين في كل فريق عن السبعة، بينما جلس الآخرون بصفة احتياط وأنا كنت من بينهم.

لم يستمر وجودي في الفريق الاحتياطي أكثر من لعبتين، ففي المرة الثالثة جُرح لحسن حظي أحد اللاعبين فطلب مني المدرب أن ألعب محله في موقع الدفاع، فرحت جداً وأنا في الحادية عشر من عمري، دخلت إلى ملعب المقبرة للمرة الأولى في حياتي وأنا أحلم بإحراز هدف وسماع تصفيق الجمهور لي.

لم تمض أكثر من عشرين دقيقة حتى تسببت بهدف في مرمى فريقنا، بدأ النباح عليّ من حدب وصوب، حينها اِكتشف المدرب بأن لا علاقة لي بما يسمونه كرة قدم، كان غاضباً وصرخ بي أن أغادر الملعب على الفور، في الوقت نفسه كان يتكلم مع أحد الأولاد، ابن خالته محمد، الذي كان قد ترك أحد الفرق المنافسة لفريقنا ورغب في الدخول إلى فريق الأجيال، صرخ بي وهو عابس كي أخلع بلوزتي ذات الرقم 15 بأسرع وقت وتقديمها لابن خالته، اللاعب الماهر، الذي حل محلي مباشرة، وقبل انتهاء اللعبة طردني من فريقه نهائياً.
ومنذ ذلك اليوم لم ألعب كرة القدم يا صديقي نبيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر


.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية




.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال