الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثون يوما في سجن المطلاع

مزهر بن مدلول

2006 / 5 / 6
أوراق كتبت في وعن السجن


في السجنِ ، أعيدُ حياكة الذكريات ، فيبدو نسيجها ، باهر الشكل ، عميق المعاني ، كأني لم أكن هناك .
ليس في غرف الحبس زاوية ، فالمكان وجسدي ، لاقيمة في اتصالهما ، وكنت دائما ، ابحث عن وشائج مع زمن سيأتي .
الساعة ، منتصف النهار ..
شمس اب ، تنشر حرائقها على الحدود الحرام .. فتهرب دوريات الحراسة ، من شدة التهابها ..
تلك ، بعض نصائح ، من احد معارفي ، يسكن في صفوان ، أومأ لي بيده ..
هذا هو الاتجاه .. فمشيتُ .
ساعةٌ بعد اخرى ..
لاأحملُ ، إلاّ زمزمية معدنية ..مائها كان يغلي .
إبتعدتُ ، وابتعدتُ .. حتى خرجتُ ، أو هكذا بدى لي ، بأني خرجتُ من ايِّ مكان .
أنا والسراب ، كرسوم اشباح .
هنا ،لا سعفة ، ولا ظلال ، وليس في فمي شيئ امضغه . تضاعف زمن المسافات ، فايقنت ، بأني قد سلكت طريقا خطأ، لكني كنت عازما على المشي . هكذا ، حتى وصلت عند الغروب الى مزرعة عراقية ، يفصلها عن الحدود ، طريق اسفلتي فقط . انبطحت في ساقية جافة لبعض الوقت ، وكانت دوريات الحراسة ، بدأت تتحرك من كلا الجانبين . بعد ذلك ، طرقت الباب ودخلت . كان في المزرعة ثلاثة من العمال ، قدموا لي الماء والطعام ، ونصائحا عن كيفية العبور ، وبأي اتجاه اسير . قالوا لي .. إنّ ساعة واحدة ، سوف تصلني الى مزرعة كويتية ، يعمل فيها مجموعة من المزارعيين العراقيين . وحين بدأت الظلمة ، تعم المكان ، تسللتُ بهدوء اول الامر ، وبعد ذلك ركضت مسرعا ، وفعلا وصلت بعد ساعة او اقل منها الى تلك المزرعة . استقبلوني اهلها بترحاب وضيفوني مالديهم .
امضيتُ هناك مايزيد على الستة شهور ، متخفيا بين الاحراش نهارا ، ومع العمال ليلا ، وكنت انتظر ، لكي تتسنى لي فرصة العبور الى الكويت .
بين المزارع ، واول مدينة كويتية ، التي هي الجهراء ، تمتد صحراء واسعة ومخيفة ، ولايمكن لاي احد ان يتحرك فيها بسهولة . فأن استطاع ان يفلت من حرس الحدود ، فلن يفلت من الذئاب الجائعة ابدا. وقد سمعت قصصا كثيرة عن ذلك ، منها ماهو حقيقي ومنها ماهو من نسج الخيال ، لكنه لاينفصل عن الواقع كثيرا .
وكيل المزرعة ، تعاون معي كثيرا ، وأخذ يسأل في المزارع الاخرى ، عن امكانية تهريبي ، حتى جاء في احد الايام مسرورا ، واخبرني ، بأنه اتفق مع احد على ذلك .
في فترة وجودي في المزرعة ، جاء ثلاثة رجال من العراق ، يريدون العبور ايضا . وفي احد الايام ، جاء المهرب بسيارته ،وطلب مائة وخمسين دينار لكل واحد منا ، وإتفقنا . الرجال الثلاثة ، كلهم من منطقة الفهود ، في الناصرية، وهم من المتطوعين في الجيش والهاربين منه ،وكانت هياكلهم كبيرة الحجم بالمقارنة معي .
تحركت السيارة قبل الغروب بقليل ، بعد ان حشرنا المهرب في الشنطة الخلفية ، وكنت اتوسطهم ، اجلسُ القرفصاء ، فالمكان كان ضيقا ، لايسع لنا ، حتى اني في الربع الاول من الساعة الاولى ، بتُّ لااشعر بوجود بعض انحاء جسدي ، بسبب ثقل الجثامين ، التي حاصرتني .
الهواء ، الذي يتسرب الينا ، عبر ثقوب ضيقة ، كان قليل ، وكلما انخفضت سرعة السيارة ، كلما قلت كمية الهواء .
ومع كل هذا الموت ، الذي يجاورني ، كنت احلم بالوصول ، الذي سيُركبُني السفينة .
بعد ساعتين تقريبا ، توقفت السيارة في المطلاع لغرض التفتيش . كنا نسمع الشرطي ، الذي انهال على المهرب بالاسئلة .. من اين انت ؟ والى اين ذاهب ؟ وماهو غرضك ؟ ... الخ . لكنه ، فجأة طلب من المهرب ، ان يصطحبه الى داخل المركز.
تأخرمهربنا زمنا لايزيد عن العشرة دقائق ، وكنت اشعر، بأن مياه جسدي ، قد تبخرت ، والثقوب ، التي يدخل منها بعض الهواء ، قد أُغلقت ، وبدأنا نتنفس بصعوبة كبيرة ، ثم اتفقنا ، بالاشارة والهمس ، باننا لانستطيع ان نقاوم اكثر من دقيقتين. فانْ لم يأت ِ، سوف نصرخ ، لنقول نحن هنا ، وبينما نحن في هذه الحال ، واذا بنا نسمع خرخشة مفاتيح ، في محاولة لفتح الشنطة ..
الشرطي فتحها .. نظر الينا بدهشة واضحة ، ثم اطبق الباب بسرعة ، لكننا حصلنا على كمية من الهواء جيدة ، ثم راح يصرخ ، وكأنه جُنّ .. [فلان ، فلان .. تعالوا .. إكعيبر بالسيارة ] . جاء عدد من الحرس ، يهرولون ويلوحون بعصيهم ، انزلونا من السيارة ، وكنت في غيبوبة في ذلك الحين ، لكني سمعت شيخا من الحرس قال .. [ تعالوا اولادي لاتخافون ] .
السجن كبير ، غرفه كثيرة ، يزدحم الموقوفون فيه ، وكلهم من جنسيات عربية مختلفة ، جاءوا من العراق ، بطريقة غير شرعية للبحث عن عمل . كل شئ في ذلك السجن سيئا ، عدا الطعام .
استدعانا الضابط في اليوم التالي للتحقيق ، وقبلها ليلا ، اتفقنا نحن الاربعة ، على ان ندعي باننا سوريون وليس عراقيون . التحقيق معنا كلا ً على انفراد ، وهواجراء عادي وخالي من اي شكل من اشكال الاهانة او التعذيب . عاد اول واحد من التحقيق ، وعرفنا منه الطريقة التي يحققون فيها ، والاسئلة المهمة التي واجهته ، ولكن عندما سالناه ،هل قلت بانك من سورية ؟.. قال .. نعم قلت ذلك .. لكنهم [ سووني كركزان ] ، يعني ضحكوا وسخروا منه بشدة ، وسجلوه عراقيا ، وهكذا تعاملوا معنا ايضا.
بعد ان مضى علينا شهر كامل في سجن المطلاع ، نقلونا الى سجن التسفيرات العامة في العاصمة ، وكان العدد يتجاوز الخمسين ، وعدد العراقيين بينهم كان عشرة فقط .
سبق لي وان تعرفت في السجن على شاب من سورية ، يبدو انه حاول العبور لمرات عديدة ، ولم ينجح . ذلك الشاب ، ادرك خطورة قضيتي، فزودني بكثير من المعلومات المهمة . في الصباح كنا نستعد للترحيل ، الجميع يجب اعادتهم من حيث جاءوا .. الى العراق . اصطففنا واخذوا ينادون بالاسماء ، كل من يسمع اسمه عليه ان يدلف الى المركبة [ السجن ]، حتى كنا نحن العراقيين اخر الاسماء . جلبوا [ الكلبجات ] ، ووثقوا ايدينا ، كل اثنين بكلبجة واحدة . العراقيون فقط ، يجب ان تو ضع [ الكلبجات] بايديهم ، ووحدهم فقط ، ان تدون اسمائهم لكي يتم استلامهم من قبل شرطة صفوان ، حيث يتم التوقيع بالاستلام ، اما الاخرون ، فانهم يدخلون الى العراق دون ان يسالهم احد من شرطة مركز صفوان الحدودي ، هكذا تقضي الاتفاقية الامنية بين البلدين. جاء الشرطي ليضع الكلبجة في معصمي ، فرفضت ، مدعيا باني سوري الجنسية ، لم يقل شيئا ، لكنه نادى على الرقيب ، الذي قال لي .. اقسم بالله العظيم .. انت عراقي .. وانت من الناصرية ، واضاف .. ان صدام حسين اشرف منكم جميعا !!! . ولاادري ، اذا كان ذلك الشرطي قد ارتاب في حالتي . ثم جاء رجل مخابرات ، يلبس دشداشة بيضاء وعقال ، قال لي هو الاخر .. سوف اريك ، عندما نصل الى صفوان .. انت تخفي شيئا .
صعدت الى الباص السجن ، وكان جسدي ، يرتعد من تهديد رجل المخابرات . حين تحركت المركبة ، جاء ناحيتي صديقي السوري ، واخبرني ، بان لديه مفتاح ، يمَكنه من فتح الكلبجة ، وقال ايضا .. عندما نصل الى العبدلي ، سيتوقف الباص وينزل منه الجميع عدا العراقيين ، وعليك ان تسرع بالنزول ، ثم نركض باتجاه صفوان . شكرته على ذلك ، فتح لي الكلبجة . ولسوء حظي ، عندما وصلنا الى العبدلي ، لم يطلبوا من غير العراقيين ان ينزلوا ، بل قالوا على العراقيين ان ينزلوا اولا . دبَّ اليأس في نفسي ، نزل العراقيين التسعة ولم انزل ، فسالهم الشرطي .. اين عاشركم ؟ . فرد الرجل الذي يقاسمني الكلبجة .. انه ليس عراقي . فجاء لي الشرطي وبكل ادب طلب مني ان اذهب معه ، وقال لااستطيع ان افعل شيئا الان ، لانك لم تحسم الامر من دائرة التسفيرات . نزلت معه . ثم طلبوا من الاخرين ترك المكان والعودة الى العراق. اعادونا الى الباص مرة اخرى ، بعد ان فكوا اغلالنا . لااستطيع ان اوصف الرعب ، الذي اصابني في ذلك الوقت ، من الرجل ، الذي هددني. تحرك الباص من العبدلي بأتجاه صفوان . كنت افكر ..كيف لي ان ابتدع حيلة ، لكي اتخلص من هذا الجحيم الذي اخذ يزحف نحوي .
توقف الباص في باب المركز . صعد إليه شاب ، جنوبي الملامح ، وجهه خاليا من اية قسوة ، رتبته العسكرية [عريف] . قال .. السلام عليكم .. وعليكم السلام .
كلكم عراقيين ..
رفعتُ يدي ..
نعم اتفضل ..
انا سوري .. لكنهم خبطوني مع العراقيين . ولاادري من اين جائتني هذه الخبطوني ..
مااسمك ..
فلان الفلاني .. اخذ قلمه وشطب اسمي ودون اي شئ اخر . . قال .. انت خليك مكانك . وانتم ، خاطب الاخرين .. تعالوا معي . اغلقوا باب الباص ، وتركوني . كل دقيقة تمر ، كان خوفي يزداد ، الشرطة الكويتيون ورجل المخابرات دخلوا ايضا الى داخل المركز . مالذي سيقوله ذلك الرجل . ربما ضميره سيمنعه من ان يقول شيئا . وكنتُ ... [ حسبة اجيبني وحسبة توديني ].لكن ذلك لم يدم طويلا ، فقد جاء الجميع الى الباص ، الذي عاد بي الى العبدلي . انزلوني ، وكانت على وجوهم مظاهر الارتياح ، بعضهم اخذني في حضنه بسعاده ،قائلين .. هسة انت سوري بشكل رسمي .
اشتروا لي بعض السندويج وزجاجة من شراب البيبسي . وفي اليوم التالي ، سفروني على اساس ،انا سوري الجنسية ، ودخلت الى العراق بسلام . فأية مفارقة وأية مأسات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر