الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرات في كتاب: -مقالة في السفالة- للدكتور فالح مهدي - الحلقة الثالثة عشرة - الاحتلال الأمريكي وسقوط العراق

كاظم حبيب
(Kadhim Habib)

2019 / 6 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


هذه هي الحلقة الأخيرة المخصصة للقسم الثاني الموسوم العراق المعلول، في حين سأخصص حلقات عدة عن القسم الثالث والأخير الذي هو بعنوان "لماذا وصلنا إلى هنا: ملاحظات وانطباعات".
يشير الدكتور فالح مهدي إلى رأي لخصه بما يلي: "يمثل سقوط نظام البعث في عام 2003، نهاية الدولة القومية التي جلبها البريطانيون معهم في بداية القرن العشرين وبداية دمار جديد، بدءاً من تلك السنة ولا زالت فصوله قائمة". ويستكمل هذه الرؤية بقوله: "ويمثل أيضاً الانتقال من رثاثة البعثنة إلى رثاثة النرجسية الثقافية الإسلامية بشقيها الشيعي والسني، القائمة على مخيلة ماضوية، لا تعير اهتماماً بالحاضر ومرضه". (مهدي، الكتاب، ص 173). وهذين المقطعين المهمين أثارا فيَّ مجموعة من الأسئلة التي تستوجب الإجابة التحليلية المدققة. أركز هنا على ثلاثة أسئلة أحاول أن أطرح تصوراتي في محاولة لخوض الحوار والنقاش العلميين حولهما. هل إن إسقاط البعث وحكمه عبر الحرب الخارجية قد أنهيا فعلاً الدولة القومية في العراق؟ أليست هناك قوى أخرى حاملة لفكر ونهج الدولة القومية؟ أوليس هناك تداخل فعلي شديد الوضوح بين القوى القومية والقوى والأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية منها والسنية من حيث الفكر والممارسة والنهج، ولاسيما بعد استتباب الوضع لهم في الدولة التي يهيمنون عليها، لاسيما وأن الزميل مهدي يشخص بوضوح بأنه انتقال من رثاثة البعثنة إلى رثاثة النرجسية الإسلامية؟ أليست إيران دولة دينية مذهبية، ولكنها تعبر في الوقت ذاته عن ذهنية قومية فارسية شوفينية مغرقة بالطائفية السياسية والعنصرية، والتي تجد تجلياتها في الموقف من منتسبي القوميات وأتباع الديانات الأخرى في إيران؟ ألا تشير تجربة الحكم في السودان في فترة حكم عمر البشير أو حتى في نهج المجلس العسكري الراهن الذي يرفض تسليم السلطة للمدنيين خشية فقدان دورهم العسكري ورؤيتهم القومية الدينية للدولة والمجتمع بما يمكن أن يقترب من ذلك؟ هل يمكن أن نقول بأن دور القوى القومية قد انتهى وبالتالي الدولة القومية أيضاً انتهت، أليست هنا قوى أخرى وطنية وديمقراطية حاملة للدولة القومية أو الوطنية؟
اعتقد بأن الدولة الوطنية، والتي يطلق عليها أيضاً بالدولة القومية، ماتزال قادرة لأن تلعب دوراً في المجتمعات النامية، ومنها المجتمع العراقي، ولكن المسألة تقترن بطبيعة ومضمون ونهج هذه الدولة، هل ستكون هذه الدولة القومية، أو الوطنية، ديمقراطية علمانية حديثة، أم دولة قومية شوفينية متعصبة أم دينية طائفية متطرفة؟ نحن في العراق مازلنا نعيش في ظل علاقات إنتاجية متخلفة وبالية، ولاسيما في الريف، كما إن الاقتصاد الصناعي، رغم أنه قد نما وتطور نسبياً في فترة الستينيات ومن السبعينيات من القرن الماضي، إلا إنه وعبر الحروب الداخلية والخارجية والفوضى التي سادت قد تم تدمير الكثير مما تبقى منها أو ترك دون عناية. وهذا الواقع وجد تجلياته في البنية الاجتماعية للمجتمع العراقي. إن المهمات التي تواجه العراق في هذه المرحلة ولسنوات طويلة لاحقة ترتبط مباشرة بالدولة القومية أو الوطنية التي تعني أن البرجوازية المتوسطة العراقية ومعها فئات اجتماعية أخرى ينبغي لها أن تلعب دورها الكبير في تغيير واقع وبنيتي الاقتصاد والمجتمع، وأن هذه المرحلة يفترض فيها أن تؤمن الحريات العامة والفردية والديمقراطية للمجتمع وأن تعتمد القطاعات الثلاث الأساسية في البناء الاقتصادي والاجتماعي الراهن واقادم، القطاع الخاص والقطاع العام والقطاع المختلط، في عملية التنمية والتقدم الاجتماعي. إنها مهمة إعادة النظر بما حصل في القطاع الزراعي وضرورة تحقيق الإصلاح الديمقراطي فيه لصالح الزراعة وسكان الريف المنتجين للخيرات المادية وتحديث الزراعة تقنياً وتنويعها وتخفيف الأعباء عن الفلاحيات والفلاحين المنتجين للخيرات المادية بما يوفر الغذاء والأمن الغذائي للسكان من جهة، والمواد الزراعية الأولية للتنمية الصناعية الزراعية من جهة أخرى، إذ بمقدورهما امتصاص البطالة المكشوفة المقنعة الراهنة وتغيير واقع الاقتصاد الريعي الذي يميز اقتصاد العراق وحالته السياسية وقدرته على إنتاج الاستبداد والمستبدين باستمرار.
لقد تَرَكَ صدام حسين العراق أرضاً خربة وشعباً بائساً ومتخلفاً، رغم غني الأرض والشعب، وكان هذا ما يكرره صدام حسين ويردده نعيم حداد بحماس غبي منقطع النظير، ويؤكد بـ "أن من يريد أخذ العراق منا سوف لن يجد سوى جثثاً وخرائب". وكانت الخشية من الحرب الخارجية الجديدة في العام 2003 ليس خراب العراق أكثر من السابق والموت المحتمل عبر الحرب والجراح الت لا تندمل فحسب، بل وما يمكن أن يحصل بعد الحرب من صراعات دموية وانفلات أمني وتحويل معركة قوى الإسلام السياسي التكفيرية من الولايات المتحدة وأوروبا على العراق أيضاً. وهذا ما حصل فعلاً. وهذا بالضبط ما خشيت منه حين عارضت الحرب وتحدث في الكثير من الندوات في برلين ومدن أخرى، ومنها لندن، وقبل الحرب بشهرين بالمشاركة مع السادة محمد بحر العلوم ود. محمود عثمان وينادم كنا، والذي قوبل بالرفض من المحاضرين وبعض الحاضرين، ومنهم الفقيد السيد محمد بحر العلوم، إذ قال لي بالحرف الواحد: "كنت ضد الحرب، ولكن بعد أن نشر عدي صدام حسين الشتائم ضد أهل البيت قررت الموافقة على الحرب!"، رغم قناعته بصواب ملاحظاتي وما سيحصل في العراق من فوضى خلاقة كانت مطلوبة من جانب الولايات المتحدة، مع وفي أعقاب الحرب وطلب مني أخذ مطالعتي المطبوعة، فسلمتها له! ومن المحزن أن أقول بأن كل ما حصل في البلاد كان ضمن توقعاتي، بل حصل أكثر من ذلك أيضاً.
في مساهمتي في كتاب مشترك لمجموعة من الباحثين وتحرير الدكتور فارس نظمي الموسوم الرثاثة في العراق قلت بأن "الفئات الرثة الحاكمة بالعراق حالياً لا تعرف الوطن ولا الدين...إنها السلطة بما تعنيه من نفوذ وهيمنة ومال وجاه وإقصاء واستئصال للآخر... ولو كان في مقدورها أن تحكم بدون الناس لتخلصت منهم أيضاً!" وختمت مساهمتي بما يلي: " لقد أصبحت الدولة العراقية الاتحادية في مهب الريح، وتحت سطوة كل هذه القوى الرثة التي لا مستقبل لها في العراق ولا في منطقة الشرق الأوسط، ولكنها ستكلف المجتمع العراقي وتراثه الحضاري الكثير من الخسائر البشرية والمالية، وجمود التنمية وخسارة ما كُسب قبل ذاك، فضلاً عن البقاء في أوضاع التخلف والتشوه والصراع والحرمان والانكشاف الشديد على الخارج." (راجع: كاظم حبيب، الاقتصاد السياسي للفئات الرثة الحاكمة في العراق، في كتاب الرثاثة في العراق، تحرير الدكتور فارس نظمي، دار ميزوبوتاميا، بغداد 2015، ص 15-40).
فالدولة العراقية الراهنة دولة مهلهلة، ونظامها السياسي طائفي محاصصي مرفوض ويعود لقرون خلت، ويجسد ردة فكرية وسياسية واجتماعية وأخلاقية عميقة تعبر عنها طريقة وأساليب وأدوات وشخوص الحكم الذين يشكلون فئة رثة في المجتمع فكراً وممارسة، وهم المسؤولون عن كل الجرائم التي ارتكبت في العراق خلال الفترة الواقعة بين 2004-2019، سواء أكانوا وراء ما حصل مباشرة أم فسحوا في المجال لما حصل، حتى الآن، ولاسيما في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وكركوك وما يجري اليوم في محافظة البصرة.. إضافة إلى النهب المنظم لموارد الدول المالية من جانب الفئة الحاكمة التي تتشكل من الأحزاب والقوى الإسلامية السياسية والقومية. إنهم لم ينهبوا العراق ومازالوا يواصلون ذلك فحسب، بل هم قد عطلوا عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ووضعوا العراق في خدمة إيران وكأن العراق مستعمرة وبقرة حلوب لإيران.
لقد كان الدكتور فالح مهدي دقيقاً وواضحاً حين أكد ما يلي: " لقد وقع العراقيون في وهم خطير تمثل في أن أمريكا جاءت لتحريرهم من ربقة النظام العبودي والاستبدادي الذي أقامه صدام حسين، وأنها جاءت لتنتشلهم من الفقر والعوز، الذي عانوا منه طيلة تلك الفترة اللئيمة، لاسيما السنوات ما بين 1980-2003 من الحروب العبثية والمدمرة، من فاشية أصبحت بمرور الزمن مافيا "القائد الضرورة"، من بداوة فجة وبدائية اكتسحت أجمل ما في مدنهم. بيد أنهم لم يدركوا أبداً من إن الفوضى الخلاقة التي جاءت بها كونداليزا رايز، مستشارة الرئيس بوش ومن ثم وزيرة خارجته، لم يراد لها البتة، أن تكون خلاقة بل ناراً حولت بلدهم إلى هشيم". (الكتاب، ص 174).
وفي هذه الدولة وضع دستور أعرج ومشوه، صاغه للعراق وعبر بأول بريمر كل من "الصهيونيان فيلدمان وبيتر غالبرت" (مهدي، الكتاب، ص 176)، من جهة، وصودر فعلياً مفهوم المواطنة لصالح الهويات الفرعية القاتلة من جهة أخرى، وهي المأساة والمهزلة في عراق اليوم، إنها المحنة الكبرى التي يعيش تحت وطأتها الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع دياناته ومذاهبه الدينية والفلسفية والفكرية، إنها الكارثة التي قادت وماتزال تقود المزيد من العرقيات والعراقيين إلى الموت بطرق وأساليب شتى. ويمكننا القول: إذا كان صدام حسين وحزبه ونظامه مصيبة كبرى على الشعب العراقي طيلة 35 عاماً، فأن النظام السياسي الطائفي المحاصصي الراهن قد وضع العراق في مهب الرياح العاتية، في خضم العواصف المدمرة والاجتياحات المحتملة، كما حصل في اجتياح وغزو العراق من بوابلة الموصل ونينوى، إن النظام السياسي الراهن هو الكارثة ذاتها. إنه يقامر بالعراق وشعبه ووحدته.
انتهت الحلقة الثالثة عشرة وتليها الحلقة الرابعة عشرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العراق ليس استثناءا
متابع ( 2019 / 6 / 17 - 06:39 )
كافة دول الشرقين الادنى والاوسط باستثناء اسرائيل مرشحة للتفكك وذلك لانعدام او الضعف الشديد للطبقة المثقفة الليبرالية, وهذا يعود الى التراث الثقافي الماضوي المنغلق المعادي للحرية وقيم العصر ويعود ايضا للانظمة الديكتاتورية العسكرية المعمرة ومحاربتها للديمقراطية ويعود اخيرا الى الاسلام السياسي الذي لايؤمن حتى بفكرة الدولة الوطنية
من شان طبقة مثقفة ليبرالية راسخة ان تفرز طبقة سياسية ليبرالية تحافظ على الدولة المدنية
الحديثة وان تدمج مكونات الشعب بكتلة وطنية مهيمنة كما هو الحال في الهند وبعض دول امريكا
اللاتينية ودول شرق اسيا الديمقراطية
شكرا للكاتب المحترم
شكرا للحوار المتمدن

اخر الافلام

.. انتخابات إيران الرئاسية: خامنئي يحث الناخبين على التصويت في


.. الحكومة الجديدة في مصر تؤدي اليمين الدستورية • فرانس 24




.. الانتخابات النيابية الفرنسية: نتائج الجولة الأولى في ميزان ا


.. مقتل قيادي بارز في حزب الله بغارة إسرائيلية استهدفت سيارته ب




.. #مصر.. إغلاق مبكر للمحال التجارية عند العاشرة مساء #سوشال_سك