الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر حول وفاة الرئيس السابق

أسامة عرابي
(Osama Shehata Orabi Mahmoud)

2019 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية



بوفاة الرئيس الإخواني المحافظ "د.محمد مرسي"، أو "الرئيس الصُّدفة" الذي جاء بديلًا لمرشح مكتب الإرشاد "خيرت الشاطر" نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين د.محمد بديع، الذي اعترض عليه المجلس العسكري بسبب الأحكام العسكرية الصادرة بحقه في عدة قضايا متعلقة بجماعته، وما ترتَّب عليها من آثار جنائية بحقِّه، يبدأ فصلٌ جديد من فصول الصراع بين النظام والجماعة؛ إثر الاتهام الموجَّهِ من قِبلِ الجماعة إليه بالتسبُّبِ في وفاته عقبَ إهماله طبيًّا، ووضعه في ظروف لا إنسانية نالتْ من حياته، وهي مسألة لم تتأكد بعدُ، ولا تزال محضَ اتهامٍ مُرسَلٍ. غير أن اللافت في الأمر، هو ما قامت به جماعات الغلو والتشدُّدِ من مناحات وصلوات غائب عليه، على نحو ما شهدته العاصمة الأفغانية في مسجد إدغاه في كابل، بمشاركة علماء دين وعدد كبير من المواطنين الأفغان، داعين له بالرحمة والغفران، مُقدِّمين التعازي إلى أسرته وأقاربه. وعقب الصلاة، رفع المشاركون لافتاتٍ عليها صور مرسي مرفقة بكتابات من قبيل "الشهيد مرسي" و"الاستشهاد في سبيل الله هو أملنا أيضًا". وهو ما ينسجم مع مسيرة جماعة مرسي الفاشية التي بدأتها في العشرينيات من القرن الماضي وما بعدها ، متزامنة مع حركة الوطنيين المتطوعين الهندوسية الفاشية ، في سياق العداء للشيوعية ، والأزمة الحادة التي شهدها النظام الرأسمالي . لذلك لم يكن مصادفة أن تعاود هذه الجماعة الظهور في السبعينيات ، في إطار نهوض النظام الرأسمالي بحلِّ أزماته الهيكلية ، عبر نقلها إلى الأطراف ومواقعها الهامشية الاقتصادية ؛ وذلك من خلال تشجيع الحركات العنصرية اليمينية ، وشرائحها الكومبرادورية التي تحافظ على أسس النظام الرأسمالي الإمبريالي . ألم يعلن رئيس الجماعة الإسلامية الجزائرية "أنور هدَّام" أن الرئيس الأمريكي ريجان هو النجاشي- إمبراطور الحبشة المعروف في التراث العربي الإسلامي باسم النجاشي - الذي أكرم وفادة الرسول ؟ ألم تصدر مجلة "النذير" لسان حال جماعة الإخوان المسلمين عام 1938 في عهد وزارة محمد محمود باشا المعروفة بحكومة اليد الحديدية ؟ لذلك فإن عدونا الرئيس هو جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها السلفيون ، وهما معًا " الإخوان والسلفيون " ماضويان معاديان للعقل والعلم ، ومتحالفان مع الرأسمالية الريعية الخليجية ، ويعبران عن شرائح البرجوازية المتضررة من الطابع الدولتي لرأسمالية دولة الستينيات ، وعن السياسات النيوليبرالية ، وتتألف جماهيرهما من قطاعات الطبقة الوسطى الريفية والمدينية المعتدلة باتجاهاتها المحافظة في الحياة والمجتمع . ولعل البيان الصادر يوم الثلاثاء 27/11/2012 عن مجلس إدارة صندوق النقد الدولي يُميط اللثام عن ماهية ما سبق ، عبر تشديده النبر على "أن الاتفاق التمهيدي على خطة مساعدة مصر التي تقضي بمنحها قرضًا بقيمة 4,8 مليار دولار ، مرتبط بعدم حدوث تغيير في سياسة مصر الاقتصادية والسياسية ، واعتماد موازنة 2012- 2013 المعدَّلة التي ستعكس الإجراءات المقرَّرة حول الضرائب والنفقات " . ثم زاد أحد أعضاء الهيئة الاستشارية للرئيس محمد مرسي ، الكاتب الصحفي"أيمن الصياد" الطين بِلَّة ، باقتراحه مساء الثلاثاء 27//201211 " إجراء استفتاء على العودة بالعمل بدستور 1971مع تعديلاته التي استُفتِيَ عليها الشعب وذلك لمدة خمس سنوات ؛ للخروج من المأزِق الذي تعانيه البلاد حاليًّا "، أي إعادة إنتاج نظام مبارك وسياساته المعادية للحريات الديمقراطية وللتطلعات الوطنية لشعبنا المصري بعد ترقيعه وتجميله. وبذلك يُزيح الإعلان الدستوري النقاب عن وجهه الدكتاتوري ، في اتساقه مع تبني رأس الدولة وجماعته النظام الرئاسي بسلطاته المطلقة التي لا تعترف باستقلالية السلطة القضائية ولا بالفصل بين السلطات ، في إطار سعيهم الحثيث إلى بناء مجتمع ثيوقراطي شمولي ، وإنسان ذي بُعدٍ واحد . ألم يكن مؤسس جماعتهم "حسن البنا" يَعُدُّ الديمقراطية غير ملزِمة ، ولم يتوان عن تخفيض عدد مكتب الإرشاد من خمسة عشر فردًا إلى تسعة أفراد ؛ بطرد كل مَنْ أسهم في تسليط الأضواء على تجاوزات زوج شقيقته السيد عبد الحكيم عابدين ؟ وهاهو تلميذه وسادن كعبته د.محمد مرسي يواصل النهج ذاته ، فيدعو الدكتور محمد البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح إلى حوار شامل لتخطي الأزمة الراهنة ، ثم يفاجئ الجميع بمن فيهم العددُ الأكبر من مستشاريه بالإعلان الدستوري ؟
إن محاولة إطالة أمد النظام السابق في سياساته الداخلية والخارجية بالديماجوجية الدينية مسألة تجاوزها التاريخ والزمن .الأمر الذي أملى علينا التحالف مع كل القوى الوطنية والديمقراطية ؛ من أجل إسقاط مشروع دستور الإخوان الذي طبخته اللجنة التأسيسية ومعه الإعلان اللادستوري الذي يُحصِّن قراراتِ الرئيس من النقد والطعن عليها ؛ ليصبح فوق الجميع ، ويُلغي مفهوم الدولة المدنية ، ويؤسِّس لنظام الملالي وولاية الفقيه الإيراني في مصر ، بعد أن أضحت "قرارات رئيس الجمهورية والقوانين التي يصدرها محصنة وبأثر رجعي من أي رقابة قضائية " وعدم الاعتداد "بحجية الأحكام القضائية بما نصَّ عليه من إعادة المحاكمات بنصٍّ مطلق يتسع حتى لا حول سَبْقِ صدور حكم باتّ فيها ، وهو ما لا يمكن تصوره أو السماح به" وفق ما ذهبت إليه الجمعية العمومية لمحكمة النقض في بيانها الصادر يوم الأربعاء 28/11/2012 .
لهذا جاء مشروع دستورهم الذي انتهوْا من إعداده سريعًا ؛استباقًا لقرار المحكمة الدستورية العليا بحلِّ لجنتهم التأسيسية ، طائفيًّا لاسيما في مادتيْه 2و 219 ، مكرِّسًا استبدادهم الديني ، حافلًا بكل ما يعجُّ به تراث النظم الفاشية من عوار ، بعد أن أتخموه بموادَّ تُبيح حلَّ النقابات ووقف البثّ الفضائي وتعطيل الصحف بحكم قضائي ، ناهيك عن المادة التي تفتح الباب أمام عودة ما كان يعرف في حكم مبارك بـ"المجلس سيد قراره"، وتذهب إلى أنه "لا يجوز إسقاط عضوية أي عضو إلا بموافقة ثلثي أعضائه" . من أجل ذلك ؛ وافق أعضاء الجمعية التأسيسية في جلستهم منتصف ليل الأربعاء برئاسة المهندس "أبو العلا ماضي ، على نقل الصلاحيات التشريعية إلى مجلس الشورى بعد صدور الدستور ، وحتى انتخاب مجلس النواب الجديد .
من هنا ؛ يأتي الحشد الإخواني يوم السبت 1/12؛ ليعمِّق حالة الاستقطاب في المجتمع ، ويدفع بالبلاد إلى تجاذبات سياسية مفتوحة على احتمالاتها المتعددة . وهذا هو– في الحقيقة – "مشروع النهضة" الذي وعدوا الأمة المصرية به ؛ ليصيبوا من خلاله هدفهم الأساس ، وهو إقامة مشروعهم الثيوقراطي الشمولي الذي يُتيح لهم إحكام سيطرتهم على المجتمع ، وتمرير اتفاقاتهم المشبوهة مع عدويْنا التاريخييْن : الإمبريالية الأمريكية والكِيان الصَّهيوني. ولعلَّ مَنْ عاش هذه الفترة المظلمة من تاريخ مصر يدرك ما
لمسناه من فوضى أمنية غير مسبوقة في تاريخنا القديم والحديث ، وسط أجواء ملغومة من دعاوى التكفير وفتاوى القتل لقوى المعارضة تطلقها بين الحين والآخر جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها السلفيون ، حتى إن النيابة العامة حينذاك كانت في طريقها إلى اختصام جهاز الأمن الوطني لامتناعه عن تقديم أي معلومات أمنية تتعلق بالقضايا المنظورة مما يعطِّل عملها بشكل كبير ، يشاطره في هذا النائب العام الإخواني الذي لم نكنْ نسمع منه شيئًا عن نتائج التحقيق في قضية قتل ميليشيا الإخوان المسلمين للمتظاهرين أمام قصر الاتحادية ؛ الأمر الذي يعكس بجلاء أزمة نظام مكتب الإرشاد وعدم قدرته على التصدي العلمي للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وخضوعه لصندوق النقد والبنك الدولييْن ومنظمة التجارة العالمية وهيئة المعونة الأمريكية ؛ مما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانتشار الفساد في البلاد ، فتحالف مع الحركات الأصولية المتطرفة ؛ لتمييع الصراع الاجتماعي ، وتمويهه بأشكال عدة من التعصب والاستبداد والنزعات المحافظة . ولعل ما حدث في مدرسة المستقبل الإعدادية بنات بإمبابة خير شاهد على ما تقدَّم ؛ حيث شكتِ البنات وأهاليهن، من سطوة البلطجية وتهديداتهم المستمرَّة لهن بالأحزمة والمطاوي والطوب ، ومنع تحية العَلَم وتغيير النشيد الوطني بأغانٍ دينية تؤجِّج الصراع الطائفي ؛ في محاولة لإجبارهن على ترك المدرسة ، والانصراف عن التعليم ، والعودة إلى البيت ؛ ومن ثم تحويل مصر إلى أفغانستان جديدة تحت حكم طالبان . إلا أنهن برغم استغاثاتهن المتكرِّرة ، وطلبهن النجدة من الجهات الأمنية وأجهزتها المتعددة ، فإن أحدًا لم يحرِّك ساكنًا ، وتُركت التلميذات ومدرستهن لمصيرهن المجهول . وهنا يتعين علينا أن نتوقف قليلًا لنتأمل هذه الظاهرة ، ونتناولها في ضوء المشهد العام ، وما يحفل به من دلالات أفضت إلى الانفلات الأمني ، وترويع الآمنين ، وخلق مناخ معادٍ للعقل والعلم والتسامح والانفتاح على العصر ومستجداته . فقد ركزت جماعة الإخوان المسلمين منذ مجيئها إلى سدة الحكم ، نيران مدفعيتها الثقيلة على التعليم ومناهجه ؛ بهدف إعادة صياغة عقل التلاميذ وبرمجته بما يخدم مشروعهم الرامي إلى إحياء الخلافة الإسلامية ، والعمل على تغليب النقل على العقل ، والانضباط على الوعي ، والتلقين العقائدي (تلقين النشء الانقياد الأعمى والتكفير :هذا كفر وهذا إيمان) ، ونفي الآخر المختلف ، والنظر إلى التراث كبقرة مقدسة ومثل أعلى ينبغي اقتفاء أثره والامتثال الكسول له ، وليس بوصفه خبرة بشرية تقبل الصواب والخطأ ، ورفض التساؤل والتفكير النقدي والمحاججة والحوار؛ عملًا بقول القدماء : إذا أراد الله بقوم خيرًا فتح عليهم باب العمل ، وأغلق باب الجدل ، وإذا أراد لهم العكس ، فتح لهم باب الجدل وأغلق عنهم باب العمل ، ومحاولة فرض آرائهم ومبادئهم بالقوة الجبرية المسلحة . لهذا ناشدنا يومها القوى الوطنية الديمقراطية الوقوف إلى جنب بنات مدرسة المستقبل الإعدادية بنات بإمبابة وتبني قضيتهن ؛ صونًا لأبنائنا مما يُراد لهم ويُدبر من دعاة التكفير والتجهيل، والعمل على علمنة التعليم والقانون ، في ظل نظام ديمقراطي يؤمن بالتعدد والاختلاف ، في تكامل حضاري موصول بالعصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24