الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيار الثوري و أزمة المسار الإصلاحي في تونس

رضا لاغة

2019 / 6 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


إذا كان العرف السياسي و حتى الأكاديمي يفرض علينا التمييز بين المسار الثوري والمسار الاصلاحي من حيث منطق التغيير و مستوياته و آلياته التي تطيح بالقديم قصد بناء نسق أو بينة جديدة مختلفة نوعيا عن الأولى ، فإن ذلك لا يعفينا من طرح السؤال التالي: مم يستمد هذا الطرح قوّته الحجاجية؟.
بهذا السؤال نعود إلى الجدل الذي احتدم في بدايات الحركة الشيوعية في أواخر القرن التاسع عشر حين أخذت تتجذّر في التغيير الاجتماعي و تنمو في امتداداتها الأممية ضد الاستغلال و الهيمنة الرأسمالية. في مقابل هذا النهج الجذري، ظهر داخل الحركة الثورية نفسها نهج إصلاحي يقوم على فرضية أنه من الممكن التغلّب على الفوارق الاقتصادية السائدة في ظلّ الرأسمالية، بوسائل اصلاحية و قانونية و برلمانية.إن هذا التباين هو ما يبرر طرح التساؤل التالي:هل الطريق الثوري يقوم وجوبا على نهج التغيير الجذري؟
لعلّنا بطرح هذا السؤال نقف على العديد من المعاني التي يمكن أن نستنبطها في دراسة بنية العلاقة المتوتّرة بين المعارضة والأحزاب الليبرالية الحاكمة على امتداد هذه المرحلة الانتقالية. إن نقد المعارضة لنهج الإصلاح يكمن في التركيز على مركّبات المعالجة الجزئية واغفال شمولية الطرح. وقد تجلّى ذلك مع مأسسة الحراك الثوري عبر سلطات انتقالية هي في الأصل جزءا من النظام الذي جرت الثورة عليه.
هذا الجدل اندلع بشدة و في مجالات شتّى نذكر منها قانون المصالحة الذي رأت فيه المعارضة ضرب من التحالف مع النظام القديم و شرعنة للفساد. أما على الصعيد الاقتصادي فقد اعتبرت الاصلاحات التي شملت المنوال التنموي وبالا على الاقتصاد الوطني الذي أثبتت الثورة أنه يشكو من أزمة هيكلية لا يجدي معها اي إصلاح. وعلى الصعيد السياسي اعترض المسار الاصلاحي، المسار الثوري لتطفو الانتخابات مقابل تأجيل مطلب العدالة الاجتماعية.
وبقطع النظر عن التفسير التاريخي الذي يعتبر الجهد الاصلاحي متغلغلا في بناء الدولة المركزية منذ
خير الدين باشا الذي ألف كتابه >>أقوام الممالك في معرفة أحوال المسالك<<، فإن اختزال الفعل السياسي برمّته فيما هو تقني لتنظيم الانتخابات التشريعية و الرئاسية، يمثّل خيارا يدرس بجدية.
ألا يمكن أن نعتبر هذه الخطوة، ضمن السياق الذي اتّخذت فيه،لحظة قاهرة لكفاح الشباب الثائر ضد الدكتاتورية؟ فبقدر ما شكّل الشباب محور الفعل الثوري، بقدر ما كانت مساهمته محتشمة في المسار الانتخابي. ومن هنا ثمة من يرى أن هذا الحسم الملحّ للشروع في الانتخابات يعدّ تمهيدا، لا لخلق مرحلة جديدة، و إنما لإنكار الظروف الموضوعية التي ولدت مع الخيار الثوري.أليس من الصحيح دائما القول بأن لكل ثورة، ثورة مضادة تولد معها؟ أليس انتصار الاسلام السياسي مظهر من مظاهر هذا الانتكاس؟
ربما لجأ الإسلام السياسي نفسه للعبة الحداثة ليقول لنا أنه دخل في أفق المستقبل و أن حواره مع الهوية أفضى إلى تطوير تجربته الذاتية في الشأن السياسي خلافا للتجارب الأخرى في المنطقة العربية التي اصطدمت بعائق العبور. طبعا ليس الحوار هنا مع الإسلام السياسي على مستوى الوجود، فمن حق أي مقاربة أن تسود بآليات الممارسة الديمقراطية و إنما ما يشغلنا هذا الوجه المركزي للتحديث الذي توسّله الاسلام السياسي. هل يجب علينا أن نميّز بين الممارسة الانتخابية كتقنية حداثية والتوجه الثقافي الذي ينبغي أن يتحوّل إلى حركة اجتماعية حداثية؟
عندما نستمع لشخص يقرأ نصّا ما نتناسى اعتقاداته الخاصة ولكننا في الوقت ذاته نجري تمييزا بين مختلف الدلالات الممكنة للخطاب.و بالتوازي سنحاول أن نبحث عن هذه الدلالات الممكنة للتحديث ضمن الإسلام السياسي (حركة النهضة نموذجا) بقطع النظر عما يقوله عن الحداثة.
في هذه الحالة يجب أن نميّز بين الجمهور الثوري والجمهور الانتخابي، حتى لا يكون الرصيد الانتخابي الشعبي حجة لإدماج الإسلام السياسي ضمن الحداثة ؛ بل إننا وفق طرح فتحي المسكيني للهوية التراثية يعتبر الرصيد الانتخابي حجة عكسية لرفض الحداثة وهو ما سنبيّنه لاحقا.
3. الديمقراطية و الأمل السياسي
لا يتوضّح مفهوم الأمل إلا بالقدر الذي يتوضّح فيه الفاصل بينه وبين اليأس والقنوط. وهذا مدخل لمفارقة جديدة باعتبار أننا افترضنا مع فتحي المسكيني بأن هناك وعي شبابي يكابد الطريق ويحاول أن يجدد ـــــــ بالعنف والفوضى ـــــــ لينتج واقعا يستجيب لآماله المنشودة، واقع بمنآى عن التمترس الإيديولوجي والهووي...إنه مشهد موزّع بين الأزمة و الطموح، بين الدولة واللا دولة.
إن تصوّرنا مع سبينوزا أن الفلسفة هي تأمّل في الحياة، لا في الموت فلا بدّ لنا من التساؤل عمّا يجدر بنا صنعه بحياتنا؟
إن إجابة الشباب الثائر كانت سريعة: يجب الانتقام من الدولة ــــ الأمة "التي عملت على تهميشنا وتحويلنا إلى جمهور مهمل" و"كثرة جمالية يائسة". معنى ذلك أن للأمل مرجع أبدي الحضور ألا وهو الواقع. غير أن هذا لا يعني أن العلاقة بين الواقع و الأمل هي دائما علاقة معقولة، أي أن نأمل إلا بالممكن. إذ نحن هنا ننطلق من سياق تاريخي محدد حلم فيه الشباب بعالم جديد، يقع على طرفي نقيض من الواقع القائم. كان الأمل تفتيت القبضة الحديدية للحكم المركزي. ومن هذا المنطلق هو ليس تفاؤل تنويري ؛لأنه محكوم بإرادة غامضة قد تكسر حتى رتابة التاريخ التقدمي. إرادة تستنكر من المنظور الإيديولوجي و لا تأتلف مع الانضباط. إن هذه الطبيعة المتمردة للشباب الثائر هي التي تفّسر بقائه على هامش الممارسة الحزبية الليبرالية.
وإذا كان الأمل قوة إيجابية قوّضت الدكتاتورية، أفلا يشكّل اليأس خلاصا متّسقا قوامه شباب معتصم بذاته تفضي الى النهاية والموت؟ وإلاّ كيف نفسّر قوارب الموت التي تروي لنا قصّة أمل ضد أمل؟ لنستحضر التهكّم الساخر لبنيامين فالتر حين قال" وجد الأمل لهؤلاء الذين لا أمل لهم". ولكن ألم نتعلّم من هابرماس بأن الممارسة الديمقراطية تحمل بداخلها الأمل السياسي لمواطنة عالمية؟ ولماذا جلبت قواعد التنافس الانتخابي (سواء في سنة 2011 أو سنة 2014) معها علاوة على انسحاب معمّم للشباب، تقسيما للنسيج المجتمعي وفق ما بات يعرف بدعاة الحداثة ودعاة الهوية؟
إن النماذج السياسية ضمن هاتين المحطّتين الانتخابيتين بنيت على الفزع أكثر مما توحي بالأمل. في حين أننا وفق ما انتهينا إليه عقب تحليل فلسفة هابرماس، محتاجون لنظرية عن الحرية والمسؤولية، وبالتالي عقلنة الحوار بدل التصادم الذي يفسّر لنا الاستدعاء المستفيض للمضمون الاحتجاجي الذي يظهر بقوة في شكل فوضوي يجعل المتأمل ينكر الابداعية الخاصة للثورة التي كانت موضع اعجاب الجميع في أول انطلاقتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة