الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغيرت نعم

رسل بشير

2019 / 6 / 1
الادب والفن


حين يسألوني ذاك السؤال اعتقدت البداية أنه سؤال ذو طابع سلبي يجب أن أدافع عن نفسي أمامه، وأخذت أردّد أنني لن أتغيّر وسأبقى كما انا
لكن العجيب أنني مع مرور الأيام بدأت أكتشف أنني بدأت فعلا أتغيّر! وأن تتغيّر وأنت في سن النضج يختلف تماماً عن أن تتغيّر وأنت في سن المراهقة وبداية مرحلة الشباب، فالتغيّر الذي يرافق مرحلة النضج عميق نابع عن قناعة أكثر منه عن تغير هرمونات أو تأثير فلان وعلان والمجتمع بأكمله، تغيّر متفرّد لا مجال فيه للتقليد، خاصة لذلك الذي فهم نفسه أولاً قبل أي شيء آخر.


تغيّرت بأنني رافقت نفسي أكثر من أي أحد، فهي معي طوال الوقت حتى أثناء نومي، وإن فهمتها وفهمتني فسنكون ثنائياً رائعاً بهيئتي أنا، فلا بدّ أن أرحمها وأدللها ولا أقسو عليها. أصبحت أقدّر معنى الوقت أكثر، ومعنى الصحة، ومعنى الأهل، ومعنى العائلة، ومعنى الحياة بأكملها. أصبحت أصمت في مواقف كانت تشعلني غضباً في الماضي ليس ضعفا، بل لأنني بتّ أكثر قوة في السيطرة على مشاعري وانفعالاتي. أصبحت أماً فتغيرت، وأصبحت أكثر انشغالاً فلا متسع لكثير من الوقت لنفسي، فنفسي أصبحت كقطعة حلوى موزعة بينهم وأحاول أن أحتفظ بقطعتي فلا يأكلها أحد غيري.


أصبحت أكثر صبراً عن ذي قبل على الأقل لو قارنت نفسي بنفسي. أصبحت لا أصدق مقولة شخص واحد ولا وجهة نظر واحدة. لا أتعاطف مع أحدهم بسهولة، ولا أتنازل عن حقوقي بسهولة أيضاً بل وإن استدعى الأمر أطالب بها؛ لأنك ستتوسل للحصول عليها بعد فترة إن أنت تنازلت عنها! أصبحت أفكر بقصر الحياة، أفسر الطبيعة بعينيّ أنا، أستمع أكثر وأستمتع أكثر، تعلمت أن الاعتذار عن الخطأ قوة وليست إهانة، وأن أعامل الناس بما يظهرونه ولا شأن لي بما يخفونه فهذه حدودي، والباقي عند خالقنا. أصبحت أقل اندفاعاً في بعض الأمور، ما عاد يزعجني النقد كما كان، فهمت معنى الحديث النبوي بأن الصبر بالتصبر والعلم بالتعلم والحلم بالتحلم.


تغيرت بأنني كنت أهتم للناس من حولي كثيراً، أما الآن فاهتمامي فقط لمن هو ضمن اهتماماتي، وما غير ذلك، فإما مجاملة لأجل رحم، أو أجر، وإما قطع ومع ألف سلامة. تغيرت بأنني أصبحت أنام أقل وأحلم أكثر، لكن وأنا مستيقظة، بأنه بعد أن كان هناك وقت فراغ في يومي أصبحت الآن أسترقه سرقة، تلك السرقة المشروعة المحببة في شريعتي أنا، بأني كنت أرتعش خوفاً بل بالأحرى قرفاً من الصرصار هذه الحشرة التي كان يقشعر لها بدني، أما الآن فأصبحت أضربه بأي شيء أمامي بكل ما أوتيت من قوة، وأنا نفسي التي كنت حين أراه أقفز وأصرخ وأنادي أبي أو أخي ليتخلصوا منه فينفجروا بالضحك على شكلي وتعابير وجهي وكأني رأيت ديناصوراً لا صرصاراً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال