الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في دعوى عبد المهدي ضد الحلبوسي

حسن عادل

2019 / 6 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


منذ إنشاء العملية السياسية في عام 2003 وإقرار دستور العراق الدائم لعام 2005 لم تخلو العلاقة بين السلطات الرئاسية الثلاث (السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، السلطة القضائية) من التنازع حول الصلاحيات، وذلك يعود إلى بعض النصوص الدستورية الغامضة وغير الواضحة في توزيع الصلاحيات بين تلك السلطات، وهو ما دفع كل منها إلى الاستنجاد برأي المحكمة الاتحادية العليا التي وضعها المشرع الدستوري موضع المفسر لنصوص الدستور لإثبات سلطته وبيان صلاحياته في هذا الموضوع أو ذاك، رغم اللغط الذي يشوب بعض قرارات تلك المحكمة على المستويات السياسية والشعبية والمهنية، لذلك يود الباحث أن يستعرض إحدى تلك الخلافات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتي وصل الحال بها أمام أنظار المحكمة الاتحادية.
أشار المدعي وهو رئيس الوزراء إلى قانون المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان رقم (35) لسنة 2008، و أن المدعى عليه رئيس مجلس النواب قد خالف الدستور في إقرار هذا القانون، وللتوضيح يود الباحث إن يتناول كل فقرة من فقرات الكتاب بالتفصيل.
يشير المدعي في الفقرة الأولى من كتابه إلى إن المادة (2/أولاً) التي نصت على ارتباط المفوضية بمجلس النواب مخالف لإحكام المادة (102) من الدستور التي نصت على رقابة مجلس النواب على المفوضية وليس ارتباطها به، ويفصل في معنى الرقابة والارتباط، ويشير إلى المادة (103/ثانياً) التي ربطت هيئات أخرى بمجلس النواب، وان المشرع الدستوري لو أراد ارتباطها بمجلس النواب لأشار إلى ذلك، ويستند في تفسيره هذا إلى تفسير المحكمة الاتحادية العليا في قرارها المرقم (88/اتحادية/2010) الصادر في 18/1/2011 والذي نص على ربط الهيئات المستقلة غير واضحة الارتباط في الدستور بمجلس الوزراء، ويشير أيضاً في النقطة ثانياً من الفقرة الأولى من كتابه أعلاه إلى إن عدم ربط المشرع الدستوري للمفوضية بمجلس النواب يعني جوازاً ارتباطها بمجلس الوزراء لطبيعة المهمات التنفيذية الملقاة على عاتق المفوضية والتي هي جزء من مهمات السلطة التنفيذية بحسب المدعي.
يود الباحث أن يوضح اتفاقه مع المدعي في مخالفة مجلس النواب للدستور عمداً أو سهواً أو كلاهما بربط المفوضية بالمجلس، ولكن لا يتفق الباحث معه في ربطها بمجلس الوزراء، إذ انه أي المدعي يقتطع المادة الدستورية اقتطاعاً بدون الرجوع إلى باقي فقراتها باستناده إلى المادة (103/ثانياً) التي نصت على ارتباط الهيئات المذكورة فيها بمجلس النواب، ويغفل عمداً (103/ثالثاً) التي نصت على ارتباط دواوين الأوقاف بمجلس الوزراء، لذلك نود إن نشير أن المؤسسات المذكورة في المادة (102) وضح الدستور جهة ارتباطها باستثناء (المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، هيئة النزاهة)، وهذا يعني إن واضع النص الدستوري أراد لتلك الهيئات إن تبقى مستقلة لرؤيته لطبيعة المهمات الملقاة على عاتقها، والتي تتطلب الاستقلال التام في تنفيذ مهامها، وإن ذلك الاستقلال يحميها من التأثير على قراراتها، كما إن استناد المدعي على قرار المحكمة الاتحادية انف الذكر يضعف من قيمة دعواه بسبب الضجة الكبيرة التي أحدثها هذا القرار في وقته سياسياً وشعبياً وقانونياً، فضلاً عن عدم تنفيذه رغم مضي أكثر من ثماني سنين على صدوره، وتوالي حكومتين قبل حكومة عبد المهدي في السلطة، لم تعملان على تعديل قانون المفوضية لفك ارتباطها بمجلس النواب وربطها بمجلس الوزراء رغم إن الحكومة الأولى وهي حكومة المالكي (2010/2014) هي نفسها من قامت برفع دعوى تفسير ارتباط الهيئات المستقلة.
يشير المدعي في الفقرة الثالثة من كتابه إلى المادتان (7،8) من قانون المفوضية اللتان نصتا على آلية تعيين مجلس المفوضين، ويسترسل في مخالفة تلك المادتين لإحكام المادتين (78 و 80/أولاً) من الدستور من حيث إن تعيين المدراء العامين في مؤسسات الدولة هو من اختصاص مجلس الوزراء وليس من اختصاص مجلس النواب وهو يغفل بذلك إن تعيين أعضاء هذا المجلس ليس من صلاحيات الحكومة بل تشترك عدة جهات في اختيارهم بموجب مبادئ باريس التي عرفت المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان واليات تشكيلها فضلاً عن وجود خيار تشريعي فرضه طبيعة استقلال المفوضية ورقابة مجلس النواب عليها بحسب الدستور وهذا ما استقر عليه مجلس النواب في المادتان (7،8) من قانون المفوضية، الذي لا يصدم بأي نص دستوري مباشر حول آليات تعيين هولاء الأعضاء.
ويشير المدعي في الفقرة الرابعة من كتابه إلى المادة (8/ثانياً/و) من قانون المفوضية والتي تنص على أن يكون عضو مجلس المفوضين غير محكوم بجريمة مخلة بالشرف، ويسترسل المدعي في وصف الجرائم المخلة بالشرف، وكأن من ينظر في الدعوى ليست أعلى سلطة قضائية في البلد وتعرف جيداً ما هي الجرائم المخلة بالشرف، ويضيف إن ارتكاب المرشح لعضوية مجلس المفوضين لجرائم أخرى لا يمنعه من أن يكون عضواً في المجلس، يود الباحث إن يبين إن المدعي أصاب في هذه الفقرة، ولكن طبيعة الفقرة هذه لا تستوجب إن يتم رفعها إلى المحكمة الاتحادية للبت فيها فبموجب صلاحية مجلس الوزراء برفع مشروعات القوانين إلى مجلس النواب أو طلب تعديلها كان بإمكان الحكومة إن تفعل ذلك دون الحاجة إلى الرجوع للمحكمة الاتحادية، لان هذه الفقرة التي تخص امن وصلاحية تولي الإفراد للمناصب المهمة في الدولة لا خلاف عليها بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
يشير المدعي في الفقرة الخامسة من كتابه إلى المادة (12/سابعاً) من قانون المفوضية الخاصة بآلية منح المكافآت لموظفيها، وإنها يجب إن تصرف بنظام يعده مجلس المفوضين ويصادق عليه مجلس الوزراء، ويغفل مقيم الدعوى المادة (12/خامساً) التي تنص على اقتراح الموازنة المالية للمفوضية ورفعها إلى مجلس النواب للمصادقة عليها، والمعروف ان المكافئات هي جزء من الموازنة المالية السنوية لأي مؤسسة لذلك فأن تخصيص أي مبلغ مالي لها سيكون خاضع لرقابة مجلس النواب بموجب مشروع الموازنة المعروض عليه، آما آلية منح تلك المكافآت فهو جزء من الاستقلال المالي والإداري للمفوضية ولغيرها من الهيئات المستقلة والمنصوص عليه في قرار المحكمة الاتحادية المرقم (88/اتحادية/2010) الصادر في 18/1/2011 المذكور أعلاه والذي يستند إليه المدعي في دعواه، ورغم ان حكم المحكمة الاتحادية بعدم دستورية تخصيص مجلس النواب مبلغ (26) مليار دينار كنفقات للمفوضية بموجب موازنة عام 2018 هو قرار صائب من الناحية الدستورية، إلا أنها بهذا القرار تخالف قرارها السابق أعلاه والذي ينص على الاستقلالية المالية والإدارية للهيئات المستقلة ومنها المفوضية، وإلا ان كانت موازنة المفوضية يجب ان تخضع لموافقة مجلس الوزراء فأين الاستقلال المالي، لذلك فأن هذا ما يدفعنا إلى القول بعدم ملائمة قرارها المرقم (88/اتحادية/2010) الصادر في 18/1/2011 مع الدستور لتعارضه مع مواد أخرى، بدأت تظهر اشكاليتها في كل مشكلة بين الهيئات المستقلة (المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان، المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، هيئة النزاهة) والسلطة التنفيذية.
يعترض المدعي في الفقرة السادسة من كتابه المرفوع إلى المحكمة الاتحادية على قواعد الخدمة والملاك للعاملين في المفوضية، ويشير إلى عدد من مواد الدستور المتعلقة بصلاحياته في هذا الموضوع، في هذه الفقرة أيضاً نعود إلى قرار المحكمة الاتحادية المرقم (88/اتحادية/2010) الصادر في 18/1/2011 والذي نص على الاستقلال المالي والإداري للهيئات المستقلة، لذلك فأن الاستقلال الإداري للمفوضية يرد مطالبة المدعي بالتدخل في قواعد الخدمة والملاك داخل المفوضية.
في الفقرة الثامنة من الدعوى يشير المدعي إلى المادة (15/تاسعاً) من قانون المفوضية والتي تنص على آلية انتهاء عضوية احد أعضاء المجلس إذا ارتكب إحدى الجرائم المخلة بالشرف، ويعود ويفصل في توصيف الجرائم المخلة بالشرف ومخالفة تلك الفقرة لإحكام الدستور.
في الفقرة التاسعة من الدعوى يشير المدعي إلى المادة (16/أولاً، ثانياً، ثالثاً) من قانون المفوضية ويشير إلى مخالفتها لعدد من مواد الدستور الخاصة بتعيين الدرجات الخاصة من قبل السلطة التنفيذية، فيما ان المحكمة الاتحادية حكمت في الدعوى المقامة أمامها بخصوص تعيين رئيس للمفوضية ونائب للرئيس بردها وعدم جواز مخاصمة رئيس الوزراء في هذه الدعوى، ومرة أخرى تخالف المحكمة الاتحادية قرارها بخصوص ارتباط الهيئات المستقلة غير واضحة الارتباط في الدستور بمجلس الوزراء، وإلا إذا كانت المفوضية ترتبط بمجلس الوزراء وان رئيسها ونائبه هما بدرجة وزير ووكيل وزير أليس من المفترض ان يتم تعيينهم من قبل رئيس الوزراء وبموافقة مجلس النواب.
يشير المدعي في الفقرة التاسعة من دعواه المقامة إمام أنظار المحكمة إلى الاتحادية إلى المادة (16/رابعاً) من قانون المفوضية بخصوص تمتع أعضاء مجلس المفوضين بالحصانة أثناء فترة عملهم، ويتفق الباحث مع المدعي بعدم دستورية ذلك وان مجلس النواب وقع سهواً أو عمداً بمخالفة مادة دستورية صريحة وهي المادة (63/ثانياً) والتي منحت الحصانة لعضو مجلس النواب فقط دون غيره من موظفي الدولة أثناء ممارسته لعمله التشريعي.
خلاصة القول ان استقلالية المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان مهنياً ومالياً وإداريا ضرورة وطنية اقرها واضع النص الدستوري من اجل ضمان إتمامها للإعمال التي تقع على عاتقها بعيداً عن التأثيرات السياسية والحزبية التي من الممكن ان تتعرض لها المؤسسات التي تقع تحت سلطة وإشراف المؤسستين التشريعية والتنفيذية، كما ان الاستقلالية التي تتمتع بها المفوضية ليست سابقة دستورية تمتع بها لوحدها عن غيرها من المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في العالم، إذ يشير الدستور المغربي في الفصل (161) منه إلى استقلالية المجلس الوطني لحقوق الإنسان بوصفه (مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة)، وفي وصف هذا المجلس كإحدى مؤسسات الدولة المغربية يشير الموقع الرسمي له في باب الأسئلة والأجوبة وبالتحديد في سؤال ما معنى كون المجلس مؤسسة مستقلة إلى أن (المجلس الوطني لحقوق الإنسان هو مؤسسة دستورية مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية مطابقة لمبادئ باريس المؤطرة للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والتي تنص على أنه ينبغي أن تتوفر لدى المؤسسة الوطنية الهياكل الأساسية المناسبة لسلاسة سير أنشطتها، وبصفة خاصة الأموال الكافية لذلك لتكون مستقلة عن الحكومة وغير خاضعة لمراقبة مالية قد تمس استقلالها).
أخيراً يمكن القول إن موضوع التنازع حول الصلاحيات بين السلطات الثلاث، ومحاولة كل منها الطغيان على السلطة الأخرى، وعدم رغبة القائمين عليها في تصور موضوعة التكامل والتعاون في عمل تلك السلطات، ما هو إلا نتاج للألغام الدستورية التي ما إن تهدأ أزمة حتى تفجر لنا الأخرى، لذلك فأن تعديل الدستور وبعد (13) سنة من إقراره أصبح لزاماً على القائمين على العملية السياسية من اجل تصحيح الوضع الحالي الذي يمر به البلد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث