الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لاجئون للوداع

لارا رمضان أيوب

2019 / 6 / 2
الادب والفن


لاجئون للوداع
كثيراً ما قرأنا أو تناول مسمعنا قصص حبّ بدأت وأنهتها متاهة الحرب، لكن لم نسمع "إلا قليلاً" عن قصة حبّ تبدأ مع الحرب، ولأن طبولَ الحرب ترفضُ الرحيل إلى اليوم ،�لم نعد نستغرب من سماع قصص رهيبة "قد كانت سابقاً مجرّد خرافة".�جان وسارا أبناء مدينة واحدة ومن أديانٍ مختلفة، التقيا "صدفة" في طريق النجاة من الجحيم، مع مجموعة من الهاربين على مقربةٍ من الشاطئ.
كانت الساعةُ تشيرُ إلى الواحدة بعد منتصف الليل، حين نادى صاحب (البلم) عليهم: "هيّا، فقد حانَ موعدُ الرّحيل".�لكلٍّ منهم قصص موجعة وفظيعة في التعبير، سيرمونها في سلّة النسيان بعد العبور إلى ما وراء البحر.
وكلّ منهم يحمل متاعهُ، وحدهُ الرجلُ العجوز يحملُ قميصاً ملطخاً بالدم.. ��يسأله جان والغرابةُ ترسمُ نفسها على وجهه :"ما هذا يا عم ؟".�يجيبه العجوز : "بعد أن غطت عينيه بالدموع : "هذا القميص الأخير الذي لبسه ولدي.. ذهب يُرِيدُ الحريّة، فعادَ حراً ..شهيداً !�تتقدم سارا لمواساته : "لا تبكي ياعمّ، أنا فقدتُ والداي هناك، وكلُّ من جاء إلى هنا تنقصهُ قطعةٌ من روحه، أعطيني يدك ودعنا نرحل إلى سبيلنا"�بقي جان واقفاً ومطرٌ ما يتساقطُ من عينيه " وهو يقول للمدى : "فقدتُ أمّي بعد أخي بأيّام...". ��كلهم رحلوا تاركينَ أرواحهم خلفهم، لكلٍّ منهم قصة أليمة، ولكلٍّ منهم دمعٌ يُخبئهُ في وسط البحر، وحالهم يشبهُ كُلَّ شيء إلا "الحياة" ،
يبدو أنّ خريطة العالم أصبحت صغيرة، سيقطعونَ حدود عدّة دول، لتستقبلهم دولةً ما،
ويبدو أن البشر لم يعودوا يتذكرونَ الكلمة الجميلة، ليخففوا عن بعضهم هول مصائبهم.��يتابع جان بعد أن فقد السيطرة على دموعه: أنا راحل وهناك دفنتُ أمّي، لا أملك الأن من يقل لي (أعتنِ بنفسكَ يا جان).�تقدمت سارا إليه قائلة: الحياة لا تنتهي ، كلنا الأن معك وأنا معك..��لم تكن سارا تدري أن تلك الكلمة سوف تولد في قلبه شعاع أمل "ولو كان بسيطاً".�في البحر، الصمت يملأُ هذا البلم البسيط، وهم يدركون إنّ معيشتهم هناك ستكون سنوات طويلة من الصمت.
لم يكونوا خائفين، فقد عاشوا كلّ أنواع الخوف في وطنهم، وإنني أُجزم أنَّ الأسماك تخافُ من إبراز رأسها أمام ثقلَ همومهم.
أنهوا الرحلة بسلام .�لأولَ مرة يَرون جنوداً يتقدمونَ لإستقبالهم، في وطنهم كان الجنود يتقدمون لقتلهم!!��في مكان تواجدهم، في إحدى القرى التابعة لدولة أوروبية، حضّروا لهم أماكن للنوم وقاموا بتقديم الطعام والاعتناء بهم، وهكذا مضيت الساعات إلى أن وصلوا المكان الثاني بعد منتصف الليل، كانوا جميعاً مجتمعين في طرفِ ذاك الحيّ المسمى بـ "كامب".��العجوز يشعلُ سيجارته ويقول كان ولدي الشهيد قد أنهى دراسة الدكتوراه والتحقٓ برفاقه الذين خرجوا مثل المجانين، عشاق الحرية والحياة، لكن الرصاصة كانت من نصيبه.
يفتحُ جان الحديث عن عمله: كنتُ مع رفاقي الجامعيين نستعدُ لاعتصامٍ لأجل المعتقلين ، كنّا نحملُ لافتات مكتوبة عليها ( السلام ) ، فوصل الخبر إلى رجال الأمن، وتسبب هذا العمل في مقتل أمّي سهواً، علماً أن الأمن حاولوا الوصول إليَّ، فكانت أمّي هي الأقرب.�تأخذ سارا الحديث: أما أنا كنتُ ابنة عائلة فقيرة، وكنتُ أعمل في لجان حقوق الإنسان، ذقتُ مرارة التخفي عن الأنظار وحين فشلت محاولاتهم في القبض علي، كانا والداي لقمة حقدهم.
وحين أنهت حديثها حتى كانت الشمس تشرقُ عليهم من جديد،�يومٌ جديد، بلدة جديدة، تفاصيل جديدة ، حزنٌ قديم ... ��مرت الأيام وكان جان برفقة سارا في رحلة هروبهم وكان قلبهُ يتعلقُ بها أكثر، حتى أنه ذات يوم سألها: ما رأيكِ في قصة حب بين اثنين ليسا من دين واحد ؟�غمر الفرح قلب سارا المليء بالحزن ، لم تجاوبه إلا بابتسامةٍ جميلة، رسمتها على شفتيها الجميلتان.
وعندما أشرفوا على الوصول لم ينم جان في تلك الليلة، فهو يعلم ما أن تشرق الشمس ستنتهي رحلته مع سارا وسيذهب كلٌ منهم في دربه.
ذهب إلى باب غرفتها في ساعة متأخرة من الليل صدمها وقوفه حزيناً.�" ما بك يا جان؟" قالتها سارا باستغراب�_" غداً آخر يوم لوجودي معكِ ياسارا، ستنتهي الرواية التي تجاوزت جملها بألف دمعٍ من أعيننا ولكن آخر جملة من الرواية هي أني أحبكِ،
ربما يَكُونُ كلامي لكِ صادماً بعض الشيء لكن هذه هي الحقيقة.�" وأنا أحبك يا جان " قالتها سارا في نفسها لأن هناك أديانٌ وعاداتٌ وتقاليد فطموا عليها لتمنعهم ذات يوم من أن يكونا عاشقين يحلّقان في درب المنفى .
عانقتهُ سارا وتنفست من رائحته بلهفة جندي يأخذُ أنفاسه الأخيرة.
-اذهب يا جان هذا الحب مات قبل أن يُعاش كطفلٍ يلدُ ويموتُ في وطننا لأنه ليس هناك علبة حليبٍ تنقذهُ من هول حربهم، تماماً أنا وأنت متنا حين كانت هناك معتقدات تفرضُ نفسها علينا قبل أن نلفظ أسمائنا.
غادرا الكامب، كلُّ واحدٍ منهم في طريقٍ مختلفٍ بعيدٍ عن الآخر ولكن في شمال صدورهم كان هناك حبٌّ يرفض النسيان.�الحب الذي بقيّ يفشلُ أمام مقصلة الحروب .
لارا أيوب كاتبة كوردية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة خاصة مع المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وأسرار وكواليس لأ


.. بعد أربع سنوات.. عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بمشاركة 7




.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل