الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية لقصة قصيرة جدًا ( شجرةٌ ) للقاصة الفلسطينية فاطمة عبد الله / بقلم : رائد الحسْن

رائد الحسْن

2019 / 6 / 16
الادب والفن


شجرة
اتهمتهن بالجفاء والانحراف، ازدادت المسافة بينهن، أكلها الحزن. بعد أن تجمعت السيول في الواحة، على صفحة الماء؛ تفاجأت بساقها الأعوج.
______________________________________________

العنوان: شجرة، وهنا جاءت الكلمة بصفة النكِرة، أية شجرة هي؟ هل بمعناها الحقيقي أم الرمزي، الشجرة هي كائن حي، وأحد أشكال الحياة النباتية وتتواجد في بيئات مختلفة وبأشكال وأنواع مُتعدِّدة، تتميّز عن باقي النباتات بوجود جذور وسيقان وأغصان وممكن أن تكون مثمرة أو غير مثمرة ومنها دائمة الخضرة أو موسمية نفضية.
ومع هذا، سيتجلى لنا المعنى الحقيقي الذي ترمي إليه كاتبة النص بعد الولوج في المتن.
المتن: اتهمتهن بالجفاء والانحراف، إذن هذه الصفات لا وجود لها وغير حقيقية ومجرد اتهامات باطلة من نسج خيالها وصنع أفكارها.
فالاتهام يتبلوَر في ذهن الإنسان ويتجسّد شكله ليأخذ طابع الشر بعد أن يتحوَّل إلى هاجس حقيقي قد يعزّز - أحيانًا - بكلماتٍ جارحة تُقال بحق أناس أبرياء، لا ذنب لهم ، سوى أنهم موجودون في دائرةِ معرفة وعلم وحياة - ذلك الشخص - الذي لا يهمه سوى الدوران حول الأنا والذات؛ فيراها ناصعة متميّزة متفوّقة وينظر نظرة دونية - للآخر - ملؤها التكبّر والاستعلاء ويحاول الحط مِن قدرِ وقيمة ومكانة مَن هُم حوله. عندما يقوم الإنسان بهذا العمل المُشين ويتهم الآخرين بتهمٍ باطلة، فهو ، يعاني من التكبّر والسمو - الزائف - أو الغيرة والحسد، خاصة عندما يغيب المنطق ويصمت العقل وتندثر القيَم، وتختلج النفس نزعات شريرة وأفكارًا غير سوية. وعندها يبتعد أولئك الناس عن ذلك الشخص، نأيًا عن المشاكل وكتصرّف طبيعي ورد فعل عادي اتجاهه. لكن مِن طبيعة الإنسان - وإن كان من النوع السلبي - هو أن يحزن، عندما يرى مَن هُم حوله يبتعدون عنه... يريد أن يجمع تفاحتين بيدٍ واحدة - رغم اختلافهما ووجود التناقض بينهما - وهذا أمر غير ممكن، انه يريد أن يطعن بالناس وبذات الوقت يريد بقاءهم في حياته ويستنكر رحيلهم ويودّ الاحتفاظ بعلاقاته معهم - مع الذين جرحهم - وعندما ينفضّون عنه، يحزن!.
الإنسان رغم انه يمارس أحيانًا دورًا سلبيًا، لكن يبقى هو إنسان له عواطف ومشاعر؛ فيحزن عندما يبتعد عنه الآخرون، انه ينسى أو يتناسى، يغفل أو يتغافل عن سببِ ابتعادهم عنه، لأن هناك نظارات سوداء، تعتلي وجهه وتقف أما عينيه؛ فتحجب عنه رؤية الواقع، ولا يعي الحقيقة إلّا بعد أن تسقط، أو يتخلى عن تلك النظارات لسببٍ ما.
الأنثى - الشجرة - واقفة عند واحة الحياة، هطلت أمطار كثيرة؛ ففاضت الوديان وتحوَّلت إلى سيولٍ، سيول العمر والزمن التي تجرف معها كل شيء الحابل والنابل، الغث والسمين، أتتْ إليها إلى حيث هي ساكنة، وبعد أن استقرت، بدت صفحة الماء صافية وفي لحظة صفاء وتأمل واختلاء - مع الذات - رأت نفسها وإذا بساقها أعوج.
وهنا كانت الصدمة القوية والمفاجأة التي هاجمتها والتي أخذتها إلى الماضي القريب، لتنكشف أمام نفسها وتصمت أمام حقيقة، جهلتْها أو كانت تتَجاهلها.
لولا تلك السيول الجارفة التي امتزجت مياهها مع مياه واحتها، لما انجلى لها واقع حقيقتها. ركبَ رأسها العنادُ والتعالي وبقت ثابتة على عجرفتها وتكبّرها، لكن للزمنِ سيوله واتجاهاته ويذهب إلى حيث يريد، فان جمدت هي في مكانها وتمادت في ثباتها على ما هي عليه، فللعوامل الأخرى كلام آخر.
الفكرة: إن الإنسان وهنا كانت الشجرة - الأنثى - رمزًا ، تنازعت فيه رغبتان متصارعتان، الشر والخير .
.. الشر: عندما يتعالى - الإنسان - ويتكبّر ويصاب بالأنانية ويظن السوء بأخيه الإنسان الآخر، فيجرحهم سواء كان بالفعل أو بالكلام، فيتهمهم بشتى الأوصاف النابية ومنها: الانحراف، لكن في النهاية، عندما اجتاحتْ واحة بيئتها وعالمها الخاص ب - سيول التجارب التي اقتحمت واحتها - واختلطت مع مياهها - دون إرادة منها - لتكشف لها حقيقة نفسها وترى أن الانحراف والعوج هو بها بساقها ، الساق الذي كانت تستند وتقف عليه و تتعالى به عليهن ، تبيّن أن الانحراف هو به وليس بهن.
... الخير: عندما حزنت لابتعادهن عنها - وبالرغم من أنها هي التي كانت السبب في ابتعادهن عنها - وطبيعة الإنسان السوي هي العشرة والتعايش مع الآخر، فالحياة لا تحلو إلّا مع أناس، والإنسان بطبعه يحب أن يكون مُحاطًا بأصحاب وزملاء وأصدقاء، فالدنيا بدونهم تكون موحشة، وإن كانت جميلة، كما يقول المثل: الجنة بدون ناس لا تداس، أي بالرغم من أنها جنة، لكن غير مرغوب بالمشي فيها أي لا يحلو العيش فيها.
و كذلك، هي التي انفتحت على الآخر ، وإن كان ذلك الانفتاح قسرًا، لكنها تخلَّت عن كبريائها الفارغ ونزعت نظاراتها السوداء لتشاهد الحقيقة بأم عينيها. تفاجأت، وبكل تأكيد، بعد أن عرفت أن الخلل هو بها - وهنا نستنطق النص ونقرأ غير المكتوب - فبعد أن عرفت الخلل، غيّرت وتغيّرتْ الكثير من المفاهيم المغلوطة التي عاشتها واستوطنت بها لسني عمرها.
رائع هو الذي يدرك حقيقة نفسه وحجمها، وإن أتت - تلك الحقيقة - متأخرة وإن جاءت لأسباب خارجية . الأهم ، ننفتح نحو الآخر ونتقبَّل التعايش معه ولا ننظر إليه بدونية واستصغار ونبعِد كل الاتهامات غير الصحيحة عنه، لغايةِ رمي اللوم - جزافًا - للتقليل مِن شأن الآخر لهدف تعظيم الذات.
كلنا في وقت مِن الأوقات كنا مثل الشجرة هذه، لكن سعيد الحظ الذي يصحو على الحقيقة مُبكرًا ليحيا بمحبة وتواضع بعيدًا عن رمي الآخر بالظنون والاتهامات الباطلة التي ربما تكون هي حقيقتنا وليست أضاليل أطلقناها وشوّهنا الآخر.
النص جميل، ابتدأ بعنوان غير كاشف، تم استخدام الرمز به ، مكثّف، تدرّج بالأحداث بسردٍ موفّق، لينتهي بقفلة صادمة.
فقط ، كنتُ أتمنى على الكاتبة، أن تستخدم علامات التشكيل في النص.
أمنياتي للأستاذة فاطمة عبد الله بدوام الإبداع والتألّق والنجاح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي