الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملكيات المشتركة بين الواقع والمأمول .

محمد بلمزيان

2019 / 6 / 13
دراسات وابحاث قانونية


تبقى بعض الكلمات المأثورة والتي تواترت عبر الزمن ما تزال محافظة على سيرورتها وشاهدة على ذكاء ونباهة قائليها ، والتي تؤكد على أن بعض التجارب الإنسانية الموغلة في القدم قد وصلت في خضم صراعها من أجل حياة أفضل الى ابتداع وصفات جديرة بالمتابعة والإقتداء في الحياة، بثمابة قواميس للبحث عن الوقاية والحلول في جميع أمور النشاط الإنساني، وتصادفنا في حياتنا اليومية الكثير من المواقف التي تكون مناسبة لتذكر بعض هذه الإقوال التي حفظتها الألسن عبر التوارث أو هي مبثوثة في كتب ومؤلفات مغمورة، فعلى سبيل المثال لا الحصر غالبا ما نردد ما يلي : ( شري الجار قبل ماتشري الدار) وهي بلهجتنا المحلية تعني ( قبل العزم على اقتناء المسكن يجب أن تعرف من هو جارك جيدا كيف هو ومن هو وغير ذلك ليطرح سؤال إمكانية التعايش وتوافر شرط السكن)، فقائل هذه العبارة لم يكن ينطق عن الهوى بقدرما توغل بعيدا في دراسة ما تخلفه السلوكات الإجتماعية المتنافرة التي تحدث بين مختلف المكونات التي تكون مجبرة على( التعايش) القسري في محيط اجتماعي ضيق ومتقارب جغرافيا، فمناسبة هذا القول هو ما نلاحظه من تفشي مظاهر الإزعاج في السكن ضمن ما يسمى بالملكية المشتركة في العمارات السكنية، في شكل شقق متلاصقة عموديا أو أفقيا، وغياب ثقافة احترام الآخر ضمن هذه البيئة الإجتماعية التي قد تكون مزيجا فسيفسائيا من الأطياف البشرية متباين في المستويات التعليمية والثقافية والسلوك والتربية وغيرها. فحكى قديما بأن شخصا أعجب بمنزل فتقدم الى صاحبه برغبته في اقتنائه، فلم يعترض صاحب البيت على ذلك، خاصة وأنه قد عرض عليه ثمنا مغريا وغير قادر على الرفض، لكن صاحب البيت اشترط عليه ثمنا آخر عن الجيران ، لكون جيرانه على قدر من الوقار ويبادلونه احتراما بشكل مستمر، وهم دائما في تواصل وتفاهم، ليس هناك ما يعكر المزاج أو ينغص عليهم حياتهم في السكن بجوار بعضهم البعض، فطلب مقابل ذلك ثمنا باهضا يفوق بكثير ثمن المسكن، وذلك لوضع صاحب الفكرة في موقع العجز، فقط لتخوفه أن ينغص حياة جيرانه بهذا القادم الجديد، والستحالة توافر نفس الشروط في السكن في حالة الرحيل الى مسكن جديد.
اذن فشراء السكن ليس بالضرورة هدف في حد ذاته بالنسبة للكثير من الناس، عبر توفير مسكن الإيواء، بل هو شيء يفوق ذلك بالنسبة للكثيرين، هو في العمق شراء للهدوء والسكينة وبحث عن جغرافيا ملؤها الإحترام المتبادل، وعزم دائم على تقدجير ظروف الآخرين في المجال السكني المشترك الذي نعبر عنه بالإقامات أو العمارة السكنية، التي تكون مجموعة من المرافق مشتركة، من قبيل الباب الخارجية والفوقية والدرج والسطوح والنظافة والأمن وغيرها من المرافق التي يجب أن تكون موضع تدبير مشترك وتحمل جماعي من قبل المستغلين والمالكين على حد سواء. فقد يحدث أن عمارة سكنية تحتوي على عدة شقق سكنية، الواحدة فوق أخرى ، فتلاحظ أن القاطنين في الشقق العليا، يشكلون إزعاجا دائما في القاطنين في الشقق السفلى، نتيجة الضجيج الذي يحدثونه يوميا خلال الليل أو بالنهار، وهو ضجيج يكون غالبا مصحوب بأصوات بنبرة مترفعة، وتحريك أمتعتهم في عز الليل، قد يكون جيران آخرين قد خلدوا للنوم استعدادا للنهوض الى العمل باكرا، وقد يحدث أن بعضهم ينتعل أحذية مزعجة تحدث طنينا مستمرا في السطح وكأن هناك حيوانات في شكل أجسام آدمية تقطن بالجوار، دون أن يلتفتوا أو يعيروا اهتماما للغير هل هو نائم أم مستيقظ؟ ويطلقون العنان للأطفال باللعب في عز الليل والركض المستمر على السطوح وضرب الأبواب والجدران بشكل مقرف بدون أي تربية أو ردع، وهو ما يجعل البعض غير مستوعب لثقافة السكن بالعمارة، وغير ملم ولو بأبسط مرتكزاتها الضرورية، فترى البعض قادم من العالم القروي أو من حي هامشي وهو يحمل معه ذهنية العيش في البادية ،( مع احترامي لأهلنا في البادية الذين يتصفون بمزايا التمدن أكثر من البعض في المدن) . فالذهنية الشخصية بسلوكاتها اليومية لا يمكن تغييرها بين عشية وضحاها إلا ضمن عملية شاقة من التحول، يدخل فيها ما هو ثقافي وما قانوني وردعي أحيانا إذا كان هذا السلوك مخلا بالقانون وماسا براحة وحياة الآٍخرين، خاصة إذا كانت هذه الذهنية لم يسبق لها أن استفادت من فرص التعليم التأسيسية والتي يجعلها غير متبقلة للنقد واللوم، وغير متسوعبة حتى للقوانين الجاري بها العمل، والتفريق ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وبالتالي العمل وفق منطق يراعي مصالح الغير واحترام خصوصيات الآخرين وعدم إثارة مظاهر الإزعاج والضجيج، لكون هذه السلوكات تعتبر تهجما على حرمة الغير في عقرداره، من خلال المس بالهدوء والسكنية والوقار المتبادل ، والذي من المفروض أن يكون القاعدة التي عليها يتأسس العيش المشترك، وهذا ما نلاحظ غيابه بشكل مطلق ضمن هذا النسق السكاني الوافد علينا، ويجعل الحياة في بعض الملكيات المشتركة أشبه بالجحيم، الشيء الذي يفرض تسطير قوانين وتفعيل مساطر للبث في النزاعات القائمة للكف عن مظاهر الإعتداء المتعدد الأأشكال على حرمة الهدوء والسكينة في الإقامات المشتركة ،لكون بعض الأقامات هي قنابل موقوتة تعيش مكوناتها صراعات لا تكاد تنتهي، وخصامات متعددة، بعضها يتناهى الى أسماع الناس حينما تندلع فلي شكل تبادل للعنف الكلامي وتوزيع مختلف الكلام البذيء والساقط، يصل صداه الى مختلف الإقامات المجاورة، وهو يتسبب في إحراج عائلي داخل الأسر والعائلات المجاورة بشكل متكرر ، والحال أن بواعث هذه القلائل تكون قابلة للحل ، ودواعي نشوءها ناتج عن تخلي البعض عن التزاماتهم ضمن هذه البيئة ومحاولة فرض نوع من الهيمنة والإستغلال المفرط للمرافق المشتركة وإثارة الزوابع والضجيج بشكل يلغي الآخرين ولا يعترف بوجودهم حتى ، مفضلين مصالحهم الضيقة وأنانيتهم المفرطة والنفسية المريضة على حساب راحة الآخرين بكل عنجهية ورعونة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري


.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين




.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل


.. وزير الخارجية الأردني: نطالب بتحقيق دولي في جرائم الحرب في غ




.. نتنياهو: شروط غانتس تعني هزيمة إسرائيل والتخلي عن الأسرى