الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يكتفي العسكر ب67 سنة هزيمة

جمال عبد العظيم

2019 / 6 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


فى تمام الثامنة و 45 دقيقة من صباح الاثنين الموافق 5 يونيو/ حزيران 1967 شنت القوات الجوية الاسرائيلية هجوما استمر 3 ساعات في الاجواء المصرية فوق سيناء والقاهرة والدلتا . وجاءت الغارات على 3 موجات اشتركت في الموجة الاولى 174 طائرة وفي الثانية 161 وفي الثالثة 157 باجمالي 492 طائرة اسرائيلية تمكنت فى النهاية من تدمير25 مطارا وقاعدة جوية مصرية ونحو ثلثي عدد الطائرات المقاتلات المصرية وكان عدد الشهداء والاسرى والمفقودين 13600 .
وفي نفس الاثناء كان الطيران الاسرائيلي يهاجم الاردن وسوريا والعراق والاراضي الفلسطينية وكانت خسائر سوريا 445 شهيدا 1898 جريح بالاضافة لقصف عدة مطارات وتدمير 32 طائرة وفي الاردن كانت الخسائر 6094 شهيدا وقصف عدة مطارات وتدمير 29 طائرة . اما العراق فقد خسر جزء كبير من سلاحه الجوي بهجوم اسرائيل على القاعدة الجوية في محافظة الانبار . ولم تزد خسائر اسرائيل على 26 طائرة كانت هى كل الثمن الذى تكبدته لتزيد رقعتها من 13000 كيلومتر مربع الى 42 الف كيلو حيث احتلت اسرائيل سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية وهضبة الجولان . وبعد ان انقشع غبار الحرب اتجهت اصابع الاتهام الى المشيرعبد الحكيم عامر وحملته المسئولية عن الهزيمة المروعة. وبالطبع فقد حظيت عملية اصطياد الديك الرومي "الاسم الكودي لعملية 1967" باهتمام واسع وتحليلات عسكرية وسياسية . وما يعنينا منها الان هو الاعماق الاجتماعية التي ادت الى الهزيمة وبداية فقد كانت ثورة يوليو 1952 هى ثورة الطبقة الوسطى مثلها مثل الثورة الفرنسية . وكان من الطبيعي نقل السلطة الى الطبقة الوسطى وقيام الاخيرة بتحطيم الطبقة الحاكمة وعزلها وتأميم ممتلكاتها . حدث ذلك مع اللحظات الاولى من حكم الثوار وتملكت الدولة الشركات والاراضى المؤممة وسلمتها لاصحاب الحظوة من ضباط الجيش وقيادات الاتحاد الاشتراكي ليديرونها بالاضافة الى الف مصنع انشاتها الثورة . ويمكن القول باطمئنان تام ان الشريحة العليا من الطبقة العسكرية والبيروقراطية المصرية قد ورثت الطبقة البرجوازية الكبيرة التى تم ذبحها حيث ادارت الشركات المؤممة لحسابها الشخصي لا لحساب الدولة او كوكيل عن شعب مصر . وبتعبير قانوني يمكن وصف ملكية الدولة لوسائل الانتاج المؤممة بانها كانت ملكية منقوصة احتفظت فيها الدولة لنفسها بملكية الرقبة وتركت حق الانتفاع بها لمديريها . واستمر النهب المنظم والمعلن للاقتصاد العام وما ان انتصف عقد الستينيات حتى كانت الطبقة الجديدة قد استكملت تطورها وصعودها واصبحت هي الطبقة الحاكمة سرا تحت جنح الظلام الاعلامي الذي غلف العهد الناصري باكمله والذي لم يكن موجودا فى ظل النظام الملكي الديمقراطي واحزابه التي امتلكت صحف معارضة ومقاعد في البرلمان .
وقد وفرت صفة ضابط درعا واقيا من المساءلة لأن اتهامه سيسئ للضباط الاحرار انفسهم . كما ان عضوية الاتحاد الاشتراكي مثلت حصانة سياسية تمنع محاسبة اولئك الفاسدين لان التشكيك في نزاهتهم سيطال فى النهاية التنظيم السياسي كله وسينال من الطهارة الثورية ومن الفكرة الاشتراكية ذاتها . وهكذا تمت جريمة سرقة بالاكراه للثروة القومية كلها بدم بارد وفي امان تام . وكانت المشكلة امام الطبقة الجديدة انها لم تكن تستطيع اظهار ثروتها والاستمتاع بها لانها متحصلة من جريمة وبظهورها ستودي بصاحبها الى السجن . ولهذا ضاقت هذه الطبقة بالثورة وبعبد الناصر وبالنظام الاشتراكي وكفرت بالنضال ضد الامبريالية والصهيونية وتخلت عن فكرة القومية العربية وعن القضية الفلسطينية وراحت تحلم بمهادنة اسرائيل وبزواج مع الامبريالية الامريكية وبزمن من الفوضى يرخي قبضة القانون عنها لتتمكن من اظهار ثروتها الحرام بل ان هذه الطبقة ضاقت بالازهر بسبب قيام فقهائه بتقديم الاسلام على انه الاشتراكية .
باختصار فقد كان العقل الطبقي يفكر فى الخلاص من ناصر ونظامه والاتجاه الى النقيض تماما . وبالطبع لم يكن العقل الاستعماري الرأسمالي بعيدا عن هذه التحولات وهو عقل صهيوني امريكي . وكان من الطبيعي ان تلتقي قوى الدفع من الداخل مع قوى الجذب من الخارج فكانت هزيمة 1967التى نزلت بردا وسلاما على الطبقة الجديدة الغير شرعية والغير شريفة . وفور الهزيمة بدأت التغييرات الحادة على كل الاصعدة وبدأ النظام يتراجع خطوة بخطوة عن اشتراكيته . وكانت الخطوة الاولى هى صدور قانون استثمار راس المال العربي والاجنبي لسنة 1968 وهو ابو الانفتاح الاقتصادي الذي نفذه فيما بعد انور السادات بالنيابة عن ناصر الذى غيبه الموت . وتزامن مع الاجواء الاقتصادية الجديدة احالة الازهر الى التقاعد بعد ان قام بتوظيف الدين الاسلامي باكمله لخدمة النظام الناصري وسياساته وتوجهاته وقدم نماذج مثل عمر ابن الخطاب وابي ذر الغفاري وعلى ابن ابي طالب وعمر ابن عبد العزيز ...الخ . باعتبارهم يمثلون اشتراكية الاسلام وكان لابد من اعادة توظيف الدين الاسلامي لخدمة التوجه الجديد للدولة بعد ان هزمتها اسرائيل سياسيا وعسكريا وفكريا واستعانت الدولة بالجماعة الدينية المحظورة وهي جماعة الاخوان المسلمين ولجأوا في البداية الى مطاريد الاخوان مثل الشيخ الشعراوي والشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق . ومن خلال هؤلاء اعيد انتاج الدين الاسلامي ليصبح معاديا للاشتراكية ومتنافرا معها وانه دين راسمالي يسمح بالملكية مهما بلغت . وتم تقديم نماذج مثل عثمان ابن عفان وعبد الرحمن ابن عوف وابو بكر الملقب بالصديق...ألخ . وهم معروفون بالثراء الكبير. ويمكن القول ان النظام الاشتراكي قتيل هزيمة 1967 قد ورثته النخبة العسكرية والنخبة البيروقراطية التى استولت باسم الاشتراكية وتحت ستارها على ثروة الوطن باكمله وتحالفت بعد الهزيمة مع المؤسسة الدينية الموازية وهى جماعة الاخوان .
وما ان تولى الرئيس السادات حكم مصر حتى اعلن في خطبة رسمية تعطيل قانون " من اين لك هذا " وبرر ذلك بان ثروة البلاد مخبأة " تحت البلاطة " على حد تعبيره في اشارة الى انها اموال مسروقة وقال ان خروج هذه الثروة للعلن سينعش الاقتصاد المصري . ويمكن القول ان السادات كان محكوما اكثر منه حاكما وانه كان مجرد منفذ لطلبات الطبقة الحاكمة فى الداخل وللاقتراحات او الاملاءات الامريكية في الخارج وهما متلاقيان ومتناغمان . ثم اعقب ذلك طرد الخبراء الروس سنة 1972 وفي المقابل بناء علاقات استراتيجية مع امريكا . ثم كانت حرب اكتوبر كمجرد حرب محدودة لتحريك الموقف وليست حرب تحرير شاملة ثم اعقبها سياسة الانفتاح الاقتصادي التى اتت بالسلع الاجنبية لتنافس السلع المصرية الصنع في عقر دارها فانهارت القلعة الصناعية باكملها . ذلك ان الطبقة الجديدة كانت في معظمها من البرجوازية التجارية . ثم اعقب ذلك اتفاقية كامب ديفيد وتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني وانعزلت مصر بذلك عن الامة العربية كلها لتنفرد بها اسرائيل . وبالطبع نتيجة لصعود وسياسات تلك الطبقة انهار نسق القيم و اندحر الفن الراقي والثقافة الرفيعة واهتز البناء الفوقي للمجتمع بعنف . و لا تزال هذه الطبقة هي الحاكمة في مصر ولا تزال تفرض نظام اقتصادي فريد من نوعه لتتحرك فيه بلا ضابط و لا رابط فتمارس الاحتكار وتتهرب من الضرائب وتحصل على نسبة ربح مبالغ فيها . وتمارس الفساد واستغلال النفوذ والسطو على الوظائف العامة وخاصة العليا منها . اما الشعب فقد تركوه في الفقرواستمر في حياته الاشتراكية يعيش معتمدا على دعم الغذاء والدواء والعلاج والتعليم والمواصلات ...الخ والمدهش ان الطبقة الحاكمة استمرت تشارك الشعب حصته من الدعم وبخاصة في التعليم والصحة وايضا دعم الطاقة من كهرباء ومحروقات . بل انها حصلت على النسبة الغالبة من هذا الدعم لتجمع بين مزايا النظام الراسمالي والنظام الاشتراكي وتزيد عليهما الفساد والاحتكار واستغلال النفوذ وهي الاجواء التي ولدت فيها تحت رعاية وحماية البكباشي جمال عبد الناصر . وهذه الطبقة لايهمها وطن او شعب اوقضية ولا تقدس او تعبد سوى المال . وقد اخذت الوطن من مصيبة الى اخرى منذ هزيمة 1967 وحتى الان . وهي متحالفة مع امريكا واسرائيل ضد الوطن وضد الشعب والتاريخ والدين وكل شىء حتى وصلت الى حد التفريط في الارض . وهكذا فان هزيمة 1967 لم تكن حدثا عابرا في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي بل جريمة مستمرة صنعتها الطبقة العسكرية ولا زالت تعيش عليها .. ولازالت طبقة اللصوص تحكم البلاد وتنتقل بها من خراب لخراب 67 اذن هي حالة مصرية وعربية من الهزيمة المستمرة نأمل ان تنتهي في 2019 وان يكتفي العسكر ب 67 سنة من الهزيمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نعم وبدون شك
على سالم ( 2019 / 6 / 5 - 16:00 )
شكرا جذيلا لمقاله هامه وتحليليه مفصله عن كارثه مصر المروعه مع عصابه العساكر المجرمين الجهله اللصوص الحاقدين الناقمين البلطجيه المرضى النفسيين , يعنى لو عملنا مقارنه بين طبقه الباشوات التى كانت تحكم مصر وطبقه اللواءات التى ابتلت بها مصر لاحقا فى غفله لكان الاستنتاج ان طبقه الباشوات مع فسادهم كانوا ارحم كثيرا من عصابه العسكر القذره الحقيره الحاقده الظالمه

اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام