الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأرض وتيار الوعي .. بين ضفة المعنى .. وفضول العدم دراسة .. نقدية لديوان الشاعر الفلسطيني يوسف القدرة .. المعنون ب - دموعها .. تبكي الخراب -

أمل فؤاد عبيد

2019 / 6 / 1
الادب والفن


الألم الذي في صمتك يؤلم صوتي .. لو انفجرت الآن سأكون ضحكتك .. أعرف أن روحك الآن تسقي الورد في البراري .. صدى حزنك يمشي على مهل في الأزقة .. خطواتك لازالت تغني على العتبة .. لماذا كنت تحدقين في الجدار القديم ..؟ وروحك حيت تغفو تبدو كتشابيه ..؟ ص 39
لك صوت يرقص سنونوة على جبل وتد .. وحزني نيران من شهقات حين وجعك يردد ترانيمه .. يأكلني صمتك حينا .. بلا رأفة كطفل يحشر لعبته في خزانته ويهلل لانتصار وهمي .. ص25

طريقنا إلى هذه الأسطر .. قد قطع شوطا بل أشواطا من الألم .. ( الأرض – الإنسان ) هذه الجدلية الحوارية .. وإن بدت من طرف واحد وهو الراوي / البطل / الإنسان .. تحيك حروفها أسطورة ضمنية .. عن علاقة أو ارتباط الإنسان بالأرض .. بل وتشدو حروفها حميمية هذه العلاقة وهذا الارتباط .. كما وأنها تحاصرنا بكم من الدلالات والرموز التي تأخذ تارة فعل النشوة والسعادة وتارة أخرى بصمة من بصمات الألم والشقوة .. هذا التردد بين مستويين من الشعور والانطباع لا يتحقق إلى في حالة مثل حالة الإنسان الفلسطيني .. الذي يعيش حالتين متراكبتين ( الفقد – الامتلاك ) أو الحضور / الغياب .. وجود أو حضور الأرض وغياب الإنسان تارة .. وتارة غياب الأرض ووجود الإنسان .. فأنا حاضر في وطني ولكني لاجئ فيه .. أو قد أكون لاجئ خارجه .. أو قد أكون حاضرا فيه ولكنه مغيب عني ..أو مغيبا عنه .. هذه الصراعات .. هذه التناقضات .. تخلق أو تشق لها طريقا داخل النص الفلسطيني ( الروائي منه والقصصي وأحيانا الشعري ) .. من هنا لنا أن نعاين مثل هذه المشاعر .. مثل هذا الوعي في النص السردي القصصي الشعري في آن للكاتب يوسف القدرة .. المعنون بـ " دموعها .. تبكي الخراب "
وقد اتخذت للدراسة عنوان الأرض وتيار الوعي بين ضفة المعنى وفضول العدم .. على أن ما اقصده بتيار الوعي ليس كمذهب نقدي تحليلي أي كمصطلح بقدر ما قصدت به دلالاته النفسية بالنسبة للأرض / الإنسان يتوحدهما مستوى بنيوي من العلاقة .. وتيار الوعي هذا يكاد يؤرجحنا بين مستويين من الإدراك الأول : كمعنى وجودي حاضر له سلطته وقوته وهيمنته نتحسس مفرداته من خلال ( صوت الأرض وصوت الإنسان ) , والثاني : كحالة من حالات الشعور بالعدم الذي يحاصرنا متعمدا بفضول ( كإشكالية وجودية لإنسان يفتقد لوجود الأرض , في المقابل لأرض تفتقد للإنسان الغائب - الحاضر الذي هو أحق بها من غيره ) .. من هنا ننصت لمفارقات الوجود - العدم وكلاهما حاضرا أيضا في الوجود والعدم .. بمعنى أن الشعور بأحدهما يستدعي حضور الآخر .. أو هما يتأرجحان او يتناوبان الظهور بكل غرور بما يشي بحالة من حالات القلق والريبة في كثير من الأحيان مما يدفع بالكاتب الى طرح سؤاله :

" أيخدع الشك يقيني أم أن لا يقين لروحي ..؟ هل شوكة الحلم صحوي في حضن الأبد أم أني بك أدرك كنهي ..؟ أيحسب عاشق أن الوردة المتنبهة لنداها اللامع وردة ..؟ أم يحسبها جنة مشتهاه ..؟ كذلك . "

تكاد هذه الفقرات تختصر إشكالية الوجود في ثلاثة محاور لا غير .. وكأنها فصول مختصرة من الفلسفة الوجودية .. المحور الأول وهو يدور حول الذات وحركة وعيها وإدراكها .. ليصف لنا تموقع النفس بين يقين وشك .. أو يقين - لا يقين .. ذلك حيث أن الكاتب قد فقد بوصلته في تحديد إدراكه .. إما بالشيء المدرك ( بفتح الراء ) أو إحساسه بالذات المدركة ( بكسر الراء ) كذات تلتحف يقينها تارة وتارة أخرى تغامر بواعث الشك تتردد أمكنتها كفراشة ضالة .. فيتركنا الكاتب مع فضاء من الاحتمالات الكثيرة .. أما المحور الثاني .. وهو يدور حول الذات والموضوع .. إدراك المعاني من خلال حالات وتحولات الذات .. ومن ناحية أخرى إدراك الذات وتكوين تصورات لها وعنها من خلال الموضوع الحاضرة معه وبه وفيه .. فنجده يأخذنا لمنطقة أكثر تحديدا و تأطيرا .. ليطارحنا بـ " هل " مستوى أعلى في نبرة الصوت وكأنه يحاول تفكيك سؤاله الأول " أيخدع " أو هو يحاول شرحه بتفاصيل أكثر إبهاما .. فهو يحدد قطبي تأرجحه بين الحلم والصحو .. لينتهي بنا إلى سؤال لها .. " أم أني بك أدرك كنهي " ولكن من هي ..؟ الذات ..؟ أم الأرض ..

ليدخلنا منطقة أكثر انغلاقا - انفتاحا على .. الذات - الأرض .. ولاشك في النهاية يبقى التشابه بين النفس والأرض .. كتربة خصبة أو أرض جدباء .. يثير الكثير من الكشف .. على أن الكاتب هنا يحاول في طرح سؤاله هذا التأكيد غير المباشر على علاقة الذات بالموضوع وما بينهما .. فهو يصف لنا حالة تردده بين حلم يصفع خده شوكة الصحو في حضن الأبدية وبين كشفه لذاته الحاضرة في موضوعه أو بلغة أخرى كشفه لذاته التي تعيش موضوعها فلربما يكون موضوع الذات الذات نفسها وقد يكون القطب المقابل لها وهو الأرض - الوطن ..

لينتهي بنا إلى المحور الثالث والأخير والذي يدور حول الموضوع .. المستقل بوجوده عنا .. رغم أن هذا الوجود يأخذ معناه وحقيقته من وجودنا .. وجودنا هو من يمنح للموضوع تصورات ومفاهيم .. كما أن الموضوع المستقل عنا .. يمنحنا معان ومفاهيم محددة من خلال تمتعه باستقلاليته ولما له من قوة لفرض هيمنته التي استمدها من قبل من وجودنا نحن .. فنحن من يعطي للموضوع قيمته وقيمه ومعناه .. من هنا وبعد تسلسل الكاتب لاختصاراته الفلسفية تلك ينتهي بنا إلى الاختصار الأخير والضروري على شكل سؤال " أيحسب عاشق أن الوردة المتنبهة لنداها اللامع وردة ؟ أم يحسبها جنة مشتهاة ؟ كذلك " حاصرا فيه اشتباك الحواس .. حواس الكاتب الذاتية وتلك الحواس التي يفترض وجودها الكاتب والتي يتشكل من خلالها تصور الوردة لذاتها عن ذاتها .. نستطيع تسميتها مجازا بالحواس الموضوعية الخارجة عنا مقابل حواسنا الذاتية مما يمنحنا أو يتيح لنا مبررا شرعيا لمشاركة الكاتب سؤاله ويتوغلنا إحساسا بذلك التيه الذي يبادؤنا فيه السؤال حتى ما قبل النهاية لتفاجئنا إجابة حاضرة هي مفردة " كذلك " التي وفرت علينا حالة القلق وأخرجتنا من فوضى الحواس إلى يقينها .. ليتملكنا إحساس بهذه الجنة المشتهاة و الذي نستشرفه جميعنا عند حدود التحامنا بالأرض – الوطن – الأم .. على افتراض تأويل الوردة كإشارة رمزية عن الوطن - الأم - فلسطين .. فإذا ما تم إلغاء تلك المفردة وهي " كذلك " لربما بقي السؤال منفتحا على احتمالات الإجابتين المتضمنتين بين طيات السؤال .. في ذات الوقت وبعد تأكيد الإجابة الثانية يزيدنا ذلك تشوقا وتشوفا لما تحمله من دلالات روحية وقدسية ما يجعل " فلسطين " تترفع عن مستوى الابتذال .. فهي جنة مشتهاة لـ " عاشق " يعرف قيمة الثقة والتعالي وهنا ترميز لقداسة الأرض " فلسطين " ولأمثاله من العشاق .. إن السؤال ( أيحسب ) يحمل ضمنيا الاعتراف واليقين بأن هذه الوردة - الموضوع - الرمز المتنبهة لنداها اللامع .. الرامز للقداسة والطهر فهي تبدو لنا بأكثر من مجرد وردة .. فهي كما تبدو لذاتها تبدو لنا .. كما تدرك ذاتها يدركها الآخرين ..
وقد جاءت مفردة عاشق نكرة لتركيز عين الرائي على الموضوع المدرك ( بفتح الراء ) دون الاهتمام بالذات المدركة ( بكسر الراء ) .
من هنا وعلى نحو تلك المحاور سنقيم علاقة حوارية - كشفية مع هذه المجموعة القصصية .. لا يفترض بنا أن نسلك خطا يتوافق وتسلسل القصص في داخل الكتاب .. إنما قد تستوقفنا محاولات القراءة والكشف شبه محطات لالتماس المعاني وفضول العدم الذي يحاول أن يحطم صرح هذه الفلسفة الوجودية بمحاورها الثلاثة .. أو لنقل هذا العدم الذي قد يكون حقيقة موضوعية أو فكرة وهمية والذي قد يتسبب في حالة قطع لسيناريو العلاقة المعرفية بين الذات - الموضوع ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب


.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري




.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس