الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيدية العيد

حامد تركي هيكل

2019 / 6 / 4
الادب والفن


لا يمر عليّ عيدٌ الا وتذكرت ذلك العيد الذي لا ينس .فمند ما يقرب من ستين سنة، وفي العيد الذي تلا وفاة جدي مباشرة، زارنا عدد كبير من أقارب وأصدقاء أهلي بشكل لم يسبق له مثيل . ولم أكن أعرف سبب ذلك حينها.
كانت العيديات في تلك الأيام عشرة فلوس في أحسن الأحوال ، وكنت أضعها في جيب الورك لدشداشتي لتبقى تخرخش أياما أخرى قبل أن أفقدها. الا أنني فوجئت في ذلك العيد الذي لم يتكرر أن أمرا غريبا قد حصل للعيديات ، فقد كثرت الى درجة لم يعد بإمكاني الاحتفاظ بها في جيبي ، وتنوعت كذلك بشكل ملفت . فقد أعطاني بعضهم قطعا مستديرة صغيرة لامعة ، وأخرى أكبر منها وأثقل . فضلا عن قطع أخرى أكبر وأعرض وأكثر سمكا. عرفت لاحقا أنها خمسة وعشرون وخمسون ومائة من الفلوس.
تحولت تلك الكمية من النقود الفضية الجميلة بنظري ذلك اليوم الى أسباب لأحاسيس مختلفة ومتناقضة، فبعد أن كانت مدعاة للفرح والابتهاج صباح ذلك اليوم الغريب ، تحولت الى تحدٍ ظهرا. اذ بدأت أفكر بالكيفية التي يجب عليّ الاحتفاظ بها ، وما اذا كان علي أن أوزعها بين جيبيّ الورك خاصتي وجيب الصدر أم أضعها في علبة معدنية ،أم أجد لها وعاءا آخرا .بحثت عن كيس القرقيعان الذي خيط لي قبل مدة ولكنني لم أجده . فاحتفظت بها بشكل مؤقت موزعةً بين جيوبي وطاسة فافون صغيرة.
ثم تحولت أفكاري في مساء ذلك اليوم الذي بدا مقلقا على غير العادة الى مخاوف . فقد ساورتني شكوك في أنني اذا ما غفوت فلن أجد عيدياتي عندما أنهض في صباح اليوم التالي . فمن ذا الذي يضمن عدم أخذها من قبل الأطفال الكثيرين ، أو حتى الكبار الذين غصَّ بهم بيتنا في ذلك العيد العجيب.
وأخيرا راودتني فكرةٌ وجدتها عبقرية في حينها ، فبادرت مسرعاً بتنفيذها. فقد تسللتُ خارج البيت ، ليس بعيدا عن باب بيتنا وفي بقعة هشة من أرض البستان ، بقعة كانت قد حرثت حديثا ، حفرت مسرعاً ومرتبكاً وخائفاً حفرةً بيديّ ، الى أن بدأتُ أحسُّ برطوبة التراب ، ثم أفرغتُ القطع المعدنية اللامعة من جيوبي ومن طاسة الفافون الصغيرة التي امتلأت هي الأخرى . وما أن أطمأنت نفسي الى ذلك المكان الذي لا يعلم به أحد ، حتى بدأتُ أهيلُ على كنزي الترابِ وأضغطه . ثم تسللتُ راجعاً الى البيت فرحاً مطمئناً.
الا أن قلقا آخراً بدأ يساورني في تلك الليلة . فما عساي أن أجيب لو أن أحدا سألني (أين وضعت عيديتك؟)، الا ان أحدا لم يسأل ، فقد كان الجميع مشغولين بأمور أخرى .
بعد انقضاء أيام العيد ، وبعد أن غادرنا ضيوفنا المكروهين والمثيرين للقلق هم وأطفالهم المشاكسون ، ذهبتُ لأستخرج كنزي العزيز.
ولكنني لم أجده، فقد نسيت في أي بقعة دفنتُهُ تلك الليلة من تلك المساحة المحروثة حديثاً والتي تقع بجانب بيتنا.
كلما مرَّ بي عيدٌ ورغم مرور كلِّ تلك السنين ، يستيقظ بداخلي ذلك الطفل الغرُّ ، ليتحسَّر على كنزه الجميل ذاك الذي لم يتكرر.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي