الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحركة الكردية السورية بين أربيل وقنديل

صالح بوزان

2019 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


قبل الانتفاضة الكردية عام 2004 لم تكن هناك في الحقيقة حركة كردية سورية كما كان الحال في بقية أجزاء كردستان. كانت هناك مجموعة أحزاب كردية توالدت أغلبها عن بعضها، وهي تابعة لتأثير الحركة الكردية في كردستان تركيا وكردستان العراق. وبما أن قادة اقليم كردستان العراق لم يفكروا سوى بحقوق الشعب الكردي في اقليمهم منذ المرحوم ملا مصطفى برزاني، فقد أصبحت أغلب هذه الأحزاب الكردية السورية تصيغ برامج وهمية، أغلب بنودها شعارات، وتتحرك سياسياً على ضوء قيادات اقليم كردستان العراق.
دخل حزب العمال الكردستاني بين صفوف الشعب الكردي في سوريا بداية الثمانينيات من القرن الماضي. وخلال سنوات قصيرة استقطب الرأي العام الكردي السوري، وجذب تقريباً أغلب الشباب من العمال والفلاحين ونسبة من المثقفين إلى جانبه، ولا سيما إلى جانب القضية الكردية في كردستان تركيا تحت شعار "تحرير وتوحيد كردستان". وبالتالي لعب دوراً ملموساً في زيادة إضعاف الأحزاب الكردية الموالية لقيادات اقليم كردستا العراق والتي تنتعش من "خيراتهم".
قام الشعب الكردي السوري، وبعيداً عن الأحزاب الكردية، بانتفاضة تاريخية في قامشلي عام 2004 امتدت إلى كوباني وعفرين وأكراد حلب ودمشق. كان ذلك مؤشراً على نهوض وعي كردي قومي جديد. تبلور هذا الوعي أكثر في التضامن الميداني مع اختطاف ومقتل الشيخ معشوق الخزنوي. لم يكن هذا التضامن نابعاً من شعور ديني، وإنما وجد الشعب في هذا الشيخ الكردي دعوته الصريحة لحقوق الشعب الكردي مخالفاً بذلك تقاليد كفتارو ومروان شيخو والبوطي والدكتور حبش وغيرهم من رجال الدين الكرد الذين كانوا يستظلون بظل حافظ الأسد وابنه.
منذ تلك الانتفاضة بدأت تتكون حركة كردية سورية لها خصوصيتها. لكن الأحزاب الكردية توجست من هذا التحول التاريخي في مسيرة الشعب الكردي السوري. فتحركت بسرعة لإعادة الشعب إلى بيت الطاعة السابق والولاء لقادة كردستان تركيا من خلال حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، ولقادة كردستان العراق من خلال أغلب الأحزاب الكردية السورية الأخرى. وعندما اندلعت الثورة السورية عام 2011 والتي نسفت النمط السياسي الكلاسيكي للأحزاب الكردية والعربية معاً، التجأ كل حزب كردي سوري إلى قادته الذين يتبعون لهم في أربيل وقنديل مباشرة وعلى لسانهم سؤال واحد: ما العمل؟
قام حزب العمال الكردستاني بدعم حزب PYD سياسياً وعسكريا وتنظيمياً، وأعاد الكوادر الكردية السورية في صفوفه إلى كردستان سوريا إلى جانب ارسال بعض كوادره الذين ينتمون لكرد تركيا أيضاً. وبإرشادات من قنديل على ما يبدو قام حزب الاتحاد الديمقراطي بتشكيل قواته العسكرية YPG و YPJ، وفيما بعد شكل قوات سوريا الديمقراطية بإرشادات من أمريكا على قاعدة تحالفه مع العرب والسريان والآشوريين لحماية المناطق المحررة واستكمال تحرير شرقي الفرات كله. وبالمقابل أوعز السيد مسعود البرزاني بتشكيل المجلس الوطني الكردي أواخر عام 2011 من الأحزاب الكردية السورية الموالية له، ليستطيع بواسطة هذا المجلس قيادة الشعب الكردي السوري خلال مسيرة الثورة السورية. كما شكل لاحقاً في عام 2015 قوات بيشمركه روجافا ً لإرسالها إلى سوريا من أجل تعزيز موقع المجلس الوطني الكردي على الأرض، وبالتالي تعزيز نفوذه السياسي بالذات في كردستان سوريا.
وهكذا ظهر صراع سياسي كردي – كردي في سوريا منذ بداية الأزمة السورية. وكان مهيأ لأن يصبح صراعاً دموياً لو دخلت قوات بيشمركه روجافا إلى سوريا. كان ذلك في حقيقة الأمر صراعاً بين أربيل وقنديل على كردستان سوريا. لكن الفرق بين هذين الفريقين في دعمهما لمواليهم في سوريا أن قادة قنديل دعموا PYD لكي يتمكن من السيطرة على المناطق الكردية وحمايتها. أما السيد مسعود برزاني فأراد أن يكون أحزاب المجلس الوطني الكردي ذراعه في سوريا لأهدافه الاقليمية.
لكن المجلس الوطني الكردي فشل في مهامه على الأرض. وبالرغم من أن السيد مسعود البرزاني ساعده في الانضمام إلى قيادة المعارضة السورية، وفتح له أبواباً دبلوماسية اقليمية ودولية، غير أن هذا المجلس لم يرتق إلى مستوى أن يكون نداً لحزب الاتحاد الديمقراطي. فقد حقق حزب PYD ، وبمساعدة متنوعة من قيادة قنديل، انتصارات كبيرة على الأرض، وأصبح الممثل الميداني للشعب الكردي السوري. ساعده في ذلك دون شك الدعم الأمريكي العسكري لاحقاً في حروبه الباسلة ضد الدولة الاسلامية. أدرك السيد مسعود البرزاني تدهور موقع المجلس الوطني الكردي مقابل حزب PYD الذي انتقل إلى مرحلة جديدة، وهي تأسيس مؤسسات سياسية واجتماعية وعسكرية مع العرب والسريان والآشوريين كقاعدة لإقامة إقليم قائم بذاته ودون مشاركة المجلس الوطني الكردي.
لا بد القول أن كل الصخب الذي أثارته أطراف كردية وعربية وتركية حول ارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي بحزب العمال الكردستاني كان له هدف واحد، وهو حرمان القادة الشباب لهذا الحزب والذين لا يمتلكون خبرة سياسية بعد من نصائح وارشادات قيادة قنديل الذين لهم خبرة طويلة في السياسة. والملاحظ أن بعض الجهات الكردية تجاوزت أردوغان في الحقد على هذه العلاقة البناءة بين الحزبين الشقيقين. أمام هذا الواقع اضطر قادة أربيل دفع المجلس الوطني الكردي أكثر فأكثر إلى حضن تركيا، العدو الأول لحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي. وبدأ التنسيق الكامل بين المجلس الوطني الكردي والحكومة التركية ضد حزب PYD. وكان من نتائج هذا التنسيق احتلال تركيا لعفرين، وسكوت السيد مسعود البرزاني على هذا الاحتلال وعدم إدانته. كان المخط الخفي أن تستكمل تركيا احتلال كامل الشمال السوري وإدارته بالشراكة مع المجلس الوطني الكردي والمعارضة السورية الاسلامية بدلاً من حزب الاتحاد الديمقراطي.
لا يخفى على أحد أن السلوك السياسي للمجلس الوطني الكردي في سعيه لوضع حزب الاتحاد الديمقراطي في قائمة الارهاب العالمي لم يكن مجرد أوامر تركية ، بل كان لقادة أربيل دور ما في هذا الأمر. والملفت للانتباه أن الصلات بين أربيل ودمشق لم تنقطع نهائياً خلال الأزمة السورية، ومع ذلك دفع قادة أربيل المجلس الوطني الكردي إلى موقف أكثر تشدداً ضد النظام السوري. وهذا يخالف رسالة التهنئة التي أرسلها السيد مسعود البرزاني لقادة المجلس الوطني الكردي عند تأسيسه. كان واضحاً أن الهدف من وراء هذا التشدد هو النيل من موقف حزب الاتحاد الديمقراطي سياسياً. لأن الأخير لم يدع إلى اسقاط النظام السوري ولم يعلن الحرب ضده على الأرض، وإنما كان يكتفي بالدعوة إلى تغييره في إطار اتفاق دولي مع كافة الجهات السورية.
لا شك أن هذا الموقف الذي اتخذه حزب PYD تجاه النظام السوري كان تطبيقاً لنصائح سياسية وارشادات استراتيجية قدمها قادة قنديل له. فجنّبت هذه السياسة حزب الاتحاد الديمقراطي من التماهي مع المعارضة السورية والذوبان في توجهاتها العروبوية والاسلامية كما حدث للمجلس الوطني الكردي. وبالتالي برزت الشخصية السياسية لهذا الحزب كاتجاه خاص به في الثورة السورية، وجسد الموقف الكردي السوري المتفرد، لا موقف المعارضة ولا موقف النظام السوري. حصد حزب PYD نتائج باهرة من وراء هذه الاستراتيجية على الصعيدين العربي والدولي. زد على ذلك أن حزب العمال الكردستاني تخلى عن منطق الهيمنة في التعامل مع حزب PYD، حيث تحولت العلاقة بينهما إلى استراتيجية مشتركة بين حزبين شقيقين، يمثل كل منهما حركة تحرر كردية لها خصوصيتها؛ تتمايز في المهام وتلتقي في الأهداف الاستراتيجية الكردستانية.
أخيراً، لا أحد ينكر أن السيد مسعود البرزاني زعيم كردي تاريخي. وكل النقد الموجه له لا يضعف هذه المكانة في ذاكرة الأمة الكردية. ولكن علينا الاقرار بالوقائع. فقد أخفق هذا الزعيم خلال ربع قرن توحيد إدارتي أربيل والسليمانية، بل هرب من هذه المهمة إلى مهمة أكبر وهي إقامة دولة كردية مستقلة. لكن إخفاقه في هذه المهمة انتهى بكارثة فقدان كركوك والأراضي المتنازع عليها. كما أنه لم يسع إلى وضع الفكر القومي الكردي خارج المعتقدات الدينية في التطبيق، وبالتالي لم يكسب ود الكرد الايزيديين. ويبدو أن الانشقاق الذي حدث في حزب الـ"يكيتي" السوري مؤخراً، كأكبر الأحزاب الكردية السورية الموالية له، هو الآخر دلالة على اخفاق سياسته تجاه كردستان سوريان أيضاً. بغض النظر عن تقييمنا لطرفي الانشقاق، فإنه مؤشر على أن حزب الـ"يكيتي" لم يعد قادراً على الجمع بين نفوذ الحكومة التركية ونفوذ الائتلاف السوري المعارض ونفوذ أربيل وإرادة كرد سوريا. فمن الصعب توحيد هذا الخليط غير المتجانس في اطار واحد. والسؤال الذي يخطر على البال: هل سيستفيد السيد نيجرفان برزاني من هذه التجربة المريرة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيني اسبر واعترافات لاول مرة


.. عاجل | مظاهرات وأحكام عرفية وإغلاق مبنى البرلمان في كوريا ال




.. فضائح جديدة تلاحق تسلا ومالكها إيلون ماسك.. ما القصة؟


.. قراءة عسكرية.. كمين للقسام في رفح وتقدم للمعارضة السورية تجا




.. سياق | هل انتهى النفوذ الفرنسي في إفريقيا؟