الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هدم تازممارت: سادية اتجاه الماضي الحاضر والمستفبل

عادل بن حمزة

2006 / 5 / 5
حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير


لما أنجزت جنوب أفريقيا انتقالها الديموقراطي أقدمت على إجراءات رمزية لصون الذاكرة كان من بينها بناء مجسم للزنزانة الباردة التي احتضنت الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا، لتكون مزارا للمواطنين أطفالا، نساءا، شبابا وشيوخ كدليل على أن جنوب أفريقيا قد طوت نهائيا صفحة مؤلمة من تاريخها ولكنها وبدون عقد تريد أن تحفظ للأجيال القادمة حقها في اكتشاف الطريق المليئة بالدم والدموع والآمال التي سحقت تحت أقدام الجلادين والتي قادت إلى ما تعيشه جنوب أفريقيا اليوم.

منذ حوالي أربعة سنوات وبمبادرة من المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف على عهد إدريس بن زكري قمنا بزيارة تاريخية للمعتقل السري تازمامارت، أذكر ذلك اليوم الطويل الذي خضنا فيه تمرينا أخلاقيا وإنسانيا، كنا على امتداد الطريق الفاصلة مابين الرباط وتازمامارت نقلب الحديث في الزمن السياسي المغربي.. نذكر الأسماء والمواقف والمواقع وجميعنا تتملكه رهبة اكتشاف تازمامارت التي نسج لها كل واحد منا على مر السنين صورة في خياله، كانت وجبة الغذاء في منطقة الريش آخر محطة قبل التوجه إلى تازمامارت، كانت حيوية صلاح الوديع بادية للجميع فقد حرص على التجول بين المطاعم البسيطة للريش قصد تبليغ المشاركين في القافلة موعد ساعة الحقيقة على حد تعبير ريجيس دوبريه في نقد العقل السياسي، ساعة الوصول إلى المعتقل الرهيب.

كان مطلوبا منا أن نتوجه شرقا في اتجاه الراشيدية ثم ننحرف يسارا في اتجاه كرامة تالسينت (...)!! على أن نكمل السير عبر طريق غير معبدة في اتجاه تازمامارت، كانت طبيعة المنطقة القاسية وصدى الكتابات التي نشرت عن جحيم تازمامارت كافية لكي تدخلنا في موجة من التأمل والشرود والصمت...البعض يحمل الشموع والبعض الآخر يحمل الورود وآخرون يحملون ما تبقى من الذات ومن الذكريات وفي كل نفس شئ من حتى، كلهم كانوا هناك أسماء من قيادة الشبيبة الاستقلالية وباقي التنظيمات الشبابية قيادات حقوقية وحزبية، معتقلون سابقون في تازمامارت وأخواتها، صحفيون من الداخل والخارج، بدأت أسوار الثكنة العسكرية التي تطوق المعتقل/الجحيم تلوح في الأفق، لكن التعليمات كانت واضحة لا دخول للثكنة وبالتالي لا دخول للمعتقل، غير أننا لم نستطع أن نلجم رغبتنا في اكتشاف الممكن من هذا الجحيم فكان السيد أعكاو أحد الناجين من تازمامارت دليلنا حيث صعدنا الجبل المطل على المعتقل فإذا بالبناية الأولى والثانية والساحة/المقبرة تظهران لتتجاوز كل أشكال الحصار المعلنة والمقنعة، وكان أعكاو دقيقا في شروحاته التي كانت مترافقة مع زفرات و آهات عميقة ممزوجة بأسلتنا الحارقة، مضت السويعات التي قضيناها بتازمامارت سريعة ولم نحقق رغبتنا في ولوج المعتقل ودخول الزنازين، أشعلت الشموع والمساء يدلي أستاره على المكان وقدمت الورود للجنود الشباب الذين تابعونا باستغراب، وضربنا لبعضنا البعض موعدا آخر في نفس المكان، لكن في زمن تتحقق فيه الحقيقة والإنصاف لكي تفتح أبواب تازمامارت وأخواتها أمام الجميع لتكون شاهدة على مرحلة أليمة من تاريخنا، منينا النفس بذلك اليوم الذي كنا نعتقده قريبا وكانت زيارتنا دليلا على أننا نسير في الطريق السليم، وتعزز هذا الاعتقاد بإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة برئاسة السيد بنزكري نفسه الذي أشرف على قافلة تازمامارت، وصار في شبه المؤكد بصدور التقرير الختامي للهيئة الذي أوصى بحفظ الذاكرة، وأوكل ملك البلاد للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان برئاسة بنزكري نفسه متابعة تنفيذ توصيات الهيئة وتبقى الأسئلة الحارقة من أمر بهدم تازمامارت؟ هل هذا الهدم يدخل في إطار حفظ الذاكرة؟ ما موقع المجلس الاستشاري مما حدث ؟ومن هؤلاء الذين يزعجهم بقاء تازمامارت مفتوحة في وجه الزوار للتأكيد على أن إرادة الحياة تنتصر في النهاية؟ من لا يريد أن يبقى تازمامارت شاهدا على هزيمة الجلادين وانتصار الضحايا؟ هل بيننا جلادين يرفضون إيقاع التحولات الجارية والتي يساهم فيها بقدر وافر ملك البلاد رغم استمرار تقريبا نفس موازين القوى السابقة...؟.

إن هدم تازمامارت احتقار لذكاء المغاربة وإهانة صارخة ومبتذلة لكل التوافقات التي عبرت حقولا من الألغام لكي تصل البلاد إلى مرحلة الأمان، إن هدم تازمامارت يعكس الخوف من الماضي ويعبر عن سادية اتجاه الماضي، الحاضر والمستقبل، فهل لازال في المغرب مكان للساديين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا