الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يمكننا تسمية عصرنا الحالي؟

فارس إيغو

2019 / 6 / 6
العولمة وتطورات العالم المعاصر


منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ـ الحدث الكبير في القرن العشرين ـ إجتاز العالم عدة مراحل تاريخية منها "الحرب الباردة" الذي إتسمت بوجود قطبية ثنائية أدارت العالم هي الدب السوفياتي والنسر الأمريكي، مع أقطاب آخرين لعبوا أدواراً أقل أهمية مثل الصين وفرنسا وإنكلترا، وهم في مجموعهم شكلوا الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن ولديهم حق النقض لأي قرار يمكن أن يصدر عن مجلس الأمن.
ومع إنهيار جدار برلين عام 1989، ثم أعقب ذلك الحدث الكبير تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، فرضت الولايات المتحدة نفسها كالقطب الأوحد على العالم، وخصوصاً بعد قيادتها التحالف الكبير الذي أخرج الجيش العراقي من الكويت، ودخول روسيا في مرحلة يلتسين في حالة من الضعف الشديد، وهو ما دفع وزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فيدرين الى إعطاء الولايات المتحدة تسمية "القوة الفائقة".
إذن، نحن اليوم في عالم يمكن توصيفه ما بعدياً، بأنه عالم "ما بعد ما بعد الحرب الباردة" أو "عالم نهاية الهيمنة الغربية"؛ ويتصف هذا العالم الجديد الذي يتشكل تحت أعيننا اليوم بأنه عالم متعدد الأقطاب: الولايات المتحدة التي ما زالت تحتفظ بالزعامة العالمية إقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً، تليها مباشرة الصين التي تزاحم الولايات المتحدة على الزعامة الاقتصادية في العالم وتسعى جاهدة للحاق تكنولوجياً وعسكرياً بالقوة الامريكية، وهناك توقعات تقول بأن عام 2030 قد يكون بقدرة الصين على خلع الولايات المتحدة من المرتبة الاقتصادية الأولى في العالم، لكن لا ننسى أن الناتج القومي الصيني الإجمالي يجب أن يوزع على مليار ونصف صيني (1).
في المرتبة الثالثة، نجد روسيا وقد إستعادت عافيتها العسكرية والتكنولوجية وبصورة أقل في الناحية الاقتصادية، وإستعادت قدرتها على فرض قوتها الإقليمية مع الأزمة الجيورجية عام 2008، والأزمة الأوكرانية عام 2014، وعادت لها شهيتها الإمبراطورية مع الازمة السورية عام 2011؛
وفي المرتبة الأخيرة، الاتحاد الأوروبي الذي يمر بأزمة وجودية قد تطيح بكيانه التكنوقراطي والعولمي لصالح عودة السيادة الى الدول ـ الأمم الأوروبية، لكن لوي الذراع العنيف بين المعسكر العولمي والسيادي لن تحسم في أمد قريب.
لقد كانت الازمة المالية الكبرى التي إنطلقت من الولايات المتحدة الامريكية وأصابت كل المراكز المالية العالمية وخصوصاً في أوروبا الغربية التي كانت شكلت شبكات وثيقة العلاقة بالمراكز المالية والبنوك في الولايات المتحدة. دفعت الأزمة المالية الى ولادة تشكيلة الدول العشرين الأكثر تأثيراً في العالم، وذلك بعد ضم روسيا الى قائمة دول السبعة الكبار في العالم التي أصبحت ثمانية. كان تشكيل مجموعة العشرين الكبار أول إعتراف فعلي بنهاية عصر الهيمنة الغربية على العالم، وكانت الدول الأساسية التي تم ضمها الى مجموعة العشرين هي مجموعة ما يسمى بالدول الصاعدة الأكثر نمواً في العالم، أي الصين والبرازيل والهند إفريقيا الجنوبية التي تجمعت مع روسيا في مجموعة البريكس التي تشكلت في 2009 ـ 2010، والتي تسعى الى كسر الإحتكار الغربي في النطاق الاقتصادي والمالي في العالم (3).
في نهاية القرن التاسع عشر كانت القوى الاقتصادية الأولى في العالم تتشكل من ثلاثة دول أوروبية غربية هي: بريطانيا وفرنسا وألمانيا، واليوم هذه الدول الثلاثة موجودة سوية ً في الاتحاد الأوروبي، وبالرغم من ذلك لم تعد تشكل مجموعة الدول الأوروبية المتجمعة في الاتحاد الأوروبي قطباً مؤثراً في السياسات العالمية، رغم ثقل تأثيرها الاقتصادي والمالي، إلا أن تلك البلدان راهنت كثيراً بعد إنهيار المعسكر الاشتراكي على نهاية الصراعات الكبرى في العالم لصالح السلام والرفاه والديموقراطية واقتصاد السوق العولمي، فإتبعت سياسات تخفيض كبيرة في الميزانيات العسكرية والأمنية منذ ثلاثة عقود.
عام 1973 كانت منصة الفائزين الكبار في الاقتصاد العالمي تضم الولايات المتحدة في المرتبة الأولى، تليها اليابان في المركز الثاني، ثم ألمانيا في المركز الثالث؛ في عام 2010 لم يتغير الترتيب للثلاثة الكبار في العالم، لكن اليوم منصة الكبار أصبحت تضم بالترتيب: الولايات المتحدة ـ الصين ـ اليابان، أي لا وجود لأي دولة أوروبية على منصة الفائزين الثلاثة الكبار في العالم، وعام 2030 تشير التوقعات بأن هذه المنصة ستضم: الصين في المرتبة الأولى والولايات المتحدة في المرتبة الثانية والهند في المرتبة الثالثة، والبعض يتوقع عام 2050 أن لا تضم لائحة العشرة الأوائل في السباق الاقتصادي أي دولة أوروبية منفردة.
وهذه التوقعات حول صعود الصين قريباً الى المرتبة الاولى في الاقتصاد العالمي هي التي أثارت الحرب التجارية الجديدة بين الولايات المتحدة والصين، ولا ننسى أن إدارة أوباما كانت قد وضعت آسيا في أولى أولويات سياساتها الخارجية والهدف هو محاولة الحد من تزايد النفوذ الصيني في آسيا وبالتالي تراجع النفوذ الأمريكي هناك، أما الرسالة الأولى للرئيس الجديد د. ترامب والموجهة لإدارته فهي عرقلة وصول الصين الى المركز الأول اقتصادياً في العالم، ومن هنا نفهم بداية الحرب الدبلوماسية والاقتصادية التي إندلعت بين هذين العملاقين منذ سنة. وآخر فصول هذه الحرب التجارية بين البلدين هي التي تدور اليوم حول الشكة الصينية الخاصة للإلكترونيات المسماة " هواوي " ـ وهي الرقم العالمي الثاني على لائحة التيلي كوم وراء الكورية الجنوبية سامسونغ ـ والمتهمة بالتجسس لصالح بكين من قبل إدارة ترامب التي وضعتها على اللائحة السوداء ومنعت دخول منتجاتها الولايات المتحدة، وقامت شركة غوغل بمنعها من الإستفادة من خدماتها، وبالتالي تجبرها لتطوير محركاتها للبحث، لكن لدى الصينيين ورقة قوية هي سيطرتهم على 90% من ما يسمى بالتربة النادرة المحتوية على المعادن النادرة الأساسية للصناعات التكنولوجية الجديدة، وهي ضرورية لصناعة السمارت فون وشاشات البلاسما والسيارات الكهربائية الجديدة، ولا يمكننا إغفال الرمزية الكبرى للزيارة التي قام بها حديثاً الرئيس الصيني لأحد المصانع الصينية التي تعالج هذه التربة النادرة.
تبدو القارة الأوروبية اليوم هي الأقل استعداداً لهذا المعطى العالمي الجديد، لقد نامت أوروبا طويلاً على المظلة العسكرية الأمنية الامريكية، ولم تستفق إلا متأخراً، عندما حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يفرض عليها دفع الفواتير الضخمة التي تترتب عليها للحماية الامريكية، وأن تشارك بنصيب كبير في تمويل حلف الناتو الذي أصبح شبه الكسيح أيديولوجياً بعد سقوط المعسكر الاشتراكي ورغبة الرئيس السيادي ترامب في رفض الإشتراك في لعبة البعض من المراكز النوستالجية في الغرب لإحياء الحرب الباردة من جديد مع روسيا الفيدرالية.
الخلاصة، إن المشهد العالمي الجديد اليوم في بدايات القرن الواحد والعشرين يمكن توصيفه بأنه أولاً، بداية ظهور التناقضات القوية في الحلف الغربي بين الولايات المتحدة الامريكية من جهة ودول أوروبا الغربية والذي دام سبعين عاماً، وثانياً، إن أفضل تسمية يمكن أن نطلقها على عصرنا الحالي وعالمنا الجيوبولوتيكي اليوم هو أنه عالم نهاية الهيمنة الغربية على العالم والتي دامت خمسة قرون.
(1) كان المفكر والسياسي الفرنسي الديغولي آلان بيرفيت قد نشر عام 1973 كتاباً مهماً ـ بعد رحلة إستكشافية للصين مع وفد فرنسي كبير ـ عنوانه "عندما تستيقظ الصين، سيرتجف العالم". أطروحة الكتاب الرئيسية هي أنه بالنظر إلى حجم السكان الصينيين ونموهم، فإن الصين ستنتهي حتماً بفرض نفسها على بقية العالم حالما تتقن التكنولوجيا الكافية. ويوضح آلان بيرفيت أن الفلاح الصيني يتمتع بتحسن لا يمكن إنكاره في مستوى معيشته.
(2) لا تشكل مجموعة العشرين الكبار حكومة عالمية، بل يتعلق الأمر بمنع التهديد بحالة الإفلاس أو الإنهيار المالي العالمي، حيث أن الجميع بعد إنهيار المعسكر الاشتراكي عام 1989 أصبح في نفس المركب الرأسمالي المهتز.
(3) لم تستطع مجموعة البريكس حل إشكال السيطرة الغربية على النقد ممثلاً في الدولار الأمريكي واليورو الاوروبي الذي يصدره البنك المركزي لدول الاتحاد الأوروبي.
(4) حتى حلول تطبيق البريكسيت، ما زالت بريطانيا تشكل جزءاً من التشكيلة الأوروبية، وهي إن لم تخرج بحلول موعد الانتخابات البرلمان الأوروبي في 26 آيار القادم، فهي قد تجبر لتنظيم تلك الانتخابات، وهذه سابقة تشير الى التخبط الكبير في سياسات الاتحاد الأوروبي، والصراع العنيف الذي يجري في داخل بريطانيا بين معسكر البريكسيت والمعسكر المعارض لخروج بريطانيا من منظومة دول الاتحاد الأوروبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت