الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضوء على جدار ذاكرة الروائية منى ماهر

عبد الفتاح المطلبي

2019 / 6 / 2
الادب والفن


ضوء على رواية جدار الذاكرة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العتبةُ االنصيّةُ الرأسُ ((العنوان)) تُشكلُ في نظرِ النُقاد أمراً مفتاحياً لمغاليق المحتوى المتني في أي كتاب إذا نجح الكاتب في جعله اختزالاً للمتن السردي، بهذا سأحاول الدخول إلى ما يلي العتبة في رواية الأستاذة الروائية والناقدة (منى ماهر)، إذا أخذنا بالإعتبار لوحة الغلاف التي هي جدار عليه بورتريهات شخوص فإننا نفهم ببساطة أن العتبة الروائية قد تطابقت تطابقاً إعلانيا يتسم بالبساطة ووالوضوح، جدارٌ عليه صور لأشخاص والصور لا تعلق على الجدران إلا للذكرى وبهذه البساطة حققت الكاتبة سيميولوجياً إيحاءً جاهزاً للقارئ وجعلتهُ مكتفياً بهذا القدر من المعنى فإذا كانت العتبة اختزالا للنص المكتوب واللوحة تعبيراً عن الحدث سنجد أننا أمام رماد معنوي منطفئ لا تشتعل فيه الأسئلة مما يقلل من وظيفتي العنوان الرئيس ولوحة الغلاف وكلنا يعرف مدى تأثيرهما الأولي على المتلقي قبل الشروع بالقراءة وكان الأحرى أن تتم إزالة هذا التطابق بين الللوحة والعنوان واللجوء إلى وضع نصٍ صوري به بعض الغموض المولد لللأسئلة والمتحرش بالقارئ وليكونَ دافعا إلى قراءة المتن لأزالة تلك المسحة المقصودة من الغموض الشفيف المطلوب، الذي لا يفتح الباب أمام القارئ ولا يُغلقهُ كليّا بل يجعلهُ موارباً مغريا ومحرضا على الولوج مع شحنة من الفضول لمعرفة ما وراء العتبة، لكننا نجد أن العنوان قد فسّر اللوحة على الغلاف ولكنه لم يختزل فحوى الرواية التي بدت كحكاية واقعية ذات تجربة واحدة لشخصيتين تكادان تتطابقان في الظروف والبيئة والتداعيات ، لكن الأمر من جهةٍ أخرى سجلّ نجاح توليف هذه العتبة النصيّة المؤلفة من مضاف ومضاف إليه نكرة زائداً معرفة ، إذ يبقى الجدارُ مبهما بدون الذاكرة وحين أضيفت الذاكرة للجدار أعطته إعتبارا محترما ذا معنىً وكينونةٍ تحيل إلى أمرين تبعا لموقف راويتي الأحداث ففي حالة الراوي حياة كانت الذاكرة المفقودة قد أصبحت جداراً بينها وبين حبيبها(شكري) مما حقق اختزالا ملفتا للحدث عبر العتبة أما في حالة الراوي الثاني ( همس) فقد كا ن الجدار الذي يحمل الذكريات المعبّر عنها بالبورتريهات قد اضطلع بوظيفة المَعبَرِ بين حاضر وماضٍ قريب مازال مؤثرا في الأحداث ، وأجد أن مقصودية توليف العتبة النصيّة (الرأسُ) قد أدّت ما عليها لكن كشف المضمون المسبق عبر التشكيل النصي والصوري قد أثر سلبا على العلاقة بين النص وقارئه وقد أذهبُ إلى ترجيح ذكر هذه التفاصيل في المتن وليس في العتبة بل وأفضل أن تكون لوحة الغلاف ذات مسحة غموض شفيف لا يعطي فحواه بهذه السهولة لكي تتراكم قيمة العتبة نصاً في ذهن قارئ المتن على اعتبار أن ذلك يكون أحد مكاشفات القارئ مع النص.فإذا أعطى الكاتب تفسيراً جاهزا للمتن عبر سطح العتبة فقد أضرّ كثيرا بعملية زج القارئ في مجرى السرد وأضرّ بالمثاقفة عبر إلغاء الحفر في المجرى السردي للبحث عن إجابات لأسئلة محتملة ربما يولدها تعاقب التفاصيل وقلق اللحظات المسرودة.
في البدء وقبل الإنغمار في نهر السرد في رواية جدار الذاكرة للكاتبة والناقدة الأستاذة منى ماهر ظننتُ أنها قد صممت على الأسلوب البوليفوني ( تعدد الأصوات ) حين بدأت الرواية بصوتين وشخصيتين تتناوبان في الروي وقد عمدت الكاتبة إلى تقسيم روايتها إلى حصتين لراويين هما (حياة) و(همس) بالتساوي ولكننا نجد أن صوتي الشخصيتين الراويتين تتطابقان وتندمجان وتدوران في الفلك ذاته بحيث نشعر أن الراوي لا يختلف إلا في الإسم فقط إذ ليس هناك تعدد للأصوات المختلفة التي تعبر عن مزاجها بشكل يُغاير الأصوات الأخرى إن وجدت، تقول الدكتورة(( يمنى العيد)) في كتابها تقنيات السرد الروائ ( هل تختلف الأصوات ضمن الموقع الواحد الذي هو موقع الراوي بحيث يكون اختلافها مجرد تنويع على صوت الراوي الواحد وتعددا له )*1 ، يسيرُ السرد على لسان الراويتين بشكلٍ متوازٍ ومتشابه حتى أن القارئ يُشكل عليه الأمر أحيانا فيختلط في وعيه ما يحصل لهمس مع ما يحصل لحياة ، إن شخصية حياة التي تنهمك بعلاقة حب مع رجل متزوج بأخرى لانيةَ لديه للتخلي عنها تبدو غير واقعية خصوصا إذا علمنا أن الحبيب يحب زوجته ويحب حبيبته بالوقتِ ذاته وليس لديه الإستعداد للتخلي عن إحداهما وكأنهما قميصان يحب أن يرتدي هذا وذاك في مناسبتين ووقتين مختلفين ،إن قبول (حياة) بشرط الحب الحاصل مع معرفتها بأنها الثانية في التسلسل يجانب الواقع ويشكل انموذجا فرديا لا يعبر إلا عن ذاته وعندما تبدو هذه العلاقة غير المبررة بإثارة السؤال( وماذا بعد) تقود الكاتبة السرد نحو الحل الوحيد وهو محو إحداهما من الذاكرة لتكون جدارا يفصل بين حياة وقضية الحب غير الواقعية وبهذا ترى الكاتبة أنها قد حققت ما قدح في ذهنها منذ البدء ( الجدار والذاكرة).
أما همس ووالدتها تلكما الشخصيتان اللتان تعرّضتا إلى هاجس التهميش والهجر منذ البدايات وارتكاز وعي الشخصيتين على حالة مقارعة الدونية في العلاقة الحاصلة بين الأم وزوجها الأول ثم الزوج الثاني الذي أظهرته الكاتبة ذئبا يتحين الفرصة للإنقضاض كما في حالة الإبنة التي وجدت في نادر أيضا تلك المسحة الذئبية التي لا يفتأ نادر بالتعبير عنها عبر علاقةٍ مضطربة سلبيةٍ بالنسبة لهمس بحيث أنها كانت لا تمثل إلاّ دور الطريدة التي يسيل لعاب الذئب لها ولستُ أجانب الصواب إذا قلت أن حياة همس كانت نسخة من حياة والدتها العاطفية مثلتا وجهين من الوعي والكشف في حالة همس ومن اللاوعي والإندماج مع دور الضحية إلى آخر الأمر لولا ظهور امرأة (الزوج الثاني) بالوقت المناسب وقد دعمت الكاتبة وعي شخصية همس بكشف زيف شخصية (نادر) ل(حياة) وتعرية نواياه وكأنها أي (همس) تؤدي وظيفة الوعي في شخصية حياة وهنا تلتقي الشخصيتان لتتوحدا معبرتين عن راوٍ واحد لتجربتين متشابهتين حد الإندماج وبهذا يمكن القول أن إسلوبية الرواية كانت تعتمد على راوٍ واحد بصوتين متناغمين وليس لصوتين مختلفين وهنا تنتفي البوليفونية تماما متوحدةً براوٍ واحد وهو الراوي الخارجي المهيمن وهو أيضاً المؤلف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق